اخبار السودان
موقع كل يوم -أثير نيوز
نشر بتاريخ: ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتتناقص الحقيقة، يقف إعلامنا الوطني على عتبة الارتباك، يتلفت يمنة ويسرة، لا يدري أهو في ميدان معركة أم في مقهى من المتفرجين.
في وقتٍ تُدار فيه الحروب بالكلمة قبل البندقية، وبالصورة قبل الرصاصة، يبدو إعلامنا وكأنه آخر من يعلم، وآخر من يتحرك، وأول من يُهزم.
لقد هزمنا إعلامنا — نعم، هزمنا حين صمت وهو يملك المنبر، وحين تراجع وهو صاحب الحق.
ترك الساحة خالية لأبواق الكذب، فملأت الميدان زعيقاً وبهتاناً وتلفيقاً، حتى صار الباطل له نغمة وإيقاع، وصار الصمتُ من جانبنا خيانةً لا تُغتفر.
ولأن الطبيعة تأبى الفراغ، تمددت أبواق المليشيا حتى ملأت المشهد، وبدأت تكتب نيابة عن إعلامنا، وتفسر مواقفه، وتُلبسه ما لم يقل، وتزج به وسط الركام، ثم نرى إعلامنا — بكل أسى — يهرع بعدها لينفي، ويُبرر، ويُفسّر!
حتى صار في نظر المتابعين كرةً تتقاذفها الدعاية الكاذبة، ومادةً لتمارين التضليل الإعلامي.
يا إعلام الوطن، متى تنهض من غفلتك؟
متى تعي أن المعركة اليوم ليست فقط على الأرض، بل في العقول والضمائر والشاشات؟
ألم يحن الوقت لتدرك أن الحرب الإعلامية لا تُخاض بردود الأفعال ولا بالارتجال، بل برؤيةٍ، ومهنيةٍ، واصطفافٍ وطنيٍ واعٍ؟
ما نريده ليس صراخاً ولا مزايدة، بل إعلاماً شجاعاً، مسؤولاً، يُحسن الدفاع عن الحق دون أن يتنازل عن المبدأ.
إعلاماً يملك بوصلة الوطن، لا يتبع المزاج، ولا ينتظر التعليمات، ولا يلهث خلف إشاعة ليكذبها بعد فوات الأوان.
إن معركة الكرامة ليست بندقيةً فقط، بل هي كلمة حرة، وصورة صادقة، ورسالة وعي.
وإن أولى خطوات النصر أن نكفّ عن التفرج، وأن نكسر هذا الصمت الموجع الذي جعل من إعلامنا متفرجاً على مجده المنهوب، وصورته المشوهة.
لقد آن الأوان أن يشارك إعلامنا في معركة الكرامة — لا بصفته ناقلاً للخبر فحسب، بل شريكاً في صناعة الوعي، وصوتاً للوطن لا صدى لغيره.
فالإعلام الذي يتأخر عن الدفاع عن وطنه، إنما يُسلم لهزيمته دون طلقة واحدة.
يا إعلاميي الوطن…
أنتم الحصن الأخير للكلمة، والدرع الذي يصدّ رصاص الكذب، فلا تجعلوا من المهنة جسراً يعبر عليه المضللون إلى عقول الناس.
اكتبوا بضمير الوطن لا بظل الخوف، وكونوا لسان الميدان لا صدى الهزيمة.
لا تنتظروا من يُملي عليكم الموقف، فأنتم صُنّاع الموقف إن أردتم.
لتكن الكلمة منكم صرخة حقٍ في وجه الباطل، لا أنيناً باهتاً بعد الفوات.
فالوطن اليوم لا يطلب منكم المستحيل…
بل يطلب فقط أن تكونوا في الصف، لا خلف الصف.


























