اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٠ أب ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
- لماذا تستثمر قطر في غويانا؟
لأنها سوق ناشئة بنمو اقتصادي قوي وفرص واعدة في السياحة والطاقة.
- ما قيمة استثمارات قطر في غويانا؟
نحو 2 مليار دولار في السياحة والفندقة، ضمن خطة تنمية واسعة.
في مشهد يتغير بهدوء على خريطة الاستثمارات العالمية، تواصل قطر توسيع حضورها في الأسواق البعيدة والواعدة، معززةً دورها كلاعب اقتصادي دولي فاعل.
أحدث هذه التحركات جاء من قلب أمريكا الجنوبية، وتحديداً من جمهورية غويانا التعاونية، حيث تسعى الدوحة إلى ترك بصمة عقارية وسياحية لافتة، عبر ذراعها الاستثمارية السيادية.
توسع عقاري
وفي خطوة تعبّر عن تصاعد الانخراط القطري في تنمية الأسواق الناشئة، أعلن جهاز قطر للاستثمار في 3 أغسطس 2025، عن مشروع عقاري جديد في العاصمة الغويانية جورج تاون، بالتعاون مع حكومة البلاد.
المشروع، الذي يمتد على مساحة 121 ألف متر مربع، يتضمن فندقاً ووحدات سكنية ومساحات تجارية ومرافق رياضية وخضراء، ما يعكس تصوراً متكاملاً للتنمية الحضرية والسياحية، وفق وكالة الأنباء القطرية.
ويمثل هذا المشروع امتداداً لاتفاق سابق وُقع عام 2024 لاستثمار نحو 2 مليار دولار في قطاعي السياحة والضيافة، عبر تطوير مواقع استراتيجية في العاصمة الغويانية، من بينها شارع مركزي سيحتضن أول فندق خمس نجوم في البلاد.
وكشف موقع 'agsiw' في أبريل 2024 عن استثمار قطري بقيمة 2 مليار دولار في قطاع الفندقة بدولة غويانا، يشمل شراء أراضٍ في شارع 'Carifesta Avenue' الحيوي بالعاصمة جورج تاون، حيث تعتزم قطر إقامة أول فندق خمس نجوم في البلاد.
وبحسب بيان صادر عن مكتب الاستثمار في غويانا، يُعد المشروع جزءاً من خطة قطر لتعزيز وجودها الاستثماري في الدولة الواقعة بأمريكا الجنوبية، عبر سلسلة مشاريع جديدة، تتصدرها الضيافة كقطاع واعد تدفع به غويانا لتطوير السياحة وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي.
وبموجب الصفقة، ستحصل قطر على تسهيلات استثمارية واسعة داخل غويانا، تمهّد الطريق أمام دخولها في قطاعات متنوعة.
ومن المتوقع أن تقود مجموعة 'باور إنترناشيونال القابضة' القطرية هذا المشروع، ضمن خطة شاملة لتطوير الواجهة البحرية للعاصمة.
ويُنتظر أن يتجاوز حجم الاستثمارات المرتبطة بهذا التطوير 64 مليار جنيه إسترليني (نحو 85 مليار دولار)، ستُوجه لبناء فنادق ومنتجعات عصرية، تستهدف جذب الزوار من داخل البلاد وخارجها.
ويتضمن المشروع الفندقي الجديد نحو 260 غرفة وجناحاً فاخراً، بالإضافة إلى 150 شقة، ومساحات تجارية مخصصة لعلامات تجارية دولية، ويُتوقع أن يشكّل هذا الاستثمار نقطة تحول في قطاع الضيافة في غويانا، ويعزز موقع العاصمة جورج تاون كوجهة سياحية جديدة في أمريكا الجنوبية.
وتُعد هذه المبادرة الأضخم من نوعها للصندوق السيادي القطري في غويانا، وتتماشى مع رؤية أوسع لتنويع الاستثمارات خارج أوروبا وآسيا، واستغلال فرص النمو في قطاعات مثل السياحة والبنية التحتية والخدمات الفندقية في أمريكا الجنوبية.
فاعل عالمي
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور إن غويانا تشهد تحولاً اقتصادياً كبيراً بفضل اكتشافاتها النفطية، وهو ما جعلها وجهة استثمارية عالمية، مشيراً إلى أن قطر تبرز كلاعب استراتيجي عبر استثمارات جهاز قطر للاستثمار، مما يحمل أبعاداً اقتصادية وجيوسياسية.
ويؤكد الهور أن هذا التوجه القطري يأتي ضمن استراتيجية لتنويع المحفظة الاستثمارية وتوسيع الحضور في أسواق ناشئة بعيداً عن النطاقات التقليدية، وهذا يعكس وعياً بأهمية اقتناص الفرص في اقتصادات تنمو بسرعة، خاصة تلك التي تمتلك موارد طبيعية واعدة وتحتاج إلى تطوير بنيتها التحتية.
