اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٢٥ تموز ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما أبرز ما تضمنه الاتفاق الأخير بين عُمان وتركيا؟
تعاون موسّع في الطاقة والهيدروجين الأخضر والتقنيات النظيفة.
كم بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2024؟
أكثر من 1.3 مليار دولار.
شهدت العلاقات بين سلطنة عُمان وتركيا تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، مدفوعة برغبة مشتركة في توسيع مجالات التعاون خارج الإطار التقليدي، لتشمل قطاعات استراتيجية ذات أولوية.
واصل البلدان تنسيق جهودهما في ملفات متعددة، أبرزها الطاقة والتجارة والاستثمار، في وقت تتسارع فيه التحولات العالمية نحو مصادر الطاقة النظيفة والحلول منخفضة الكربون.
توسيع آفاق التعاون
في هذا السياق، وقّعت سلطنة عُمان وتركيا مذكرة تفاهم جديدة في مسقط، لفتح آفاق أوسع للتعاون الفني والاستثماري في قطاع الطاقة.
استهدف الاتفاق، الذي أبرم في 14 يوليو 2025، توسيع العمل المشترك في مجالات النفط والغاز، والطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، إضافة إلى تقنيات احتجاز الكربون وكفاءة الطاقة، في خطوة تمثل تحوّلاً نوعيّاً في مسار العلاقات بين البلدين.
جاء توقيع المذكرة تتويجاً لمسار من التنسيق المشترك بين وزارتي الطاقة في البلدين، حيث مثّل السلطنة الوزير سالم بن ناصر العوفي، فيما مثّل الجانب التركي نظيره ألب أرسلان بيرقدار.
شملت الاتفاقية مجالات متعددة، أبرزها تجارة الغاز الطبيعي المسال، ومشروعات الطاقة النظيفة، وتطوير تقنيات خفض الانبعاثات، ومن ذلك الهيدروجين الأخضر، فضلاً عن تنظيم فعاليات فنية وتبادل المعلومات والسياسات التنظيمية في قطاع الطاقة.
ونقلت وكالة الأنباء العُمانية عن الوزير العوفي تأكيده أن الاتفاق يجسّد رغبة واضحة في بناء شراكات نوعية قائمة على الابتكار والتكنولوجيا، مشيراً إلى أن المذكرة تمثل نقطة تحوّل ضمن مسار السلطنة نحو التحول الطاقي وتحقيق الحياد الكربوني.
وشدد على أهمية التعاون الدولي في دعم أهداف التنمية المستدامة، معتبراً أن التنسيق مع تركيا يعزز مكانة عُمان كمركز إقليمي للطاقة في المنطقة، ويتيح فرصاً جديدة للاستثمار ونقل المعرفة.
من جانبه، كشف الوزير التركي عن وجود فرص ملموسة لتعميق التعاون في مجالات توليد الكهرباء من مصادر متجددة، وتوسيع عمليات نقل وتبادل الطاقة، وفتح الأسواق.
وأشار إلى الاتفاق الموقع عام 2022 لشراء الغاز الطبيعي المسال من عُمان، معرباً عن رغبة بلاده في زيادة الكميات وتعزيز الشراكة في مشروعات استكشافية طويلة الأمد.
شراكة متنامية
عزّزت مسقط وأنقرة علاقاتهما الثنائية خلال السنوات الأخيرة، منتقلتين من التعاون التقليدي إلى شراكة متعددة الأوجه تتداخل فيها السياسة والاقتصاد والطاقة.
وبدأ هذا المسار منذ السبعينيات، مع افتتاح سفارتي البلدين في مسقط وأنقرة، ثم تطور بوتيرة متسارعة بدفع من تنسيق سياسي مشترك في الملفات الإقليمية والدولية، ولقاءات دورية على مستوى القادة والوزارات المختصة.
ركّز الجانبان على تطوير العلاقات الاقتصادية، مدعومَين بزيارات رسمية متبادلة، والتي فتحت الباب أمام توقيع اتفاقيات نوعية وتوسيع نطاق التعاون في قطاعات حيوية مثل الطاقة والبنية التحتية والسياحة.
وشهد التبادل التجاري بين البلدين نمواً لافتاً؛ فقد سجّل في عام 2018 نحو 489 مليون دولار، بزيادة 55% عن العام الذي سبقه، ثم قفز إلى أكثر من 1.5 مليار دولار في عام 2024، وفق تقديرات رسمية، مدفوعاً باتفاقيات جديدة وتوسيع في قائمة السلع المتبادلة.
