اخبار السودان
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ كانون الأول ٢٠٢٥
قطع عشوائي للأشجار ورواج تجارة الفحم
مع اتساع رقعة الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات 'الدعم السريع'، تصاعدت موجات النزوح والجوع، مما أدى إلى فقد آلاف المواطنين مصادر دخلهم الأساسية، في حين بات القطع الجائر للغابات معركة موازية ضد الأرض نتيجة لغياب الطاقة البديلة. ولعقود طويلة صورة الغطاء الشجري خط دفاع طبيعياً للسودان من عوامل التصحر والجفاف، وكشفت التقارير البيئية عن أن الحرب الحالية، وما سبقها من حروب أسهمت في تدمير الغطاء الشجري وأصبحت الحال كارثية في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار ودارفور في ولاياته الخمس، وتمتد المأساة نحو إقليم كردفان لتشمل ولاياته الثلاث شمال وجنوب وغرب، إلى جانب الولايات التي استضافت النازحين مثل القضارف وكسلا والنيل الأبيض ونهر النيل والبحر الأحمر، إذ تعرضت الغابات فيها لأضرار واسعة.
ومع استهداف منشأة الطاقة المحلية كمصفاة الجيلي التي تغطي نحو 50 في المئة من إنتاج الغاز في البلاد، حدث انعدام حاد في الغاز الطبيعي، مما دفع المواطنين للقطع العشوائي للغابات والعودة للأساليب البدائية في الطهي في ظل رواج تجارة الفحم التي تعتبر المصدر الأساس للوقود وتحقق أرباحاً سريعة، لتطاول الأشجار المعمرة والغابات في ظل شلل الرقابة الحكومية في مناطق النزاع.
النازح فيصل كبير من ولاية وسط دارفور قال 'الحروب التي شهدها إقليم دارفور أسهمت في تدمير الغابات بسبب القطع الجائر لإنتاج الفحم، بخاصة في محيط زالنجي الواقعة في وسط الإقليم وما جاورها، وهذا الأمر متوقع في ضوء غياب تام للرقابة وأجهزة الدولة المنوط بها حماية الغابات من الاحتطاب'، وأضاف كبير 'تصاعد موجات النزوح بسبب استمرار الحرب فرض تجمعات سكنية في المناطق التي قصدها النازحوم، مما أدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية، إذ إن إقليم دارفور يحتوي على بيئات متنوعة وغطاء شجري كثيف، ومن المؤسف مورست فيه عمليات قطع الأشجار على نطاق واسع لأغراض متعددة تمثلت في بناء الخيام ومع حلول فصل الشتاء في التدفئة'، وتابع 'بالنظر إلى أعداد النازحين في المعسكرات المختلفة فإن ولايات الإقليم الخمس تتكرر فيها مشاهد القطع الجائر بصورة يومية'، وأشار إلى أن استمرار الحرب سيقود إلى إعدام الغطاء الغابي، وستكون هناك تحديات ماثلة من تصحر وجفاف تشكل خطراً على المناطق الزراعية.
في السياق، رأى الناشط المجتمعي آدم عيسى الذي يسكن مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان أن 'تمدد الصراع بين الجيش والدعم والسريع الذي شمل ولايات كردفان الثلاث سيكون له تأثير مباشر في غابات الهشاب والطلح، إذ باتت تتناقص في أماكن انتشارها في كردفان ودارفور والقضارف بسبب القطع الجائر، وهي تغطي نحو 500 كيلومتر مربع من المساحات المزروعة في البلاد'، ولفت آدم إلى أنه 'بسبب القطع العشوائي لأشجار الهشاب والطلح أصبحت سلعة الصمغ العربي في خطر وتواجه الاندثار، بخاصة في كردفان الذي يحتل المرتبة الأولى في إنتاج الصمغ العربي'، ونوه الناشط المجتمعي إلى أن 'استهداف إقليم كردفان أدى إلى استمرار تدفق النزوح الجماعي في مناطق متطرفة في معسكرات النزوح التي تفتقر لأبسط مقومات الحياة، بيد أن النازحين لجأوا إلى الاحتطاب وتدمير أشجار منتجة تشكل حماية طبيعية للسودان'، وأشار إلى أن 'فوضى الحرب رمت بثقلها على الغطاء النباتي، ويعود ذلك لغياب الرقابة المتمثلة في هيئة الغابات وإنفاذ الحماية والقانون'.
