من الروبية إلى الرمز الجديد.. الريال العُماني يدخل عصر التحديث المالي

يوسف حمود - الخليج أونلاين

يعتمد الرمز الجديد على هوية بصرية تستلهم التراث العُماني، وتظهر في منصات المدفوعات الإلكترونية.

يشكل إطلاق الرمز الرسمي الجديد للريال العُماني محطة بارزة في مسار العملة الوطنية التي شهدت خلال خمسة عقود تحولاً عميقاً، انتقلت خلاله سلطنة عُمان من استخدام عملات أجنبية ومحلية متفرقة إلى نظام نقدي مستقر يعد من الأقوى عالمياً.

ويأتي اعتماد الرمز الرسمي في وقت تعمل فيه المؤسسات المالية العُمانية على تطوير بنية المدفوعات والتحول الرقمي، ضمن خطة أوسع لتحديث أدوات المعاملات والتقارير المالية، كما يعزز الرمز الجديد من تكامل العملة العُمانية مع الأنظمة المصرفية الدولية التي تعتمد على رموز موحدة في التداول والتحويل.

كما يعيد الإصدار الجديد تسليط الضوء على تاريخ الريال العُماني الذي مر بتحولات اقتصادية وسياسية منذ بدايات القرن العشرين، وصولاً إلى المرحلة الراهنة التي يصنف فيها الريال كواحد من أكثر العملات استقراراً وقيمة في الأسواق الدولية.

إطلاق الرمز الجديد

في الـ20 من نوفمبر 2025 أعلن البنك المركزي العُماني اعتماد الرمز الرسمي الجديد للريال العُماني، ليصبح ثالث رمز نقدي خليجي معتمد بعد الإمارات والسعودية.

ويأتي القرار في إطار استراتيجية تهدف إلى توحيد ظهور العملة في الأنظمة الرقمية والمصرفية والتطبيقات العالمية.

ويعتمد الرمز الجديد على هوية بصرية تستلهم التراث العُماني، وتظهر في منصات المدفوعات الإلكترونية، والأنظمة البنكية، والتقارير المالية، والعقود التجارية الدولية، وفق معايير الترميز المعتمدة عالمياً.

ومن المتوقع أن يبدأ استخدامه تدريجياً في المؤسسات والقطاعات المالية خلال 2026.

ويساعد هذا الرمز في تعزيز وضوح العملة في البرمجيات العابرة للحدود، بما يسهل المدفوعات الرقمية والتحويلات الدولية، ويضع الريال العُماني في مكانة أكثر حضوراً ضمن الاقتصاد العالمي الرقمي، كما يعزز الرمز ثقة المستثمرين ويؤكد استمرارية تحديث النظام المالي للسلطنة.

ويمثل الإعلان خطوة استراتيجية تواكب تسارع التحول الرقمي داخل السلطنة، خاصة مع توسع المدفوعات الإلكترونية وارتفاع استخدام الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول في السنوات الأخيرة.

قبل 1970

في هذا التقرير يرصد 'الخليج أونلاين'، مسيرة الريال العُماني طول عقود، فقبل اعتماده عرفت عُمان تداول عملات متعددة نتيجة موقعها التجاري الممتد نحو الهند وشرق أفريقيا، فقد اعتمدت السلطنة في النصف الأول من القرن العشرين على الروبية الهندية والروبية الخليجية بشكل أساسي، إلى جانب عملات محلية محدودة الإصدار.

وخلال الفترة ما بين 1893 و1958 أصدرت السلطنة عدداً من العملات المعدنية من النحاس والنيكل والفضة، بينها محاولات لتأسيس عملة وطنية غير موحدة، غير أن غياب مؤسسة نقدية مركزية جعل العملات الأجنبية تستمر في السوق، خصوصاً مع سيطرة الروبية على التجارة الإقليمية.

أوائل الستينيات زادت الحاجة إلى نظام نقدي أكثر استقراراً بعد توسع النشاط التجاري الداخلي والخارجي، حيث تشير الوثائق المالية إلى أن السلطنة اعتمدت الروبية الخليجية حتى عام 1970، وهي الفترة التي سبقت التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم.

ومع بداية الإصلاحات الواسعة في السبعينيات، ظهرت الحاجة إلى تأسيس عملة وطنية مستقلة، تكون قادرة على إدارة الاقتصاد والتحكم بالسياسات النقدية بعيداً عن التقلبات الخارجية.

