اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١٣ كانون الأول ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما سر صمود اقتصادات الخليج؟
الإصلاحات الهيكلية، وتسارع الرقمنة، ونمو الأنشطة غير النفطية.
ما محركات نمو اقتصاد الخليج في 2025؟
تفكيك خفض الإنتاج النفطي، وصعود الاستثمار التقني والتحول الرقمي.
أظهرت اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، في عام 2025، قدرة واضحة على مواجهة الضغوط العالمية بثقة، مدفوعةً بإصلاحات هيكلية واسعة وتسارع التحول الرقمي الذي يعزز مرونتها في بيئة دولية تتسم بعدم اليقين.
وكشفت تقارير دولية حديثة عن مسار نمو قوي تقوده استراتيجيات التنويع الخليجية واستثمارات التكنولوجيا، مع تسجيل دول المنطقة توقعات نمو لافتة.
كما تؤكد هذه المؤشرات أن مزيج الإصلاحات المالية والرقمنة والابتكار بات يشكّل قاعدة صلبة لاستدامة النمو رغم تقلبات أسواق الطاقة والتوترات الجيوسياسية.
مرونة في مواجهة الصدمات
وتستند اقتصادات مجلس التعاون الخليجي إلى سياسات مالية متحفظة، واحتياطيات خارجية قوية، وإصلاحات هيكلية تدعم التحوّل نحو اقتصاد أكثر تنوّعاً.
وحول ذلك أصدر صندوق النقد الدولي، في 6 ديسمبر 2025، أحدث تقرير له بعنوان 'الآفاق الاقتصادية وتحديات سياسات دول مجلس التعاون'، منوّهاً بصمود خليجي لافت أمام الصدمات العالمية.
ورغم تباطؤ النمو العالمي وتصاعد عدم اليقين التجاري، حافظت المنطقة على زخم اقتصادي واضح، إذ بلغ معدل النمو الحقيقي نحو 1.7% في عام 2024، مدعوماً بأداء قوي للقطاعات غير النفطية التي سجلت متوسط نمو بلغ 3.7%، مع بروز قطاعات السياحة والخدمات والاستثمار كركائز أساسية للنشاط الاقتصادي.
كما رجّح صندوق النقد أن يتسارع النمو في عام 2025 إلى 3.3% مع بدء تفكيك التخفيضات الطوعية في إنتاج النفط، وأن يبلغ نحو 5.9% في 2026 مدعوماً بزيادة الطاقة الإنتاجية في النفط والغاز، وتقدّم مشاريع توسعة الحقول والمنشآت في كل من قطر، والإمارات، والسعودية.
وعلى مستوى الأسعار، بقي التضخم في نطاق منخفض ومستقر، عند حدود 1–2% في أغلب الدول خلال 2024 و2025، مدعوماً بربط العملات بالدولار واستمرار ضبط الأسعار المدعومة.
وفي المقابل اختلفت أوضاع المالية العامة بين دولة وأخرى؛ إذ سجلت الإمارات وقطر وعُمان فوائض معتدلة، بينما حافظت السعودية على عجز مُدار مرتبط بزخم المشاريع الاستثمارية الضخمة، في حين واصلت الكويت تسجيل فوائض مرتفعة مستفيدة من ارتفاع الإيرادات النفطية مقارنة بحجم الإنفاق.
وخارجياً، وعلى الرغم من تأثير خفض الإنتاج على العوائد النفطية، بقي متوسط فائض الحساب الجاري مرتفعاً عند 11.4% من الناتج المحلي في عام 2024، مع توقعات بالاستقرار حول 7% في المدى المتوسط.
كما تواصل معظم دول المجلس تعزيز أصولها الخارجية، سواء عبر الصناديق السيادية أو الاحتياطيات الرسمية، التي تبقى كافية لتغطية عدة أشهر من الواردات في مختلف الاقتصادات الخليجية.
أما القطاع المالي فيتميّز بسلامة واضحة؛ إذ تُظهر المصارف مستويات رسملة قوية، ونسب سيولة مرتفعة، وربحية مستقرة، مع انخفاض في نسب القروض المتعثرة.
كما يتوسع الائتمان للقطاع الخاص بوتيرة تتراوح بين 5% و10% سنوياً، مدفوعاً بمشاريع التنويع الاقتصادي، ما يعزز النشاط غير النفطي، كما تشهد الأسواق المالية نشاطاً لافتاً في الطروحات الأولية وتمويل السندات، خصوصاً في السعودية والإمارات.
ورغم المخاطر السلبية المحتملة، مثل تراجع أسعار النفط أو تشديد الأوضاع المالية عالمياً، فإن استمرار تنفيذ المشاريع الكبرى، وتسارع التحول الرقمي، والاستثمار في الطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي، يجعل المنطقة في موقع متقدم لتعميق مرونتها الاقتصادية وتحويل التحولات العالمية إلى فرص نمو مستدام وقابل للاستمرار.
متانة اقتصادية
يؤكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم الهور أن 'الاقتصادات الخليجية تتمتع اليوم بمستوى متقدّم من الثقة والقدرة على مواجهة الضغوط العالمية'، مشيراً إلى أن 'تقارير المؤسسات المالية الدولية تؤكد متانة الأساسات الاقتصادية في دول الخليج'، ويضيف لـ'الخليج أونلاين':
- الدول الخليجية التي تمتلك احتياطيات مالية مرتفعة وتصنيفات ائتمانية قوية، إضافة إلى معدلات نمو مستقرة سواء الريعية أو التجارية، تتمتع بميزة تنافسية واضحة تساعدها على امتصاص الصدمات والمحافظة على مسار نمو مستدام.