ويرى أن الأهمية الحقيقية لهذه الاستثمارات تتجاوز الجانب المالي، وتفتح شراكة متعددة الأبعاد، لافتاً إلى أن مشاريع الضيافة ليست مجرد منشآت، بل هي أدوات لبناء جسور اقتصادية مباشرة، وتوفير فرص عمل، وتعزيز سلاسل التوريد.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن نجاح هذه المشاريع يتوقف على تحقيق ثلاثة شروط رئيسية:
ويضيف أن غويانا تمثل فرصة لقطر في مجال الأمن الغذائي بفضل مساحاتها الزراعية ووفرة المياه، ما يجعلها مرشحاً لشراكات زراعية طويلة الأمد، مبيناً أن استثمار هذه الإمكانات يتطلب رؤية استراتيجية تشمل نقل التكنولوجيا وتطوير البنية اللوجستية.
ويعتقد أن حضور قطر في غويانا يعزز صورتها كفاعل اقتصادي عالمي قادر على الاستثمار في مناطق جديدة وبناء تحالفات تتجاوز الحدود التقليدية، مشيراً إلى أن هذا الحضور يحمل بعداً دبلوماسياً وثقافياً، ويعكس قدرة قطر على لعب دور الوسيط في مسارات تنموية.
ويردف الهور أن الاستثمار القطري في غويانا هو اختبار حقيقي لفلسفة الشراكة القائمة على المنفعة والاحترام المتبادل، مؤكداً أن نجاح قطر في تحويل هذه الخطوة إلى نموذج للتعاون سيضع معايير جديدة للاستثمار الدولي المسؤول.
شراكة اقتصادية
مثلت الزيارات المتبادلة بين قيادتي قطر وغويانا خلال عام 2023 نقطة انعطاف في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
فزيارة رئيس غويانا محمد عرفان علي إلى الدوحة في مايو، تلتها زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى جورج تاون في سبتمبر، أطلقت مساراً عملياً نحو تعاون استثماري واسع النطاق.
وخلال تلك الزيارات، وُقعت مذكرات تفاهم رسمية لتشجيع وحماية الاستثمارات وتعزيز التعاون التجاري والتقني، وسط تأكيد واضح من الجانبين على أهمية تحفيز القطاع الخاص لاكتشاف فرص واعدة في مجالات مثل الطاقة والزراعة والبنية التحتية والسياحة.
وبحسب بيان وزارة الخارجية القطرية آنذاك، فقد ناقش الزعيمان فرص الشراكة في مشاريع البنية التحتية المستدامة والطاقة المتجددة، مع تعهد قطري بتقديم دعم مالي لمبادرات تطوير شبكة الطرق في غويانا.
كما تم الاتفاق على أولوية إدماج التكنولوجيا النظيفة والممارسات الصديقة للبيئة في كافة المشاريع المشتركة، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.
ويأتي هذا التقارب في توقيت بالغ الأهمية؛ فغويانا تسجّل اليوم أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم وفقاً لصندوق النقد الدولي، مدفوعاً باكتشافات نفطية ضخمة تصل إلى 10 مليارات برميل مؤكدة، ما يجعلها دولة ذات مستقبل اقتصادي لافت، خاصة في قطاعات لم تُستغل بعد بشكل كامل.
بينما تنتهج قطر، من جهتها، استراتيجية تنويع جغرافي لثروتها السيادية، متجاوزة الأسواق التقليدية في أوروبا وآسيا نحو أمريكا الجنوبية، وتمثل غويانا نموذجاً مثالياً لهذا التوجه، كونها تجمع بين وفرة الموارد الطبيعية، وبيئة استثمارية منفتحة، وحاجة حقيقية لشركاء تنمويين قادرين على دعم تحولها الاقتصادي.
ولا تقتصر الفرص المطروحة أمام المستثمرين القطريين على الطاقة والسياحة، بل تمتد إلى الزراعة، حيث تملك غويانا مساحات شاسعة صالحة للزراعة، ومناخاً مناسباً لإنتاج الحبوب والدواجن والأرز.
ويشكل ذلك إضافة نوعية للجهود القطرية في تحقيق أمنها الغذائي، خاصة عبر الشراكات الخارجية المستدامة، كما أن قطاع التعدين، الذي يشكل أحد أعمدة اقتصاد غويانا، يوفر مجالاً إضافياً للتعاون، بالنظر إلى الخبرات القطرية المتراكمة في الصناعات الاستخراجية.
ووفقاً لقاعدة بيانات التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة (COMTRADE)، بلغ حجم واردات قطر من غويانا نحو 27.56 ألف دولار أمريكي خلال عام 2021، في حين سجلت صادرات قطر إلى غويانا نحو 205.97 ألف دولار أمريكي في العام نفسه.
وتشير البيانات التي تم تحديثها في أغسطس 2025، إلى أن العلاقات التجارية بين البلدين لا تزال محدودة الحجم، إلا أن تطور العلاقات الاقتصادية والاستثمارية في السنوات الأخيرة قد يمهّد لارتفاع ملحوظ في التبادل التجاري خلال المرحلة المقبلة.