الابيض : اغتيال مسؤول قضائي في منطقة أمنية عالية التأمين يثير الريبة

أصدر المرصد السوداني لحقوق الإنسان بيانًا شديد اللهجة اعتبر فيه اغتيال وكيل النيابة الأعلى بولاية شمال كردفان، الأستاذ التجاني آدم صبي، انتهاكًا فادحًا لمبدأ سيادة القانون وضربة موجعة لاستقلال مؤسسات العدالة في البلاد، التي تعاني أصلًا من انهيار متسارع وتدخلات سياسية وأمنية متزايدة بفعل الحرب المستمرة.

وجاء في البيان أن الجريمة التي وقعت مساء السبت 16 أغسطس داخل منزل الأستاذ صبي بحي المديرية بمدينة الأبيض، تمثل تصعيدًا خطيرًا في استهداف رموز السلطة القضائية، وتؤكد حجم التهديدات التي تواجهها هذه المؤسسات في ظل تدهور الأوضاع الأمنية. وأوضح المرصد أن الحادثة أثارت قلقًا بالغًا، خاصة وأنها تأتي في سياق سلسلة من الجرائم التي هزت الرأي العام خلال الفترة الماضية، من بينها اغتيالات طالت شيوخًا وأطفالًا في الفاشر وكردفان، دون أن تُفتح فيها تحقيقات جادة رغم تعهدات سابقة من قيادة قوات الدعم السريع، إلى جانب جرائم أخرى وقعت في عطبرة وحي الصحافة بالخرطوم لا تزال معلقة دون مساءلة.

وأكد المرصد أن اغتيال الأستاذ صبي، الذي كان يشغل منصبًا قضائيًا رفيعًا ويُعرف بنزاهته وتفانيه في أداء مهامه، يمثل رسالة تهديد مباشرة لكل من يعمل في السلك القضائي، ويعكس مناخًا من الترهيب المتعمد في وقت تعاني فيه مؤسسات العدالة من ضعف الحماية وتراجع الاستقلالية، وهو ما يعيد إلى الأذهان إرثًا ثقيلًا من التسييس والتدخلات الأمنية منذ عهد النظام السابق بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير.

وبحسب ما ورد في البيان، فإن الجريمة وقعت في منطقة المديرية، وهي من أكثر المناطق تأمينًا في مدينة الأبيض، وتضم مقرات رسمية وسكن والي الولاية، ما يثير علامات استفهام حول كيفية تمكن الجناة من تنفيذ العملية في هذا الموقع الحساس، ويفتح المجال لاحتمالات تورط جهات نافذة أو وجود تقصير أمني جسيم. وقد وصفت الحادثة حينها بأنها “غادرة وجبانة”، وسط تساؤلات متزايدة حول ملابساتها، خاصة في ظل الانتشار الأمني المكثف بالمنطقة.

وأشار المرصد إلى أن استهداف القضاة ووكلاء النيابة، بغض النظر عن الدوافع، يُعد تهديدًا مباشرًا لاستقلال القضاء، مشددًا على أن الأستاذ صبي كان يعمل مؤخرًا على مراجعة ملفات معتقلين لم تتوفر ضدهم أدلة قانونية كافية، في إطار سعيه لترسيخ العدالة وإطلاق سراح من لم تثبت إدانتهم.

ودعا المرصد سلطات التحقيق إلى التعامل مع القضية بأقصى درجات الجدية والشفافية، مطالبًا بالكشف عن ملابسات الجريمة وتحديد هوية الجناة، خاصة وأن مدينة الأبيض تعيش منذ أشهر تحت حصار قوات الدعم السريع، التي تُتهم خلايا تابعة لها بتنفيذ اعتقالات تعسفية وممارسات تعذيب بحق المدنيين.

وحذر البيان من أن اغتيال مسؤول قضائي بهذا المستوى يبعث برسائل خطيرة حول هشاشة الحماية التي توفرها الدولة لحماة العدالة، ويزيد من حالة فقدان الثقة لدى المواطنين في مؤسساتها، مطالبًا النيابة العامة بإجراء تحقيق مستقل ونشر نتائجه للرأي العام، وتقديم المتورطين إلى محاكمة عادلة وعلنية، إلى جانب تعزيز إجراءات حماية العاملين في السلك القضائي وضمان استقلالهم المهني.

كما جدد المرصد دعوته لقيادة القوات المسلحة السودانية لإعادة تنظيم عمليات التجنيد تحت مظلة الجيش الوطني مباشرة، بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات المؤسسة العسكرية الأخيرة، محذرًا من استمرار ظاهرة انتشار المليشيات المسلحة وتفشي السلاح خارج نطاق الدولة، لما يشكله ذلك من تهديد مباشر للسلم الأهلي واستقرار البلاد.

وختم المرصد بيانه بالتأكيد على أن تحقيق العدالة هو الركيزة الأساسية لأي مجتمع مستقر ومزدهر، مشددًا على التزامه بمواصلة متابعة القضية حتى كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عنها، معربًا عن تعازيه الحارة لأسرة الفقيد وزملائه وأهالي مدينة الأبيض، ومعلنًا تضامنه الكامل مع السلطة القضائية والنيابة العامة في سعيهما لاستعادة استقلاليتهما ومكانتهما في المجتمع السوداني.