اخبار السودان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٩ تموز ٢٠٢٥
تعطل الدراسة وغياب الأمن والقانون والتدهور الاقتصادي والدوافع الاجتماعية أبرز أسباب تفشي الظاهرة
أدى تعطل الدراسة في معظم مناطق السودان خلال فترة الحرب المندلعة بين الجيش و'الدعم السريع' لأكثر من 27 شهراً، إلى انتشار كثير من الظواهر السلبية وسط المجتمع السوداني، أبرزها تفشي زواج القاصرات، خصوصاً في مناطق النزوح، وهو ما أرجعه البعض إلى عامل الفقر وانعدام الأمن وغياب مؤسسات الحماية.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أشار إلى ارتفاع نسبة زواج الفتيات دون السن القانونية إلى 34 في المئة، إذ يتزوجن قبل سن 18 سنة، منهن 12 في المئة يتزوجن قبل الـ15. لافتاً إلى أن النزوح وانفصال الأسر والصعوبات الاقتصادية وراء هذه الظاهرة الخطرة.
ومنذ اندلاع الحرب في البلاد ترك أكثر من 19 مليون طفل مقاعد الدراسة، 70 في المئة منهم فتيات، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، مما خلق فراغاً كبيراً تسبب في كثير من الممارسات الخطأ.
فاطمة حسن معلمة بإحدى المدارس الابتدائية في ولاية الجزيرة، تقول 'في الحقيقة حدث تحول جذري في وضع الفتيات بعد تعطل المدارس لأكثر من عامين بسبب الحرب'.
وأضافت 'قبل إغلاق المدرسة، كان لدينا نحو 300 طالبة من الصف الأول حتى الثامن، وبعد تعليق الدراسة بدأت الفتيات يلازمن المنازل لفترات طويلة من دون أي نشاط بديل، فخلال الأشهر الأولى ظلت بعض الأسر متمسكة بالأمل في عودة أبنائها وبناتها لمواصلة الدراسة، لكن مع تطاول فترة توقف التعليم بالمدارس بدأت تتخذ قرارات مصيرية أبرزها تزويج البنات'.
وزادت 'المؤشرات لم تأت مباشرة من المدرسة، بل من المجتمع المحيط. كنا نسمع من الجيران أو خلال الزيارات الميدانية أن هذه الطالبة تزوجت، وتلك خطبت، وهي حالات كثيرة معظمها في سن الـ13 أو الـ14، كما أن غالب الزيجات جرت من دون إعلان واسع، وفي أجواء أقرب إلى الحل الأسري منه إلى القرار الواعي'.
وواصلت 'عندما نسأل الأمهات عن السبب، غالباً ما تكون الإجابة أن التعليم لم يعد متوافراً، ولا توجد أية جهة توفر أنشطة أو مراكز بديلة. ومع التدهور الاقتصادي، يشعر البعض أن وجود فتاة مراهقة في البيت من دون تعليم يعرضها للخطر، سواء من الناحية الأمنية أو الاجتماعية، وعموماً نجد في ظل هذه البيئة أن الزواج المبكر يقدم كخيار عملي تحت غطاء الستر أو الحفاظ على الفتاة'.
ومضت في القول 'المدرسة لم تكن فقط مكاناً للتعليم النظامي، بل كانت تلعب دوراً مهماً في بناء الوعي وتقديم الإرشاد، إلى جانب توفير بيئة آمنة للفتيات. ومع توقفها، لم يظهر أي بديل يملأ هذا الفراغ، فالمؤسسات الحكومية غائبة، والمنظمات لا تغطي سوى نطاق محدود، لذلك فإن الفراغ الناتج من غياب التعليم استبدل بقرارات تغير مستقبل الطفلة بالكامل'.
لكن شهادات بعض أولياء الأمور كشفت عن دوافع اجتماعية واقتصادية مباشرة تقف وراء قرار تزويج الفتيات في سن مبكرة. يقول أسامة سعيد المقيم في أحد مراكز النزوح الموقتة بولاية سنار 'لدي طفلتان، زوجت الكبرى وهي في سن الـ15، نحن نعيش في ظروف استثنائية، لا مدارس، لا عمل، لا خدمات، ولا أحد يسأل عنا. ابنتي الكبرى كانت تدرس في الصف السابع، ثم توقفت الدراسة فجأة، وبقيت في البيت عاماً كاملاً من دون أي نشاط. كنا نخاف عليها، فالمنطقة غير آمنة، والبنت في هذه السن يمكن أن تتعرض لكثير من المضايقات'.
