اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
متابعات- نبض السودان
تعيش العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من ولايات الشرق على وقع رعب صحي متصاعد، بعد رصد عشرات الإصابات بنوع نادر من الملاريا يُعرف محلياً باسم 'الملاريا الحبشية'، وسط تحذيرات من كارثة صحية وشيكة في ظل انهيار المنظومة الطبية، وغياب العلاج والتشخيص المبكر.
أعراض غامضة تثير القلق في مراكز النزوح
في أحد مراكز النزوح جنوب الخرطوم، كانت خديجة تحاول خفض حرارة طفلها المرتفعة بالماء البارد، وهي تردد بيأس أن طفلها لم ينم منذ يومين بسبب الحمى الشديدة، دون أن تعلم أن ما يُعانيه ليس الملاريا التقليدية، بل نوع خبيث يتسلل إلى الكبد ويعاود الهجوم عند أول انتكاسة في المناعة.
هذا النوع، بحسب مصادر طبية تحدثت لـ'العربية.نت' و'الحدث.نت'، لا يظهر في الفحوصات المعتادة، ما يجعل اكتشافه صعباً، ويُرجّح أن المسبب هو طفيلي Plasmodium vivax، الذي يبقى في الكبد فترات طويلة، مسبباً نوبات متكررة من الحمى الحادة، وآلام المفاصل، وصداعاً مستمراً، وغثياناً.
العلاج: مسار مزدوج ودواء مفقود
يتطلب علاج 'الملاريا الحبشية' مساراً علاجياً مزدوجاً، يبدأ بعقار 'كوراتيم'، ويليه تناول أقراص 'بريماكوين' بجرعة 25 ملغ يومياً لمدة 14 يوماً، للقضاء على الطفيل في مرحلته الكبدية، ومنع تكرار الانتكاسات. إلا أن المعضلة الكبرى، كما يقول الأطباء، هي غياب هذه الأدوية الحيوية في معظم المراكز الصحية، ما يزيد من خطر الوفاة، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
انتشار مقلق وتحذيرات في الخرطوم وشرق البلاد
بحسب تقرير حديث صادر عن غرفة الطوارئ في جنوب الحزام بالخرطوم، تم تسجيل 75 حالة مؤكدة بـ'الملاريا الحبشية' خلال أسبوع، مع 50 حالة اشتباه قيد المتابعة، وثلاث حالات إصابة بحمى الضنك. ويؤكد الأطباء أن الإصابات تنتشر بوتيرة سريعة في ولايات كسلا وحلفا الجديدة، وتتسبب في أعراض حادة من بينها الغيبوبة، وفقر الدم، واضطرابات جسدية مفاجئة.
تقارير ميدانية: عدد الوفيات يتصاعد بصمت
كشفت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد، اختصاصية الأمراض المعدية وعضوة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، أن شرق البلاد سجل أكثر من 140 حالة إصابة مؤكدة، إضافة إلى 68 حالة في الخرطوم وأم درمان. كما تم رصد 8 حالات وفاة في الشرق، و11 وفاة في العاصمة.
ووصفت الوضع بـ'المقلق للغاية'، مؤكدة أن النقص الحاد في الأدوية، والمحاليل الوريدية، وغياب حملات التوعية، كلها عوامل تهدد بانتشار المرض على نطاق واسع يصعب احتواؤه في المستقبل القريب.
وزير الصحة: 3 وفيات يومياً بسبب الملاريا
في تصريحات سابقة، أقر وزير الصحة السوداني د. هيثم محمد إبراهيم أن الملاريا رغم بساطتها الظاهرية لا تزال الخطر الأكبر على المواطن، إذ سجل السودان خلال عام 2024 أكثر من مليون و500 ألف إصابة، و900 حالة وفاة، بمعدل ثلاث وفيات يومياً.
وأشار إلى أن الحرب المندلعة منذ أبريل 2023 دمرت مؤسسات النظام الصحي، وعطلت حركة الخدمات الطبية، ما أثر على حركة المواطنين، وتسبب في زيادة انتقال الطفيليات، وتغير خريطة الأوبئة في البلاد.
تحديات متراكمة تواجه جهود المكافحة
وأكد الوزير أن تغير المناخ وظهور نواقل جديدة للمرض، إلى جانب مقاومة الطفيل للأدوية، كلها عوامل تعيق مكافحة الملاريا، وتجعل من الصعب القضاء عليها في الوقت الراهن. ورغم استمرار البرنامج القومي لمكافحة الملاريا في رصد الحالات والتدخل، إلا أن الاستجابة لا تزال محدودة، ولا ترقى لحجم الأزمة.
الكارثة على الأبواب: هل من تدخل دولي عاجل؟
الأطباء يطالبون بتدخل سريع من المنظمات الدولية لتوفير العلاج اللازم، ودعم جهود المكافحة، من خلال رش المناطق الموبوءة، وتجفيف المياه الراكدة، وتكثيف حملات التوعية الصحية. فالوضع الميداني لا يحتمل الانتظار، وأي تأخير قد يؤدي إلى كارثة صحية شاملة.
في وطن أنهكته الحرب، ودمّرت بنيته التحتية، لم تعد الحمى مجرد عرض عابر، بل باتت إنذاراً دامغاً لنظام صحي يحتضر، ولمواطنين يقاتلون للبقاء أحياء في وجه أمراض متحوّرة تفتك في صمت.