اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
▪️لم تكن زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى بورتسودان مجرّد خطوة بروتوكولية، بل حملت في طيّاتها دلالات سياسية وأمنية عميقة. فهي تأتي في لحظة فارقة، حيث تسعى القاهرة لتثبيت موقعها كحليف إستراتيجي للخرطوم في مواجهة الحرب التي يصفها السودانيون بـ'حرب الكرامة'، وفي ظل سباق محموم بين الأطراف الإقليمية والدولية للتأثير في مسار الأزمة.
*_الرباعية الدولية: مربط الفرس_*
▪️النقطة الأكثر إثارة وتشويشاً في البيان الصادر عن المجلس السيادي كانت الإشارة إلى أن اللقاء تطرّق لـ'الجهود الدولية بما فيها الرباعية الدولية' (أميركا والإمارات ، مصر ، السعودية ). هذه الإضافة بدت وكأنها نزعة براغماتية جديدة في خطاب الخرطوم تجاه الرباعية، بعد فترة من التحفظ والرفض العلني لها. وهو ما جعل بعض المراقبين يقرأون الأمر كنوع من التحوّل في بوصلة الدبلوماسية السودانية … خاصة واننا في مقالنا السابق ما قبل الزيارة اشرنا الي احتمالية تأثير زيارة محمد زايد القاهرة قبل 48 ساعة من زيارة الوزير المصري لبورتسودان .
*_البيان يورد… والتصريحات توضح_*
▪️لكن هنا يظهر الفارق بين ما ورد في البيان السيادي وما قاله الوزير نفسه. فبينما حمل البيان تصريح وزير الخارجية بصيغة براغماتية مقتضبة عن 'التفاكر مع القاهرة في إطار الأطر الدولية، بما فيها الرباعية'، بدا وكأنه قبولٌ مطلق ببيان الرباعية، الأمر الذي أثار الحفيظة والجدل. لكن الوزير، في تصريحاته المباشرة لم يوردها بيان السيادي ، فكك ووضح أن المقصود هو تنسيق ' سوداني–مصري لتوظيف هذه المنابر الدولية لصالح معركة السودان، وليس الارتهان لها' بعبارة أخرى، البيان السيادي اكتفى بعرض العنوان، بينما تصريحات الوزير قدّمت المتن والشرح الذي غاب عن النص الرسمي.
_*تصريحات الوزير: الرسائل المخفية بين السطور*_
▪️الأهمية لا تكمن فقط في ما ورد في البيان، بل في ما غُيِّب عنه. وزير الخارجية محي الدين سالم لم يكتفِ بالحديث عن التنسيق مع القاهرة، بل أطلق رسائل بالغة الدلالة:
▪️اعتبر أن حرب الكرامة ليست معركة ميدانية فقط، بل جبهة دبلوماسية موازية، موجّهًا رسالة مباشرة للمقاتلين بأن 'الدبلوماسية في الخندق ذاته معكم'.
▪️شدّد على أن مصر ليست مجرد شريك، بل 'سند وظهير' للجيش السوداني، تقدم دعماً غير محدود.
▪️أشار بوضوح إلى أن الحرب فُرضت من أطراف خارجية، وأن التنسيق مع مصر يتجاوز اللحظة الراهنة ليشكّل تحالفًا في مواجهة 'المؤامرات الإقليمية والدولية'.
▪️ربط بين معركة السودان ومأساة غزة، ليؤكد أن ما يواجهه السودان ليس حدثاً معزولاً بل جزء من منظومة صراع أوسع يستهدف المنطقة.
*تساؤل مشروع: أين بيان الخارجية؟*
▪️من زاوية بروتوكولية بحتة، يظلّ السؤال قائماً: لماذا صدر البيان باسم المجلس السيادي وليس وزارة الخارجية، طالما أن الزيارة كانت في أصلها وزارية واللقاءً وزارياً؟ وهل كان من الأجدى أن تُصدر وزارة الخارجية بيانها الخاص متضمناً الشرح الوافي لتصريحات الوزير، بما يقطع الطريق أمام التأويلات والالتباس؟ غياب هذا البيان ترك مساحة لجدل غير ضروري حول طبيعة الموقف السوداني من الرباعية، في وقت يحتاج فيه الخطاب الرسمي إلى أعلى درجات الوضوح.
*_خلاصة القول ومنتهاه_*
▪️إن زيارة وزير الخارجية المصري إلى السودان، وما دار خلالها من تصريحات ومواقف، تعكس إدراكاً مشتركاً بأن معركة السودان ليست شأنًا داخلياً معزولاً، بل جزء من معادلة إقليمية ودولية أوسع. البيان السيادي قدّم صورة مقتضبة، بينما تصريحات وزير الخارجية محي الدين سالم قدّمت الإطار الكامل: حرب الكرامة تُدار في خنادق متوازية، ميدانية ودبلوماسية، وأن القاهرة تبقى السند والظهير الأقرب للخرطوم في هذه المرحلة العصيبة.
▪️لكن التحدي يظل قائماً في ضرورة وضوح الخطاب الرسمي وتوحيد منصاته بين السيادي والوزاري، حتى لا تتحول الفوارق في الصياغة إلى ثغرات تستغلها أطراف خارجية للتشويش على الموقف السوداني وإضعاف رسالته.