اخبار قطر
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
كيف غيّرت التكنولوجيا واقع الزراعة في قطر؟
مكنت من إنتاج الخضراوات طوال العام رغم حرارة الصيف.
ما أبرز المحاصيل التي تُنتج بالتقنيات الحديثة؟
الخيار، والطماطم، والخس، والنعناع، والفراولة.
في قلب البيئة الصحراوية القاحلة تخوض قطر تحدياً زراعياً كبيراً لإنتاج الغذاء محلياً على مدار العام، رغم درجات الحرارة التي تتجاوز 45 مئوية صيفاً، والرطوبة العالية، وذلك عبر تقنيات زراعية متقدمة.
وبينما تتجه بعض المزارع القطرية إلى التوسع في الأساليب الحديثة، مثل الزراعة الداخلية والبيوت المحمية المبردة، التي مكنت من تحقيق إنتاج مستقر لخضراوات متنوعة، تؤكد التجارب الميدانية أن التكنولوجيا الزراعية لم تعد خياراً، بل ضرورة لضمان الأمن الغذائي الوطني.
تقنيات متقدمة
وانطلاقاً من رؤية قطر الطموحة لتجاوز قساوة المناخ الصحراوي، ساهم إدخال أنظمة الزراعة الذكية والمغلقة في تحويل فصل الصيف من عقبة أمام الإنتاج الزراعي إلى فرصة لتعزيز الاعتماد على الذات، وتقليص الفاقد، وتحسين جودة المحاصيل.
ورغم شدة الحرارة والرطوبة تواصل مزارع قطر إنتاج الخضراوات خلال الصيف باستخدام تقنيات مثل الزراعة المائية، والغرف المعزولة، والبيوت المحمية المبردة.
ويوضح المدير التنفيذي لشركة 'أجريكو'، ناصر الخلف، أن شركته تنتج الخضراوات صيفاً وشتاءً، بدمج الزراعة في البيوت المحمية في الزراعة الداخلية، مشيراً إلى أن الأخيرة باتت محور اهتمام رئيسي بسبب قدرتها على التحكم الكامل في المناخ والإضاءة، باستخدام مصابيح (LED) بدلاً من الاعتماد على ضوء الشمس.
ويضيف الخلف، بتصريح نشرته صحيفة 'الراية' القطرية في 26 يوليو 2025، أن البيوت المحمية تتركز في إنتاج الخيار، بينما تُستخدم الزراعة الداخلية في زراعة الطماطم والخس والنعناع والبقدونس والفراولة وغيرها، داخل غرف مغلقة بالكامل، مزودة بأنظمة تبريد وتحكم دقيق في الحرارة والرطوبة وثاني أكسيد الكربون.
ويوضح الخلف أن الزراعة الداخلية مع أنها تحتاج إلى استهلاك كبير للطاقة، فإن نتائجها مشجعة من حيث ثبات الإنتاج وجودته.
وتعتمد مزرعة 'البركة'، بقيادة المهندس صابر الدهماني، على البيوت المحمية المبردة والزراعة الشبكية لإنتاج الخضراوات الصيفية، مثل اللوبيا الطويلة والقرع والكريلا، فيما تزرع البامية والملوخية في الأراضي المكشوفة.
ويأمل الدهماني، في حديثة للمصدر ذاته، بزيادة الدعم الحكومي للتوسع، حيث إن عدد البيوت المبردة في مزرعته ما يزال محدوداً، إذ تبلغ تكلفة إنشاء بيت محمي واحد بمساحة 9×30 متراً نحو 8.220 دولاراً.
عوائد واعدة
رغم الكُلف التشغيلية العالية لأنظمة الزراعة المتطورة، فإن التجربة القطرية أثبتت أن الاستثمار في هذا القطاع يمكن أن يكون مجزياً، سواء على مستوى الأمن الغذائي أو العائد المالي للمزارع.
ويؤكد رئيس مجلس إدارة شركة 'الماردية'، الشيخ فيصل بن حمد بن جاسم آل ثاني، أن الزراعة خلال الصيف تتطلب استثمارات ضخمة، خاصة في الأنظمة الداخلية والمائية، التي تعتمد بالكامل على الحلول الصناعية، حتى في الإضاءة، لكنه يرى أن العائدات تبرر التكاليف، خصوصاً مع تحكم هذه الأنظمة بالظروف المناخية وتوفير بيئة مثالية لإنتاج محاصيل مثل الخس والطماطم.
من جانبه، يشير مدير مزرعة 'سمير المغني'، المهندس محمد موسى، إلى أن لديهم 11 بيتاً مبرداً من أصل 50 بيتاً محمياً، وهي الوحيدة القادرة على الإنتاج خلال أشهر الصيف، وتنتج هذه البيوت نحو 30 طناً من الخيار خلال دورة زراعية تمتد بين شهرين و3 أشهر، أي نحو 3 أطنان للبيت الواحد.
كما تزرع المزرعة أنواعاً صيفية أخرى في الأراضي المكشوفة، مثل الشمام والبطيخ واللوبيا والباذنجان، وغير ذلك.
ولفت موسىإلى أن وزارة البلدية تقدم دعماً مباشراً للمزارع المنتجة، من خلال توفير البيوت المحمية، ما يعزز قدرة المزارعين على مواصلة الإنتاج السنوي، بحسب ما نقلت عنه الصحيفة القطرية.
وكمثال، ساعدت هذه السياسات مزارع كـ 'قطفة' والشركة العربية القطرية في الحفاظ على إنتاج مستقر من الخيار طوال العام بفضل امتلاكها عدداً كبيراً من البيوت الزجاجية المبردة.
تخطيط استراتيجي
يوضح الدكتور عبد الرحيم الهور، الأكاديمي والخبير الاقتصادي، أن التعامل مع القطاع الزراعي في بيئة غير زراعية يمثل تحدياً استثنائياً تتطور آلياته مع تقدم التكنولوجيا، مشيراً إلى أن الزراعة في قطر شهدت تطوراً لافتاً بفضل إدخال تقنيات حديثة وحلول مبتكرة.
ويضيف، في حديث لـ'الخليج أونلاين'، أن 'أزمة الحصار كانت حافزاً لتسريع وتيرة الاعتماد على الذات، حيث اعتمدت قطر على أنظمة الزراعة الذكية والري الدقيق والمزارع العمودية والبيوت المحمية'.
وأشار الهور إلى أن هذا التوجه لم يرفع كفاءة الإنتاج فحسب، بل حسّن جودة المحاصيل ورشّد استهلاك المياه، وهو مورد نادر في المنطقة.
ويرى أن مستقبل القطاع الزراعي القطري واعد في ظل المبادرات الحكومية الحالية التي تضع الأمن الغذائي ضمن أولوياتها.
كما يعتقد أن استمرار الدعم الرسمي والتبني المتسارع للتكنولوجيا سيجعل قطر تحقق مستويات متقدمة من الاكتفاء الذاتي، لتتحول إلى نموذج إقليمي في هذا المجال.
ويبيّن الهور أن الشراكات الدولية تمثل عنصراً حيوياً لتسريع تطوير التقنيات الزراعية محلياً، فتبادل الخبرات مع دول متقدمة مثل اليابان وهولندا يختصر سنوات من البحث.
ولفت إلى أهمية التعاون مع الدول العربية ذات التحديات المشتركة لبناء نماذج استراتيجية وتوطين حلول تتناسب مع البيئة الصحراوية.
ويردف أن توسعة برامج التخطيط الزراعي سيكون لها أثر إيجابي كبير على الأمن الغذائي بحلول عام 2030، وأن التخطيط الاستراتيجي لاستخدام الأراضي والمياه وتنويع المحاصيل سيقلل من اعتماد قطر على الواردات ويعزز سيادتها الغذائية ومرونتها أمام الأزمات العالمية.
واعتبر التجربة القطرية فرصة غنية للدول المجاورة لاستخلاص الدروس وتبني النماذج الناجحة، حيث ستؤكد أن الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية مجدٍ حتى في البيئات الصعبة، وأن الإرادة السياسية قادرة على تحويل التحديات إلى فرص.
أمن غذائي
يمثل تعزيز الأمن الغذائي هدفاً استراتيجياً لقطر في ظل التغيرات المناخية والضغوط الاقتصادية العالمية، وتعمل الدولة على توسيع إنتاجها الزراعي المحلي عبر الاستثمار في التقنيات وتطوير البنية المؤسسية للقطاع.
ونقلت صحيفة 'الشرق' القطرية عن رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، تأكيده، في 5 فبراير 2025، أن دعم وتحفيز القطاع الزراعي يمثل أولوية وطنية.
وأشار بن عبد الرحمن إلى أن معرض قطر الزراعي الدولي يمثل منصة لتعزيز الأمن الغذائي والاستدامة البيئية، وتطوير القطاع نحو المستقبل من خلال الحلول المبتكرة.
وتزامنت فعاليات المعرض الزراعي 2025 مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2030، التي تسعى لزيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
وكشف وزير البلدية، عبد الله بن حمد بن عبد الله العطية، خلال كلمته في المعرض، أن قطر حققت في السنوات الأخيرة نتائج ملموسة، أبرزها ارتفاع إنتاج الخضراوات الطازجة بنسبة 50%، وتحقيق اكتفاء ذاتي نسبته 97% من الألبان، و98% من الدواجن الطازجة، و33% من بيض المائدة.
ويجري تنفيذ مشاريع متعددة مثل الزراعة الرقمية بالتعاون مع شركة 'حصاد الغذائية'، وبرامج للحد من هدر الغذاء بالشراكة مع جامعة قطر، كما أطلقت الدولة مشروعاً يعتمد على التخطيط المسبق للإنتاج الزراعي بما يراعي احتياجات السوق، ويعزز كفاءة الموارد.
من جهته، ناقش مجلس الشورى، في ديسمبر 2024، الدعم الزراعي الموجه للمزارع المحلية، وأكدت المداخلات أهمية التنسيق بين الجهات المعنية مثل وزارة البلدية و'محاصيل'، لضمان استدامة الإنتاج وتحقيق أهداف التنمية الزراعية ضمن خطة 2024- 2030.