اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
ما الذي يراه الإنسان في لحظاته الأخيرة؟ سؤال شغل الفلاسفة والعلماء لقرون طويلة، لكن دراسة جديدة صادرة عن معهد بكين للعلوم الرياضية والتطبيقات قدّمت خطوة مهمة نحو فكّ هذا اللغز الأزلي، بعد تحليلها لتجارب واقعية لأشخاص مرّوا بما يُعرف بـ'تجارب الاقتراب من الموت' (NDEs).
شهادات واقعية من حافة الحياة
أجرى فريق الباحثين مقابلات دقيقة مع 48 شخصًا عاشوا تجارب اقتراب من الموت، في محاولة لفهم ما يحدث للوعي البشري حين يتوقف الجسد عن العمل. وتنوعت شهادات المشاركين بين رؤى روحانية عميقة وتجارب غريبة تشبه مشاهد أفلام الخيال العلمي، مما أعطى العلماء نظرة فريدة إلى حدود الإدراك الإنساني في اللحظة الفاصلة بين الحياة والموت.
بين النور والثقب الأسود
روت إحدى المشاركات في الدراسة قائلة: 'كانت هناك سلالم حجرية على يساري، ورأيت يسوع في الأعلى مرتديًا رداءً أبيض'. هذه الشهادة تُمثّل النموذج الكلاسيكي لتجارب الموت القريبة ذات الطابع الديني.
لكن شهادات أخرى بدت مختلفة تمامًا، إذ قال أحد المشاركين إنه رأى ثقبًا أسود بدا مظلمًا بالكامل، بينما كان الضوء المحيط به ساطعًا لدرجة أنه أخفى جميع الألوان. أما آخر فقد وصف مشهدًا أقرب إلى الواقع الافتراضي، إذ رأى 'مصفوفة ضخمة من النقاط المتصلة في أبعاد متعددة'، وأضاف: 'شعرت أنني إذا دخلت تلك المصفوفة، يمكنني الانتقال إلى أي مكان في الكون بمجرد التفكير فيه'.
تفسيرات علمية لا روحية
وقالت الدكتورة فرانس ليرنر، المؤلفة الرئيسية للدراسة، في تصريح لصحيفة ديلي ميل البريطانية، إن هذه التجارب لا تعني وجود 'روح' تغادر الجسد، بل هي انعكاس للتغيرات الفيزيولوجية في الدماغ أثناء لحظات التوقف الحيوي.
وأوضحت ليرنر أن 'الخلفية الثقافية لكل إنسان تحدد شكل الهلوسات التي يراها، فالشخص الذي نشأ في بيئة مسيحية سيختبر رموزًا مختلفة عن شخص تربّى في ثقافة بوذية أو يهودية'.
وأكدت أن الدراسة تُظهر أن الدماغ، عندما يبدأ في الفشل، يعيد تشكيل الإدراك البصري بطرق معقدة، مما يؤدي إلى ظهور أنماط هندسية متغيرة تتطور مع تدهور حالة الوعي.
أشكال هندسية للأقتراب من الموت
صنف الباحثون تجارب الاقتراب من الموت إلى أربعة أنماط هندسية رئيسية:
وأشار العلماء إلى أن المشاركين ينتقلون تدريجيًا من النمط (A) إلى (C5) أثناء تطور التجربة، ما يدل على سبب فيزيولوجي مشترك وراء كل تلك الرؤى.
الدماغ عند حافة الانهيار
وقالت ليرنر إن 'الدماغ في لحظاته الأخيرة يبدأ بفقدان الاتصال بين الإشارات البصرية والجسدية التي تحفظ الإحساس بالذات، ومع انهيار هذه الشبكة العصبية تظهر الرؤى المعقدة والمشاعر الغامرة التي يصفها الناس بأنها تجربة الموت'.
وأضافت أن بعض المشاركين وصفوا شعورًا بـ'الانفصال عن الجسد' أو الإحساس بأنهم يشاهدون العالم من الأعلى، وهو ما فسره الباحثون بأنه ناتج عن خلل مؤقت في آلية الدماغ المسؤولة عن تحديد موقع الذات في الفضاء.
بين الإيمان والعلم
ورغم الطابع الروحي لبعض الشهادات، أكدت الدراسة أن هذه الظواهر لا يمكن اعتبارها دليلًا على وجود حياة بعد الموت، بل هي تجارب ناتجة عن نشاط دماغي مفرط أو مختلّ في لحظات توقف تدفق الأوكسجين.
وترى ليرنر أن فهم هذه الظواهر لا يتعارض مع الإيمان، بل يعمّق إدراك الإنسان لطبيعة الوعي، قائلة: 'ما نراه عند الموت ليس نافذة على عالم آخر بالضرورة، بل انعكاس لكيفية تفكك وعينا ونحن نغادر هذا العالم'.
العلم يقترب من فك اللغز
خلص الباحثون إلى أن تجارب الاقتراب من الموت تمثل نافذة فريدة لدراسة كيفية عمل الدماغ عند الحدود القصوى للحياة، وأنها قد تساعد في تطوير علاجات لحالات الغيبوبة أو السكتات الدماغية، حيث يمكن أن توفّر هذه الدراسات أدلة على كيفية الحفاظ على الوعي أو استعادته بعد توقفه.


























