اخبار قطر
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١٦ حزيران ٢٠٢٥
إن خطاب إدارة ترامب يخفي نهجاً إيديولوجياً قوياً في السياسة الخارجية يبدو قاتما لبعض الأمريكيين. فيفيك فيسواناثان – ناشيونال إنترست
بدت الرسالة التي وجّهها دونالد ترامب في الشرق الأوسط الشهر الماضي جلية. فقد ولّى عهد القادة الغربيين الذين 'يلقونكم محاضرات عن كيفية العيش وإدارة شؤونكم'. وأشارت تصريحاته إلى العودة إلى الواقعية التي تتجسد في وضع حسابات القوة والمصلحة الوطنية في صميم السياسة الخارجية، والتقليل من شأن دور القيم والحقوق.
ويمكن للمرء أن يفهم سبب رغبة ترامب في الانحياز إلى هذه المدرسة الحيوية في صنع السياسة الخارجية، والتي تُعلّمنا الكثير بعد الانسحابات من العراق وأفغانستان وتصاعد المنافسة بين القوى العظمى. ومع ذلك، فإن مجرد نظرة سريعة على أفعاله تُظهر إدارة انحرفت عن النهج الواقعي لصالح مشروعها الأيديولوجي الأكثر قتامة.
بدايةً، يبدو أن نائب الرئيس جيه دي فانس قد أغفل المذكرة: كيف يُمكن قراءة خطابه في ميونيخ - الذي اتهم فيه القادة الأوروبيين بقمع حرية التعبير و'الركض خوفًا من ناخبيهم' - إلا كمحاضرة عن كيفية حكم أنفسهم؟
بالتأكيد، إذا كان فانس قلقًا بشأن حرية التعبير والديمقراطية في ميونيخ وبروكسل، فهو أكثر قلقًا بشأنهما في الرياض والدوحة. ومع ذلك، بعد خطاب ترامب في الشرق الأوسط، أشاد فانس بالسياسة الخارجية 'الواقعية' للإدارة.
ولكن لنفكّر في السمات الأساسية الثلاث للواقعية: (1) حماية وتعزيز مصادر القوة الوطنية، (2) التعامل مع الدول الأخرى بناء على قدراتها وأفعالها بدلًا من طابعها الداخلي، و(3) التدخل (أو عدم التدخل) في النزاعات على أساس المصالح بدلًا من الأيديولوجية أو العاطفية.
ولنوضّح كيف يقلّص فريق ترامب مصادر القوة الوطنية. فبينما تُحدث التكنولوجيا تحولات في الاقتصاد وتُعيد تشكيل ساحة المعركة، يُدمرون أسس البحث العلمي في أمريكا. وفي وقت تعتمد فيه القدرة على الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي على استقطاب أفضل الباحثين في العالم، يُرسلون تلك المواهب إلى الخارج. وفي عصر من المنافسة الجيوسياسية مع الصين التي يبلغ عدد سكانها أربعة أضعاف عدد سكاننا، يُفكّكون التحالفات التي تُمكّننا من معالجة هذا الخلل.
كما أنهم لا يتحفظون في أحكامهم على الديناميكيات الداخلية للدول. فازدراء فانس لأوروبا معروف، ولكن حتى لا يظن المرء أن الأمر يتعلق فقط بضرورة دفع حلفاء الناتو المزيد من المال مقابل دفاعهم، فقد صرّح فانس بأنه يرد على 'سياسات داخلية (بشأن الهجرة والرقابة) تسيء إلى مشاعر معظم الأمريكيين'.
وإلى جانب حقيقة أن معظم الأمريكيين لا يتابعون عن كثب نقاشات الرقابة في أوروبا، فإن هذا النهج يربط العلاقات مع الدول الأخرى بسياساتها الداخلية. وهذا تحديدًا هو التوجه الذي تسعى الواقعية، بتصورها للدول ككرات بلياردو، إلى تجنبه.
وبعيدًا عن إظهار النهج الرصين الذي يُمثل سمة مميزة للسياسة الواقعية، يتأرجح فريق ترامب بشدة بين وجهات نظر مختلفة، سواء كانت القضية تتعلق بالرسوم الجمركية، أو حظر تيك توك، أو إسرائيل، أو إيران، أو إيلون ماسك. وفي الحالات المذكورة لا تحكم الرصانة هذه السياسة، بل الانفعالات. وبينما من الإنصاف أن تفكر الإدارة في تكلفة تقديم المساعدة لأوكرانيا، إلا أنه ينبغي موازنة هذه التكلفة بفوائد منع صراع مباشر بين روسيا وحلفاء الناتو. لكن بالنسبة لفانس، يبدو أن هذا السؤال أقل أهمية من سؤال آخر سأله لرئيس أوكرانيا في المكتب البيضاوي: 'هل قلت شكرًا مرة واحدة؟'
ونستنتج من كل ذلك أن سياسة ترامب الخارجية لا تجسّد الواقعية، بل تبدو هجوماً على من وصفهم ترامب في حملته الانتخابية بـ'العدو الداخلي'. وبنفس الطريقة حذّر فانس جمهوره من 'التهديد الداخلي'، الذي وصفه بأنه أشد خطورة من تهديد روسيا أو الصين.
في النهاية مهما أصرت الإدارة، كما فعل فانس في حوار مع المؤرخ نيل فيرغسون، على أن نهج ترامب هو ببساطة 'التعامل مع الواقع' بينما الجميع مهووسون بـ'الأخلاقيات'، لكن هذا النهج لا يتطابق مع ما يحلم به الأمريكيون. وفي الواقع، تزداد أمريكا قرباً من الديكتاتورية، ولا يمكن أن تبدأ عملية إعادة البناء قريبًا.
المصدر: ناشيونال إنترست
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب