اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
* تناقلت الوسائط في الأيام الماضية خبراً مفاده أن وزارة الداخلية قد شرعت في جبر أضرار بعض منسوبيها الذين فُصلوا تعسفياً في بواكير الحقبة القحتاوية. ومع فرحتنا بهذا القرار الذي يعيد بعض الإنصاف لمنسوبي الشرطة، تبادر إلى الذهن سؤال مشروع: ماذا عن قضية ضباط الشرطة المفصولين في فبراير 2020م؟
* لقد ظل هذا الملف واحداً من أكثر الملفات وضوحاً وعدلاً من الناحية القانونية، إذ بلغ مرحلة الحكم النهائي البات من المحكمة العليا، بعد مسار قضائي طويل أُثبتت فيه سلامة موقف الضباط وعدالة قضيتهم، بل وتنازلت فيه وزارة العدل عن الخصومة، مما جعل الحكم واجب التنفيذ دون قيد أو شرط.
* ولأن العدالة لا تتجزأ، فقد أصدرت المحكمة في مرحلة التنفيذ حكماً إضافياً يقضي بتغريم وزير الداخلية الأسبق مبلغ مائة ألف جنيه يومياً تُستقطع من ماله الخاص نظير التأخير في تنفيذ الحكم! ومع ذلك، ظل التنفيذ حبيس الأدراج إلى يوم الناس هذا، تحت ذريعة 'عدم وجود وظائف'، وكأن احترام القضاء رهن بتوافر الوظائف لا بسيادة القانون.
* اتصلتُ بوزير العدل، الذي أكد لي مشكوراً أن طلب ضباط الشرطة المفصولين وصله فعلاً، وأنه سيجتهد في معالجة الأمر بالتنسيق مع وزارة الداخلية، موضحاً أن وزارة الداخلية هي الطرف الأصيل ، وأنه بعد الاطلاع على الملف وما تم فيه 'سيجلس مع وزير الداخلية للنظر في سُبل المعالجة'. وهي خطوة إيجابية، تُحسب لوزير العدل الذي تعامل مع الملف بعقلية مؤسسية ومسؤولية قانونية، بعيداً عن الحرج أو التجاهل.
* لكن المسؤولية الأكبر تقع على وزير الداخلية، بوصفه صاحب القرار التنفيذي والطرف المعني مباشرة بتنفيذ أحكام القضاء الصادرة ضد وزارته. والواقع أن ما قامت به الوزارة مؤخراً من جبر أضرار لمجموعة أخرى من منسوبيها بقرار إداري يُعد خطوة مقدّرة، لكنه يضعها أمام اختبار العدالة الداخلية: فكيف تُنصف الوزارة مجموعة بقرار إداري، بينما تتجاهل أخرى بحكم قضائي نهائي واجب التنفيذ؟
* إن العدالة لا تُختار انتقائياً، ولا تُمارس بالقطعة. فإن تعذر إرجاع الضباط المفصولين للخدمة لأي سبب إداري أو تنظيمي، فالأولى أن تُنصفهم الوزارة كاملاً بحقوقهم وترقياتهم وتعويضاتهم وفق المعامل الحسابي لحظة المعالجة، بل وتضيف إليهم تعويضاً عادلاً عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم طوال السنوات الماضية.
* إن وزارة الداخلية، بصفتها جهاز إنفاذ القانون، مطالبة بأن تكون القدوة في احترام القانون وتنفيذ أحكامه، تماماً كما فعلت مؤسسات الدولة الأخرى التي بادرت بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالح منسوبيها في وزارات العدل والقضائية والخارجية وغيرها. فالعدالة تبدأ من الداخل، ومن يطالب المواطن باحترام القانون يجب أن يكون أول من يطبقه على نفسه ومؤسسته.
*خلاصة القول ومنتهاه*
* إننا على ثقة بأن الوزيرين معاً، العدالة والداخلية، قادران على إغلاق هذا الملف بصورة مشرفة تُعيد الاعتبار لمفهوم الدولة وسيادة القانون، وتؤكد أن العدالة ليست شعاراً يُرفع، بل ممارسة تُنفذ.ث، فالعدالة التي لا تبدأ من داخل المؤسسات ، لا يمكن أن تُبنى خارجها.