الخرطوم تسجل تفشياً غير مسبوق للبعوض.. وتحذيرات رسمية من أزمة صحية واسعة

في تصريح رسمي حمل تحذيراً صحياً بالغ الأهمية، كشف وزير الصحة السوداني الدكتور هيثم إبراهيم عن تفشي غير مسبوق للبعوض الناقل لحمى الضنك والملاريا في مختلف أنحاء البلاد. وأوضح أن كثافة بعوض الأيديس بلغت 30%، وهي نسبة تفوق بستة أضعاف الحد الذي يعتبر كافياً لإحداث انفجار وبائي، والذي لا يتجاوز 5%. هذا التصاعد الحاد في انتشار البعوض يشكل تهديداً مباشراً للصحة العامة، ويستدعي تدخلات عاجلة تتجاوز الأساليب التقليدية.

ضعف المكافحة

خلال مقابلة بثتها قناة السودان عبر برنامج “إعمار” مساء السبت، أشار الوزير إلى أن أساليب المكافحة المعتمدة حالياً، وعلى رأسها الرش بالمبيدات، لم تعد فعالة بما يكفي. وأوضح أن البعوض ينشط نهاراً داخل البيوت المغلقة، ويتكاثر في بيئات غير تقليدية مثل العربات المهملة والأنقاض، ما يجعل الرش الجوي محدود التأثير. كما أكد أن حمى الضنك، رغم انخفاض معدل الوفيات المرتبط بها، تتسبب في مراضة مرتفعة تؤثر على الأسرة بأكملها، مشيراً إلى وجود أربعة أنواع منها منتشرة في السودان. ودعا إلى تفعيل المشاركة المجتمعية وإزالة الأنقاض، مع تكثيف الحملات الوقائية، لا سيما التفتيش المنزلي لليرقات.

خسائر القطاع

وفي سياق تقييم الأضرار التي لحقت بالقطاع الصحي، أكد الوزير أن الخسائر الفعلية لم تبتعد كثيراً عن التقديرات السابقة التي بلغت 11 مليار دولار. وأوضح أن غالبية المباني الصحية تعرضت لدمار جزئي، بينما طال الدمار الكلي عدداً محدوداً منها، في حين كانت الأجهزة والمعدات الطبية الأعلى تكلفة ضمن الخسائر. كما أشار إلى تعرض القطاع لاعتداءات مباشرة طالت 500 مؤسسة صحية، وفقدان أكثر من 120 من الكوادر الطبية أثناء تأدية واجبهم المهني.

أضرار الخرطوم

أوضح الوزير أن تكلفة إعادة المواطنين إلى ولاية الخرطوم ارتفعت بشكل كبير، من 400 مليون دولار إلى مليار و200 مليون دولار، مشيراً إلى أن الخرطوم تكبدت أضراراً تفوق تلك التي لحقت ببقية الولايات، نتيجة لطول فترة تواجد قوات الدعم السريع فيها. وفي دارفور، أكد أن العديد من المؤسسات الصحية تعرضت للتدمير، رغم عدم توفر بيانات دقيقة حتى الآن حول حجم الخسائر هناك.

أزمة الأدوية

تطرق الوزير إلى أزمة الإمدادات الطبية، مشيراً إلى أن عمليات النهب التي طالت الأدوية والمستلزمات الصحية تسببت في نقص مالي يتراوح بين 300 و500 مليون دولار. وأوضح أن ثلاثة مصانع فقط من أصل 26 تعمل حالياً في الخرطوم، بينما يُتوقع أن تدخل سبعة مصانع إضافية الخدمة بحلول نهاية العام. ورغم هذه التحديات، فقد تحسنت نسبة الوفرة الدوائية لتصل إلى 75% وفق أحدث التقارير، مقارنة بـ42% في عام 2023، رغم أن مديونية القطاع لا تزال مرتفعة وتبلغ نحو 70 مليون دولار.

تجربة الصمود

أكد الوزير أن منظمة الصحة العالمية أبدت اهتماماً بتوثيق تجربة السودان في صمود نظامه الصحي خلال فترة الحرب، مشيراً إلى أن الظروف الاستثنائية فرضت نمطاً لا مركزياً ساهم في استمرار تقديم الخدمات الصحية. وأوضح أن الوزارة وضعت خطة للاستفادة من الكوادر الطبية المتوفرة في الولايات، تضمنت تدريب الأخصائيين واستبقاء نحو 1000 منهم في مواقعهم، لضمان استمرارية العمل في ظل التحديات الراهنة.

مشاريع إنتاج

وفي إطار تعزيز الاكتفاء الذاتي، كشف الوزير عن مشاريع مستقبلية تهدف إلى زيادة إنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية داخل السودان. وتشمل هذه المشاريع إنشاء مصانع للشاش والقطن في ولاية النيل الأزرق، ومصانع لإنتاج أمصال العقارب في الولاية الشمالية، إلى جانب مصانع للمحاليل الوريدية في ولاية النيل الأبيض. وتهدف هذه الخطط إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد وتحسين وفرة الإمدادات الطبية في البلاد، بما يعزز قدرة النظام الصحي على مواجهة الأزمات.