اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
في كل عام، يُفقد عشرات الآلاف من الأرواح بسبب النزيف الحاد قبل الوصول إلى المستشفى. هذه الحقيقة المؤلمة تعود في الغالب إلى صعوبة توفير نقل فوري للدم، خاصة في الحالات الحرجة كحوادث الطرق أو النزاعات المسلحة، حيث لا يتوفر تبريد كافٍ لحفظ أكياس الدم، ولا يستطيع المسعفون نقله بأمان.
في هذا السياق، كشفت الإذاعة العامة الأميركية 'إن بي آر' عن مشروع طبي رائد يقوده علماء في كلية الطب بجامعة ماريلاند في بالتيمور، يهدف إلى إنتاج دم اصطناعي يُخزّن على شكل مسحوق، يُعاد تكوينه وقت الحاجة لإنقاذ المصابين في الميدان.
كيف يعمل الدم الاصطناعي؟
العالم آلان دوكتور، قائد الفريق البحثي، شرح التفاصيل الدقيقة لهذا الابتكار الثوري. الفريق نجح في تصنيع دم اصطناعي باستخدام الهيموغلوبين المستخرج من الدم منتهي الصلاحية، ثم يغلف البروتين الحيوي بفقاعات من الدهون، لتشكيل خلايا دم حمراء اصطناعية.
الابتكار الأساسي هنا هو الغلاف الدهني الذي يمنع الهيموغلوبين من التفاعل بشكل ضار مع الأعضاء، حيث أن البروتين المكشوف قد يُحدث آثارًا سامة.
وتمكّن الباحثون من تجفيف الخلايا الاصطناعية بالتجميد، مما يحوّلها إلى مسحوق يمكن تخزينه في درجة حرارة الغرفة، والاحتفاظ به لسنوات دون تلف.
'دم فوري' في موقع الحادث
الفكرة المذهلة في هذا المشروع أن المسعف يمكنه، في موقع الحادث، مزج المسحوق بالماء لإنتاج دم وظيفي في دقيقة واحدة فقط. هذا التطور يمكن أن يُغيّر جذريًا قواعد الإسعاف الطارئ، ويمنح المصابين فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة حتى وصولهم للمشفى.
يقول آلان دوكتور:
'نريد أن نجعل الدم متوفراً في كل سيارة إسعاف ومروحية وساحة معركة، جاهزًا للاستخدام عند الحاجة دون انتظار أو تعقيد لوجستي'
دعم عسكري وتمويل ضخم
ولأن النزيف لا يُهدد فقط المدنيين، بل يُعد السبب الأول للوفيات الممكن تجنبها في ساحات المعارك، فقد ضخّت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تمويلاً يفوق 58 مليون دولار في مشروع تطوير هذا الدم الاصطناعي، ضمن جهودها لتزويد المسعفين العسكريين بوسائل أسرع وأكثر فاعلية لإنقاذ الجنود.
العقيد جيريمي بامبلين، مدير المشروع في وكالة البحوث الدفاعية المتقدمة (داربا)، صرّح بأن الجيش الأميركي يُعوّل كثيرًا على هذا الابتكار، قائلاً:
'النزيف مشكلة لا تزال قائمة رغم كل التطور التكنولوجي. دم دوكتور قد يكون الحل'.
نتائج واعدة على الحيوانات
حتى الآن، أجرى فريق جامعة ماريلاند اختبارات مكثفة على مئات الأرانب لمحاكاة النزيف الحاد، ونجحوا في إنقاذها باستخدام الدم الاصطناعي، ما يفتح الباب واسعًا للتجارب البشرية قريبًا.
وبحسب دوكتور:
'تمكّنا من استعادة كل وظائف الدم الحيوية اللازمة للإنعاش في صيغة تُخزن في درجة حرارة الغرفة وتُستخدم ميدانيًا'
هل يكون 'إريثرومير' مستقبل التبرع بالدم؟
الدم الاصطناعي الذي طوره الفريق أُطلق عليه اسم 'إريثرومير'، وهو منتج قد يقلل الاعتماد على التبرع بالدم التقليدي، ويعالج أزمات نقص الدم ومشاكل التخزين والنقل. لكنه لا يزال في مرحلة ما قبل التجريب السريري على البشر، وهو ما يتطلب موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA).
ورغم التفاؤل الواسع، فإن خبراء في المجال لا يزالون يتحفظون. فقد باءت محاولات سابقة لتطوير دم اصطناعي بالفشل، إما بسبب التسمم أو عدم الكفاءة.
نظرة مستقبلية
في اليابان، تعمل فرق بحثية موازية على منتجات مشابهة، بل إنها بدأت بالفعل تجارب أولية على البشر، ما يجعل السباق نحو الدم الاصطناعي قضية دولية واعدة.
في ظل التقدم المستمر، فإن اعتماد الدم الصناعي في الإسعافات الطارئة والمستشفيات والمناطق النائية قد يصبح واقعًا خلال سنوات قليلة، فاتحًا الباب أمام ثورة في طب الطوارئ، وتخفيفًا كبيرًا لأعداد الوفيات التي يمكن الوقاية منها.