اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تحقيقًا موسعًا كشف تفاصيل صادمة عن مشاركة مئات المرتزقة الكولومبيين في الحرب الدائرة بالسودان، حيث تحدث أحدهم، يُدعى “كارلوس”، عن مشاهد مرعبة وأسرار خفية من داخل خطوط القتال بمدينة الفاشر، التي وصفها بأنها “أسوأ ساحة معركة في البلاد”.
كارلوس يكشف الحقيقة المروعة عن حرب السودان
قال كارلوس، الذي قاتل ضمن صفوف قوات الدعم السريع، إن ما شاهده في السودان “يفوق الوصف”، موضحًا أن المقاتلين المحليين “ينامون ليلًا بلا حراسة أو يقظة، بينما الكولومبيون معتادون على حروب مختلفة تمامًا”. وأضاف: “عندما وصلنا إلى الجبهة توغلنا ليلًا في عمق أراضي العدو، واندلعت معارك دامية وسقط العديد من القتلى”.
كارلوس أكد أن “الحرب بالنسبة له تجارة”، وأنه جاء إلى السودان بعد عامين من اندلاع الصراع الوحشي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مشيرًا إلى أن المرتزقة الكولومبيين تم تجنيدهم بوعود مالية ضخمة، لكنه اكتشف لاحقًا أن “الثمن الحقيقي كان أرواح الناس”.
مرتزقة يُدربون أطفال السودان على القتال
بحسب رواية كارلوس، لم يقتصر دور المرتزقة على القتال فقط، بل شمل تدريب مجندين سودانيين معظمهم من الأطفال. قال: “كانت المعسكرات تضم آلاف المجندين، أغلبهم أطفال لم يحملوا السلاح من قبل. علمناهم استخدام البنادق والرشاشات وقاذفات آر بي جي، ثم أُرسلوا إلى الجبهات ليموتوا هناك”. وأضاف واصفًا التجربة بأنها “فظيعة ومجنونة”.
وأكدت صحيفة الغارديان أن صورًا ومقاطع فيديو حصلت عليها تُظهر أطفالًا سودانيين في معسكرات التدريب، يقف أمامهم مرتزقة كولومبيون يعلمونهم أساسيات القتال، بينما تظهر في بعض المقاطع أصوات إطلاق نار كثيف من مواقع داخل الفاشر المحاصرة.
تفاصيل الرحلة من كولومبيا إلى السودان عبر الصومال
يروي كارلوس تفاصيل رحلته قائلاً إنه خضع لفحوصات طبية في بوغوتا قبل توقيع عقد براتب شهري يبلغ 2600 دولار. ثم تم نقله عبر أوروبا إلى إثيوبيا، ومنها إلى قاعدة عسكرية إماراتية في بوساسو بالصومال، قبل أن يتم ترحيله لاحقًا إلى مدينة نيالا بالسودان، التي أصبحت مركزًا رئيسيًا لتجمع المرتزقة الكولومبيين.
وقال المرتزق إنه بدأ مهمته الأولى في تدريب الأطفال المجندين، قبل نقله إلى الفاشر، حيث وجد نفسه وسط قتال شرس، ومشاهد دمار مروعة، وأعمال إعدام جماعية بحق المدنيين. وأضاف: “لقد بنى مقاتلو الدعم السريع جدارًا بطول 32 كيلومترًا حول المدينة، وأعدموا كل من حاول الفرار”.
توثيق بالصور والفيديو
قدّم كارلوس ورفاقه للصحافة الدولية أدلة مصوّرة تُظهر المقاتلين الكولومبيين وهم يطلقون النار من شقق مهدمة، أو يوجهون قذائف الهاون نحو مواقع عسكرية، فيما تُظهر مقاطع أخرى مراهقين سودانيين يرفعون شارة النصر أمام الكاميرات بعد انتهاء تدريباتهم.
وفي أحد الفيديوهات، يمكن سماع أصوات كولومبيين يتحدثون بالإسبانية أثناء اشتباكات عنيفة، وهم يحاولون إنقاذ زميل لهم جُرح في المعركة، في مشهد يعكس حجم الفوضى والانهيار داخل تلك الجبهات.
من حرب كولومبيا إلى ساحات السودان
أوضحت الغارديان أن الحرب الأهلية الطويلة في كولومبيا خلقت فائضًا من المقاتلين المحترفين الذين تلقى كثير منهم تدريبات أمريكية متقدمة، مما جعلهم سلعة مطلوبة في حروب الشرق الأوسط وأفريقيا.
وقالت المحللة إليزابيث ديكنسون من مجموعة الأزمات الدولية إن “كولومبيا تملك تاريخًا طويلاً من الصراع، ومقاتلوها معتادون على أصعب الظروف، لذا يتم استقطابهم بسهولة كمرتزقة”.
المرتزقة الكولومبيون.. من اليمن إلى السودان
من جانبه، أوضح الخبير شون ماكفيت أن المرتزقة الكولومبيين خدموا سابقًا في اليمن ضمن قوات تابعة للإمارات، مضيفًا: “تم إرسالهم هناك لقتل الحوثيين، ونجحوا في ذلك، ومنذ تلك اللحظة أصبحوا جزءًا من شبكة حروب الظل التي تموّلها جهات إقليمية مختلفة”.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة تمنح الدول “مسوغًا للإنكار”، حيث يمكنها تنفيذ انتهاكات دون تحمّل مسؤولية مباشرة، لأن المرتزقة ليسوا رسميًا تابعين لأي جيش نظامي.
مهنة بلا شرف ولا قانون
في ختام شهادته، قال كارلوس: “هذه ليست وظيفة شريفة، وليست قانونية، لكنها طريق سريع نحو المال. في النهاية، الحرب تجارة”. وأوضح أنه ترك السودان بسبب مشاكل في الدفع، لكنه رأى في الوقت نفسه طائرات جديدة تنقل عشرات المقاتلين الكولومبيين إلى هناك، في مشهد يُظهر استمرار هذا النوع من التجنيد المثير للجدل.
ويخلص التحقيق إلى أن تجارة المرتزقة، التي اختفت طوال القرن العشرين تقريبًا، تعود اليوم بقوة، لتعيد العالم إلى “عصر حروب الشركات” حيث يُباع الدم مقابل المال، كما وصفها ماكفيت: “نحن نعود إلى العصور الوسطى، عندما كان الأغنياء يصنعون جيوشهم الخاصة”.