لماذا قرر مجلس السيادة فجأة وقف صيانة مؤسسات الخرطوم؟

الخرطوم– نبض السودان

في خطوة أثارت الكثير من الجدل وردود الفعل المتباينة، أصدر الفريق مهندس إبراهيم جابر إبراهيم، عضو مجلس السيادة الانتقالي ورئيس اللجنة العليا لتهيئة البيئة المناسبة لعودة المواطنين لولاية الخرطوم، قرارًا بإيقاف جميع أعمال الصيانة الجارية للمؤسسات والمنشآت الحكومية في ولاية الخرطوم، وذلك اعتبارًا من يوليو الماضي.

القرار الذي صدر استنادًا إلى الفقرة (2) (1) من قرار مجلس السيادة رقم (153) لسنة 2025، والذي نص على تشكيل اللجنة العليا لتهيئة البيئة المناسبة لعودة المواطنين، أُلزم بموجبه كل الجهات ذات الصلة بإنفاذ القرار فورًا.

القرار يشعل الجدل بين المواطنين

أثار القرار تفاعلًا واسعًا بين أوساط المواطنين والمهتمين بالشأن العام، حيث انقسمت الآراء ما بين من يراه خطوة في الاتجاه الصحيح، ومن يعتبره انتكاسة في مسار عودة الحياة تدريجيًا للعاصمة الخرطوم بعد شهور من الحرب والتدمير.

ففي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على إعادة الخدمات الأساسية وإحياء المؤسسات، رأى البعض أن وقف أعمال الصيانة يمثل تناقضًا مع الجهود الحكومية الرامية لإعادة العاصمة إلى طبيعتها، خصوصًا أن صيانة المرافق تعتبر جزءًا من بنية الدولة الأساسية.

خدمات ضرورية قبل صيانة المباني

في المقابل، أبدى فريق آخر تأييده للقرار، معتبرًا أن الأولوية القصوى في هذه المرحلة يجب أن تكون لتوفير الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن بشكل مباشر، مثل المياه والكهرباء وإزالة الركام والمخلفات الناتجة عن الحرب، بالإضافة إلى نقل ودفن الجثث التي لا تزال في بعض المناطق.

وأشار هذا الفريق إلى أن صيانة المباني الحكومية يمكن تأجيلها إلى حين عودة الاستقرار الكامل، حيث تستطيع المؤسسات الحكومية العمل من أي موقع مؤقت، في ظل غياب الاحتياجات الأساسية عن عدد كبير من الأحياء والنازحين.

منشآت الدولة ليست أولوية.. بل توثيق للدمار

بعض المواطنين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، إذ دعوا إلى ترك المباني والمنشآت على حالها، لتكون شاهدًا على حجم الدمار الذي طال الخرطوم، واقترحوا تحويلها إلى مواقع توثيقية وسياحية، يأتي إليها الزوار لتأمل حجم المعاناة والخراب، مما قد يسهم في فتح مسار جديد للسياحة والذاكرة الوطنية.

رؤية لتأسيس عاصمة جديدة

وفي السياق ذاته، كتب الصحفي الحاج أحمد المصطفى، تعليقًا على القرار، بأن السودان إذا لم يستفد من هذه الحرب في إعادة التأسيس على نهج الدول المتطورة، فستكون الخسارة مزدوجة: حرب ودمار وغياب للتطور.

وأضاف: 'بدلًا من الانشغال بصيانة العاصمة الخرطوم، التي باتت غير صالحة لأي تطوير حقيقي، يجب التفكير في إنشاء عاصمة جديدة بمواصفات حديثة تشمل بنية تحتية متقدمة، من جسور معلقة إلى مترو أنفاق وسكك حديد ومطارات عالمية، وفنادق ومنشآت سياحية'.

“صيانة الخرطوم كالحناء في يد عجوز”

وفي تعبير لافت، شبه الصحفي إصلاح الخرطوم بطلاء الحناء على يد عجوز في التسعين من عمرها، قائلًا: 'أي إصلاح في الخرطوم يشبه الحناء في أيدي عجوز انحنى ظهرها وارتجفت يداها، فلا تستطيع أن تبقي الحناء عليها لدقائق'.

وأكد أن الخرطوم، كما يعرفها الجميع، تعاني من قبح عمراني واتساخ مزمن، لدرجة أن هطول مطرة واحدة كفيل بتعطيل الحياة فيها. لذا يرى أن أي محاولة لصيانتها الآن ستكون دون جدوى.

مطالب بإعادة ترتيب الأولويات الوطنية

وسط هذا الجدل، تظل المطالب الشعبية مركزة على ضرورة ترتيب أولويات الحكومة في الفترة الراهنة، بحيث تُوجه الجهود إلى إعادة الخدمات الحيوية والأساسية للمواطنين، بدلًا من التركيز على المظهر الخارجي للمؤسسات، التي لا تزال بحاجة إلى تقييم شامل قبل أي عمليات ترميم أو تطوير.

في النهاية، يعكس القرار حجم التحديات التي تواجهها الحكومة السودانية في محاولتها لإعادة بناء الدولة في مرحلة ما بعد الحرب، وسط واقع اقتصادي وأمني معقد، واحتياجات إنسانية طارئة لا تحتمل التأجيل.