وتابع 'عندما تقدم لها أحد الأقارب، رأينا أنه شخص معروف، ويمكنه توفير حياة مستقرة لها، صحيح لم يكن القرار سهلاً، لكننا لم نكن نرى مستقبلاً أو بديلاً أفضل، إذ لا توجد جهة توفر التعليم، ولا حماية حقيقية من الدولة أو أية منظمة، توصلنا إلى أن الزواج ربما يكون وسيلة لحمايتها من المجهول'.
واستطرد سعيد 'المجتمع من حولنا أيضاً يدفع بهذا الاتجاه، الناس تقول إن البنت لو بقيت في البيت من دون دراسة أو زواج ستقع في المحظور. نحن لا نملك رفاهية الاختيار، فالقرارات تتخذ تحت الضغط، وغالباً بناء على ما هو متاح، لا ما هو أفضل'.
في المقابل، رأت المحامية والناشطة في قضايا حقوق الطفل أسماء علي، أن 'زواج القاصرات في مناطق النزاع ليس ظاهرة طارئة، بل نتيجة مباشرة لانهيار البنية التعليمية والاجتماعية'.
وأشارت إلى أن 'القانون السوداني يفتقر إلى نص واضح وملزم يمنع زواج من هن دون 18 سنة، كما أن تطبيق القوانين المتعلقة بحقوق الطفل يكاد يكون غائباً في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، في ظل هذا الفراغ القانوني تتحول العادات الاجتماعية إلى مرجعية وحيدة، وغالباً ما تكون غير منصفة للفتيات'.
كذلك قالت المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية يمنى فضل، إن 'القانون السوداني لا يضع حداً صريحاً لسن الزواج، وإنما يترك المجال واسعاً لتقديرات القاضي أو ولي الأمر، مما يسمح بزواج الفتيات دون سن 18 سنة إذا رئي أنهن بالغات'.
وزادت فضل 'في مناطق النزاع لا توجد آلية فعالة لتوثيق الزيجات، وغالباً ما تتم من دون أوراق رسمية أو عبر إجراءات مجتمعية غير خاضعة للرقابة. وهذا يخلق بيئة قانونية رخوة لا توفر الحماية للفتيات، ولا تتيح لهن أية فرصة للاعتراض أو حتى التبليغ في حال حدوث انتهاك'.
وبينت المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية أن 'غياب مؤسسات الدولة في المناطق المتأثرة بالحرب، إلى جانب ضعف التدخلات من المنظمات المحلية والدولية، فاقم المشكلة وجعل العادات المجتمعية هي المرجعية الوحيدة في اتخاذ قرارات مصيرية في حق القاصرات'.
في السياق أفادت الباحثة الاجتماعية سمية محمد، أن 'زواج القاصرات حالياً لا يمكن فصله عن ضغوط الواقع اليومي للأسر'. مضيفة 'الأسرة في مناطق النزاع تتعامل مع أزمات مركبة كانعدام التعليم، والفقر، والخوف من الاعتداء أو الوصمة، وغياب الدولة. كل هذه العوامل تنتج قراراً يبدو في نظر الأسرة كأنه حماية أو تخفيف عبء، بينما هو في الحقيقة انعكاس لانهيار المنظومة بأكملها، لذلك لا يمكن محاربة زواج القاصرات من دون توفير بدائل واقعية وآمنة'.
من جهتها، أوضحت المتخصصة النفسية منى عبدالصمد، أن 'الزواج المبكر غالباً ما يؤدي إلى اضطرابات نفسية طويلة المدى، بخاصة إذا تم في بيئة تفتقر إلى الدعم والوعي'.
وأضافت 'الفتيات في سن مبكرة لا يمتلكن بعد النضج النفسي الكافي لتحمل مسؤوليات الزواج، وكثيراً ما نرصد حالات من القلق والاكتئاب وانعدام الثقة بالنفس بين من خضن هذه التجربة، فالفتاة تشعر أنها أخرجت من سياقها الطبيعي قسراً من دون أن تمنح فرصة للتطور أو تقرير مصيرها'.