- دول الخليج أظهرت قدرة ملحوظة على الحفاظ على توازنها رغم الضغوط الدولية، مستفيدة من أوضاع مالية مستقرة ومستويات دين منخفضة نسبياً مقارنة بالاقتصادات الصاعدة، ونمو متزايد في الأنشطة غير النفطية.
- النظام المصرفي القوي والسيولة المحلية العالية يعززان قدرة المنطقة على الاستجابة الفورية للتحديات الخارجية.
- الإصلاحات الهيكلية التي اعتمدتها دول الخليج، خلال السنوات الماضية، من ذلك تحديث الأطر الضريبية وتحسين بيئة الاستثمار وتطوير الأنظمة القانونية والتشريعية، أسهمت في رفع كفاءة الاقتصاد وزيادة مرونته.
- التقدم في مبادرات التحول الرقمي ساعد على تعزيز الإنتاجية وخلق قطاعات جديدة وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، بما يجعل الاقتصادات الخليجية أكثر قدرة على مواجهة اضطرابات الاقتصاد العالمي.
- آفاق النمو في المنطقة تبدو أكثر استقراراً مقارنة بعديد من الاقتصادات الصاعدة الأخرى، بفضل توافر هامش مالي واسع، وتنفيذ مشاريع تنموية واستثمارية كبرى، وتطور جاذبية الأسواق الخليجية أمام الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إضافة إلى البنية التحتية الحديثة والدور المتنامي للقطاع الخاص.
- المخاطر العالمية تبقى قائمة، من تقلبات الأسعار إلى التحديات الجيوسياسية، لكن امتلاك هذه المكونات يوفر مستوى أعلى من المرونة والقدرة على الاستمرار في مسار نمو متوازن، ويمنح الاقتصادات الخليجية مكانة مميزة على خريطة الاقتصاد الدولي.
تنويع اقتصادي متدرج
وفي السياق ذاته استعرض تقرير 'المستجدات الاقتصادية لدول الخليج – خريف 2025' الصادر عن البنك الدولي، التطور التدريجي في جهود التنويع خلال العقد الأخير، مع تسجيل تقدم متفاوت لكنه ثابت.
ويرصد التقرير الذي نشره موقع ' ايكونومي ميدل إيست'، في 4 ديسمبر 2025، إلى 'التحول الرقمي في الخليج: محرك قوي للتنويع الاقتصادي' مسار التنوع الاقتصادي عبر 10 سنوات.
كما أوضح أن دول الخليج حققت تقدماً متوسطاً مع بروز مؤشرات إيجابية مؤخراً، رغم استمرار هيمنة القطاع النفطي، إذ تشير النتائج إلى أن الصادرات غير النفطية ما تزال محدودة، وتتقدمها المواد الكيميائية، ما يجعل استمرارية برامج التنويع ضرورة استراتيجية وليست خياراً تكميلياً.
ويؤكد التقرير أن الحفاظ على زخم النمو في 2025 يستوجب إدارة مالية دقيقة للحد من مخاطر تقلبات أسعار النفط والتوترات الجيوسياسية وتباطؤ بعض الإصلاحات.
كما تبرز توقعات النمو للدول الست بوصفها دليلاً على صمود اقتصادي داعم للبرامج الوطنية، حيث سجّلت الإمارات 4.8%، والسعودية 3.8%، والبحرين 3.5%، وعُمان 3.1%، وقطر 2.8%، والكويت 2.7%.
تحول رقمي متسارع
كما يمثل التحول الرقمي -بحسب البنك الدولي- القوة الدافعة الأكثر تأثيراً في بنية الاقتصاد الخليجي الجديد.
إذ يبرز التقرير تسارع اعتماد الذكاء الاصطناعي في دول الخليج، مدعوماً بتوافر شبكات اتصالات متقدمة تغطي أكثر من 90% من مناطق الجيل الخامس، إضافة إلى إنترنت عالي السرعة بأسعار معقولة.
كما عززت الاستثمارات في مراكز البيانات والحوسبة عالية الأداء جاهزية المنطقة لموجة الذكاء الاصطناعي، حيث تتقدم السعودية والإمارات إقليمياً ودولياً في هذا المجال.
ويشير تقرير البنك الدولي إلى أهمية دعم بيئة الأعمال من خلال التمويل والتسهيلات الابتكارية، إضافة إلى توسع الحكومات في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
كما تكشف البيانات أن مشاركة النساء الخليجيات في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات تتجاوز المتوسط العالمي، ما يعزز التنافسية الرقمية للمنطقة.
ويدعو التقرير دول الخليج إلى تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من اعتماد الذكاء الاصطناعي عبر برامج تدريبية وتقليل فجوات سوق العمل.
كما يرى البنك الدولي أن التعاون الإقليمي في البنية التحتية الرقمية وإنشاء مراكز تميز للذكاء الاصطناعي يمثل خطوة محورية لبناء سوق رقمية موحدة تمتد إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان.





