صدّرت عُمان إلى تركيا خامات الحديد والألمنيوم والبولي بروبيلين، في حين استوردت من تركيا المواد الغذائية والمعدات الكهربائية والأجهزة الطبية.
وأشار مرصد الاقتصاد العُماني، في 27 نوفمبر 2024، إلى أن حجم الاستثمارات التركية في عُمان بلغ 8 مليارات دولار، في حين سجلت استثمارات السلطنة في تركيا نحو 10 مليارات دولار.
وكان جهاز الاستثمار العُماني قد أعلن، في 28 نوفمبر 2024، 'إطلاق صندوق استثماري مشترك بقيمة 500 مليون دولار مع صندوق أوياك التركي الحكومي'.
كما وضع قطاع الطاقة نفسه كأحد أبرز محاور التعاون بين الجانبين، لا سيما بعد توقيع اتفاقية بين شركة الغاز العُمانية وشركة 'بوتاش' التركية لتوريد مليون طن متري سنوياً من الغاز الطبيعي المسال، لمدة 10 سنوات.
وتُعد هذه الاتفاقية ذات أهمية مزدوجة؛ فهي تدعم أمن الطاقة التركي وتثبت موثوقية عُمان كمصدر طاقي رئيسي في المنطقة.
علاقات واعدة
ويؤكد الباحث الدكتور حبيب الهادي أن العلاقات العُمانية التركية تتميز بعمق تاريخي كبير، مما انعكس إيجاباً على حجم هذه العلاقة ونمائها.
ويوضح لـ'الخليج أونلاين' أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بدأت في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وتوجت بفتح السفارات والزيارات المتبادلة.
وأشار الهادي إلى أن التبادل التجاري بين البلدين يقترب من ملياري دولار، مما يدعم هذا التواصل الوثيق والعلاقات التجارية المزدهرة، خاصة في قطاع الطاقة وبعض السلع والاستثمار.
وأضاف أن هناك توافقاً بين الدولتين في المجال السياسي والتعاطي مع القضايا الإقليمية العالقة، والدور الدبلوماسي السلمي الواضح للبلدين، مما أدى إلى انسجام في العلاقة وتميز في التعاون والشراكة.
ويبين الهادي أن عُمان تمثل سوقاً بكراً وواعداً للاستثمار، حيث تستثمر أكثر من 450 شركة تركية في السلطنة، مؤكداً أن هناك إمكانيات كبيرة للتعاون، خاصة في المجالات اللوجستية والطاقة، حيث يستهوي الموقع العُماني وإنتاج النفط والغاز الشركات التركية.
ولفت إلى أن التعاون بين البلدين لا يقتصر على الطاقة التقليدية، بل يمتد ليشمل الطاقة المتجددة والنظيفة، مثل الهيدروجين الأخضر الذي تستثمر فيه عُمان بشكل كبير.
ويختتم بالتأكيد على أن العلاقات العُمانية التركية واعدة ومزدهرة، ويتوقع لها المزيد من الازدهار في الفترة القادمة، خاصة بعد زيارة السلطان هيثم الأخيرة إلى تركيا.
آفاق مستقبلية
يتجه التعاون أيضاً إلى مجالات الطاقة المتجددة، حيث تمتلك عُمان بنية تحتية وتجارب واعدة في مشاريع الطاقة الشمسية، يمكن أن تستفيد منها تركيا في خططها للتحول الطاقي.
كما يظهر الهيدروجين الأخضر كمسار استراتيجي للتكامل، مع تطلع البلدين إلى بناء شراكات في الإنتاج والتخزين والتقنيات المرتبطة، بدعم من بيئة استثمارية مفتوحة واهتمام مشترك بخفض الانبعاثات الكربونية.
لا يقف التعاون عند الطاقة، إذ يمكن أن يمتد إلى مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنيات الطبية، والسياحة البيئية، مستفيداً من البنية التقنية في تركيا والموارد البيئية في السلطنة.
ويمثل إنشاء مراكز أبحاث مشتركة خطوة ممكنة لدعم الابتكار وريادة الأعمال، بينما يُعد تفعيل الرحلات المباشرة ركيزة لتعزيز التبادل السياحي والثقافي.
تمضي عُمان وتركيا نحو علاقة أكثر نضجاً واتساعاً، مبنية على أرضية دبلوماسية مستقرة وقاعدة اقتصادية واعدة، ما يجعل هذه الشراكة نموذجاً مرناً للتعاون الإقليمي في منطقة تبحث عن استقرار مستدام وتكامل فعّال في عصر التحولات الكبرى.