من جهته قال الباحث في مجال الغابات عادل خضر 'الولايات الآمنة التي استضافت النازحين مثل القضارف وكسلا والنيل الأبيض ونهر النيل تعرضت الغابات فيها لأضرار بالغة بسبب القطع الجائر، إضافة إلى الولايات التي شهدت معارك عنيفة كالخرطوم والجزيرة ودارفور والنيل الأزرق، وأيضاً الإقامة في المعسكرات، مما جعل الحاجة كبيرة إلى الحطب لتلبية الحاجات اليومية، وأدى إلى تدهور الغابات'، وأضاف خضر 'كذلك أثرت العمليات العسكرية بصورة مباشرة في الغابات، وأسهمت في احتراقها وتلوثها، مما شكل خسائر فادحة للحياة الزراعية والثروة الحيوانية، فضلاً على تهديد التوازن الطبيعي، إذ إن هناك احتجاجات من السكان، بخاصة في شرق الجزيرة ومطالبات بحماية الغابات لتفادي ما لا تحمد عقباه'، وتابع 'من المعلوم أن الغابات تمثل مورداً إنتاجياً مهماً يغذي اقتصاد البلاد ومصدراً لتقليل انبعاثات الكربون، إلى جانب أنها موطن للحياة البرية، وقد هجرتها أنواع نادرة من الجوارح الكاسرة والحيوانات وتراجع التنوع الحيوي نتيجة القطع الدائم للأشجار في واحدة من أسوأ الكوارث بتاريخ السودان الحديث'، وختم الباحث في مجال الغابات قائلاً 'دراسة الوضع الراهن للغابات تعد ضرورة قصوى، علاوة على تفعيل أجهزة الدولة للرقابة، ولضمان التعافي البيئي يقتضي الأمر تكاتف شركاء البيئة وإعطاء الغطاء النباتي الأولوية اللازمة، فضلاً على تنظيم الحملات التوعوية للحفاظ على الموارد الطبيعية وتنميتها'.
في السياق، أوضح رئيس مجلس إدارة مركز 'دلتا' للدراسات والبحوث العلمية والبيئية طه الطاهر بدوي أن 'الحرب الدائرة في البلاد أثرت في الغطاء الغابي، بخاصة في الولايات التي شهدت مواجهات محتدمة، إذ كانت خصماً على الغابات وشكلت حرباً موازية ضد الأرض نفسها بسبب القطع العشوائي والتعدي على الغابات المحجوزة'، وأشار إلى أن 'انعدام غاز الطهي دفع السكان، خصوصاً في الخرطوم، إلى الاعتماد على الحطب والفحم، فضلاً عن أن النزوح شكل عبئاً على البيئات الغابية في مناطق النزوح التي تضم أشجاراً منتجة للصمغ العربي، إذ تواجه تهديداً متفاقماً'، ونبه بدوي من أن 'عدم فاعلية القوانين والتدهور الأمني والإفلات من المحاسبة أثناء الحرب، مما يكفل حماية الغابات وتنظيم عمليات القطع عبر طرق مشروعة، ألحق ضرراً بمحميات رئيسة في دارفور وكردفان والقضارف إلى جانب الدندر'، وشدد على أنه من الممكن الاستعانة بمختصين في الغابات أو البيئة للمحافظة على ثروات البلاد.
على صعيد متصل قالت الباحثة الزراعية مروة بشير 'في تقديري، تراجع الغطاء النباتي في السودان يحتاج إلى تحديث آليات الرصد الدقيق وإصدار البيانات للوقوف على حجم الضرر، إذ إن التقارير الصادرة حتى الآن تعتمد على تقديرات غير رسمية جراء الحرب وتدمير البنى التحتية ونهب أجهزة المتابعة، لا سيما أن حجم الخسائر كبير بالنظر إلى اجتياح الولايات التي بها كثافة غابية'، ونوهت الباحثة الزراعية إلى أنه 'لا بد من تقييم وضع الغابات بخاصة الواقعة في المناطق التي شهدت استقراراً من أجل حماية ما تبقى منها، وإنقاذ الاقتصاد الوطني من عمليات التخريب والتدمير الذي لحق بهذه الثروة الهائلة'.


