ميلاد الريال وتأسيس البنك

أصدر الريال العُماني لأول مرة عام 1973 ليصبح العملة الرسمية للبلاد، مقسوماً إلى 1000 بيسة، في خطوة أنهت اعتماد السوق على العملات الأجنبية.

وفي عام 1974 تم إنشاء البنك المركزي العُماني، الذي تولى إدارة النظام النقدي وإصدار العملة وتنظيم القطاع المصرفي، وبحلول عام 1976 أصدر المركزي أولى السلاسل النقدية الرسمية، والتي تلتها سلاسل تطوير متتالية في أعوام 1986 و1995 و2000 و2005 و2020.

ومنذ 1986 ثبتت عُمان سعر صرف الريال العُماني مقابل الدولار الأمريكي عند مستويات قريبة من 1 ريال لكل 2.6 دولار تقريباً، ما جعله واحدة من أكثر العملات استقراراً في المنطقة والعالم، وعزز من ثقة المستثمرين والشركات الدولية بالتعامل مع العملة العُمانية.

كما شهدت الثمانينيات والتسعينيات توسعاً في إصدار العملات المعدنية والورقية بما يتناسب مع النمو الاقتصادي، وبدأت الأسواق الدولية تتعامل مع الريال العُماني كعملة عالية القيمة ذات قدرة شرائية مرتفعة مقارنة بمعظم العملات الإقليمية.

تطور العملة وإصداراتها

شهدت العملة العُمانية سلسلة من التطورات الفنية والأمنية عبر خمسة عقود، بدأت بسلسلة 1976 التي حملت تصاميم مستوحاة من مرحلة البناء الأولى بعد السبعينيات، وفي 1986 أصدر البنك المركزي سلسلة جديدة تزامنت مع تثبيت سعر الصرف وربط العملة بالدولار.

وفي 1995 صدرت سلسلة ثالثة حملت نقلة في جودة الطباعة وعناصر الأمان، تبعتها سلسلة عام 2000 التي أدخلت فئات جديدة ورفعت المستوى الأمني للحماية من التزوير.

أما سلسلة 2005 فقد عززت التصميم بالقيم التراثية العُمانية وأضافت تحسينات لونية وطباعية.

عام 2020 أطلق البنك المركزي السلسلة السادسة من الأوراق النقدية، التي تعد الأحدث حتى اليوم، وتتميز بأشرطة أمان متقدمة وتقنيات طباعة ثلاثية الأبعاد وعناصر حماية مماثلة لأرقى الأنظمة النقدية العالمية، والتي جاءت ضمن تحديث شامل لمواكبة المعايير الدولية.

وأسهمت هذه الإصدارات في تعزيز الثقة المحلية والدولية بالعملة الوطنية، إلى جانب تطوير قدرات البنك المركزي على إدارة السيولة ومراقبة الأنشطة المصرفية داخل السوق العُمانية.

استقرار الريال العُماني

يعد الريال العُماني من أقوى العملات العالمية من حيث القيمة الاسمية والاستقرار، إذ ظل ثابتاً تقريباً أمام الدولار منذ أكثر من ثلاثة عقود بفضل سياسة نقدية حذرة والاحتفاظ باحتياطيات مالية قوية.

وتشير بيانات الأعوام 2010–2024 إلى أن احتياطات عُمان الأجنبية ظلت ضمن نطاق صحي يدعم استقرار العملة، مع متوسط تجاوز 17 مليار دولار في عدة سنوات، كما نجحت السياسات النقدية في الحد من التقلبات الخارجية الناتجة عن دورات أسعار النفط.

وفي القطاع التجاري، يشكل ثبات الريال عامل جذب للمستثمرين، حيث يسهل التنبؤ بالتكاليف ويمنح ثقة إضافية للشركات الأجنبية، كما تعتمد السلطنة على نظام صارم في مراقبة البنوك وضبط التدفقات المالية بما يعزز حماية العملة من المخاطر العالمية.

وبات الريال العُماني اليوم جزءاً من مجموعة العملات المرتفعة القيمة، إلى جانب الدينار الكويتي والدينار البحريني، وهو ما يعكس قوة الاقتصاد العُماني وقدرته على الحفاظ على استقرار نقدي طويل الأمد.