اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- مكاسب جماعية بـ30 مليار دولار تؤكد مرونة أسواق الخليج خلال الحرب.
- استجابة حكومية سريعة ودعم مؤسسي عزز ثقة المستثمرين وسط التصعيد.
- التنويع الاقتصادي والبنية الرقمية ساهما في تحصين البورصات من الصدمة.
في خضم أعنف تصعيد عسكري تشهده المنطقة منذ عقود، وبينما كانت العواصم الإقليمية تعيش على وقع الضربات الجوية والتوترات الجيوسياسية، برزت بورصات دول الخليج كلاعب مفاجئ في معادلة الاستقرار.
ففي الوقت الذي تهاوت فيه مؤشرات الثقة في عدة مناطق حول العالم، أثبتت أسواق المال الخليجية قدرتها الاستثنائية على امتصاص الصدمات واحتواء المخاوف.
وجاء إعلان وقف إطلاق النار بين إيران و'إسرائيل' ليكشف عن ديناميكية لافتة في سلوك الأسواق الخليجية، التي قفزت بمكاسب إجمالية بلغت 30.2 مليار دولار في جلسة واحدة، وفق بيانات 'كامكو إنفست'.
وهذا الأداء الصاعد لم يكن وليد لحظة عاطفية، بل نتيجة مباشرة لجملة من السياسات الاقتصادية والاستعدادات الهيكلية التي وضعتها دول مجلس التعاون الخليجي مسبقاً.
فالتخطيط المالي المرن، والاحتياطيات السيادية الضخمة، والبنية الرقمية المتطورة، كلها عوامل أسهمت في تحويل التوتر السياسي إلى فرصة لإعادة التمركز والاستثمار الذكي.
مكاسب جماعية
وأغلقت البورصات الخليجية على مكاسب جماعية قوية في جلسة الثلاثاء 24 يونيو الجاري، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقف إطلاق النار بين إيران و'إسرائيل'.
وفي السعودية، صعد مؤشر السوق الرئيسية 'تاسي' بنسبة 2.37% ليغلق عند 10964.2 نقطة، بدعم من مكاسب قوية في أسهم مثل 'البحر الأحمر العالمية' و'سلامة للتأمين التعاوني'، اللذين ارتفعا بـ9.97% و9.92% توالياً.
وسجل مؤشر سوق أبوظبي في الإمارات ارتفاعاً بنسبة 2.49% ليغلق عند 9795.3 نقطة، مستفيداً من أداء قوي لأسهم 'فينكس غروب بي إل سي'، و'الشارقة للأسمنت والتنمية الصناعية'، اللذين ارتفعا بـ14.29% و11.61% على الترتيب.
كما ارتفع المؤشر العام لبورصة دبي بنسبة 3.36% ليغلق عند 5593 نقطة، وسط صعود ملحوظ لأسهم 'الأسمنت الوطنية' و'العربية للطيران'، بنسب 8.78% و7.84% توالياً.
وفي بورصة قطر ارتفع المؤشر العام بنسبة 1.93% ليغلق عند 10531.8 نقطة، مع تسجيل أسهم 'إزدان القابضة' و'أوريدو للاتصالات' مكاسب بـ5.17% و3.64% على الترتيب.
وصعد المؤشر العام لبورصة البحرين بنسبة 1.49% إلى مستوى 1912 نقطة، بفضل مكاسب 'ألمنيوم البحرين' و'جي إف إتش المالية'، اللذين ارتفعا بـ6.98% و3.08% توالياً.
وبالكويت أغلق المؤشر الأول للبورصة مرتفعاً بنسبة 2.20% عند 8230.9 نقطة، بدعم من أداء قوي لسهم 'مراكز التجارة العقارية'، الذي قفز بنسبة 20.96%.
بدوره سجل مؤشر بورصة مسقط ارتفاعاً بنسبة 0.38% ليصل إلى 4540.5 نقطة، وسط صعود سهمي 'الأنوار للسيراميك' و'الغاز الوطنية' بنسبة 6.67% و3.61% على الترتيب.
ارتفاع في قلب الأزمة
وحتى في قلب الأزمة قدمت البورصات الخليجية أداء جيداً ففي 22 يونيو الجاري، سجلت مؤشرات معظم أسواق الأسهم الخليجية ارتفاعاً ملحوظاً متجاهلة التصعيد العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى.
وارتفع مؤشر سوق الأسهم السعودية، آنذاك، بنسبة 0.53% ليغلق عند 10,666 نقطة.
كما سجل مؤشر السوق الأول في بورصة الكويت مكاسب بنسبة 0.40% إلى مستوى 8.650 نقطة، بينما صعد مؤشر بورصة قطر بنسبة 0.20% إلى 10.280 نقطة.
استجابة سريعة
وما ساعد على تعزيز الثقة في هذه الأسواق، هو الاستجابة السريعة للحكومات الخليجية.
ففي الكويت، فعّلت وزارة المالية خطة طوارئ شاملة، تضمنت تجهيز ملاجئ قادرة على استيعاب 900 موظف وتصنيفها فنياً من الفئة C4، كما جرى تفعيل أنظمة العمل المالي عن بعد مثل Oracle وGFMIS، إضافة إلى التنسيق المستمر مع وزارة الداخلية والدفاع المدني لضمان أعلى درجات الجاهزية والاستجابة، حسب ما أفادت به وكالة الأنباء الكويتية (كونا) في 23 يونيو الجاري.
كما تبنت وزارات المالية في دول مجلس التعاون خطوات متقدمة لحماية النظام المالي، أبرزها تأمين تدفق السيولة النقدية، وتوفير قنوات بديلة للخدمات البنكية، وضمان جاهزية أنظمة الدفع الإلكتروني في وجه أي هجمات سيبرانية.
وقد ساعدت هذه التدابير على منح المستثمرين شعوراً بالثقة المؤسسية، حسب تقرير لصحيفة الراي الكويتية وبيانات 'كامكو إنفست'.
وفي مقال له على منصة 'Investing' الاقتصادية الدولية نشره في 25 يوينو الجاري، قال محلل أسواق المال أشرف حسانين، إنه 'في هذا المشهد العالمي المضطرب، تبرز دول الخليج العربي بوصفها حجر الأساس في استقرار أسواق الطاقة والتجارة'.
وأضاف حسانين: 'أظهرت دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، مستوى عالياً من الحنكة السياسية والقدرة على ضبط التوازنات، سواء عبر إدارة الإنتاج النفطي، أو من خلال مساهمتها في تهدئة التوترات الإقليمية'.
وتابع: 'وعلى صعيد الأسواق، نجحت البورصات الخليجية في الحفاظ على أدائها المتماسك، مستفيدة من ارتفاع السيولة، واستمرار الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية والقطاعات غير النفطية، ضمن رؤية اقتصادية تنموية بعيدة المدى'.
وأشار إلى أن المستثمرين العالميين يتجهون بثقة إلى منطقة باتت تمثل نموذجاً متقدماً للتنمية الاقتصادية والسياسية المتزنة.
ليست صدفة
وفي تفسيره لهذا الصمود القوي للبورصات الخليجية واقتصادات المنطقة، يقول الخبير الاقتصادي منير سيف الدين، إن 'ما جرى لم يكن صدفة، بل نتيجة تراكم قرارات استراتيجية ورؤية اقتصادية ناضجة في دول مجلس التعاون'.
ويضيف سيف الدين لـ'الخليج أونلاين': 'اللافت في ما شهدناه خلال أيام الحرب، أن الأسواق الخليجية لم تكن في موقع رد الفعل فقط، بل كانت تتحرك بوعي استثماري محسوب'.
ويتابع: 'عندما ترتفع مؤشرات ست بورصات خليجية من أصل سبع، وتحقق مكاسب بقيمة 30.2 مليار دولار في يوم واحد، فنحن أمام حالة غير اعتيادية في أسواق ناشئة، وهذا يعكس ليس فقط مرونة الأسواق، بل أيضاً نضج البيئة التنظيمية والمؤسسية.'
وحول الأسباب التي جعلت هذه الأسواق أكثر قدرة على امتصاص الصدمة، يوضح سيف الدين أن التنويع الاقتصادي الحقيقي الذي سعت إليه دول مثل السعودية والإمارات وقطر خلال السنوات الأخيرة لعب دوراً جوهرياً، إذ باتت الاقتصادات الخليجية أقل اعتماداً على عائدات النفط، وأكثر انفتاحاً على قطاعات التكنولوجيا والخدمات المالية والطاقة المتجددة'.
ويشير إلى أن وجود صناديق سيادية ضخمة مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز أبوظبي للاستثمار أوجد حزام أمان للأسواق، موضحاً أن هذه الصناديق لديها سيولة ضخمة يمكن ضخها عند الحاجة، وتقوم بذلك بطريقة تكتيكية لا تربك السوق بل تسانده.
ويبين أن السياسات النقدية المرنة التي اتبعتها البنوك المركزية الخليجية، ساهمت في تبديد المخاوف، خصوصاً مع استمرار ثبات العملة وتوفر السيولة.
وفيما يتعلق بالبنية التحتية، يرى سيف الدين أن التقدم الرقمي في الأسواق الخليجية شكّل عنصراً فارقاً، حيث ظلت البورصات تعمل بكفاءة كاملة رغم الضغوط، ولم تتأثر أنظمتها أو عملياتها اليومية.
وبالنظر إلى المستقبل، يقول سيف الدين إن التجربة الأخيرة تقدم دروساً استراتيجية يجب البناء عليها، أهمها تعزيز البنية التنظيمية وزيادة الشفافية وتوسيع مشاركة المستثمر المحلي.