اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٤ أيار ٢٠٢٥
كشف عبد القادر أعمارة، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الفلاحين العائليين الذين يمثلون 70% من الاستغلاليات على المستوى الوطني لم يحصلوا سوى على 14.5 مليار درهم من الاستثمارات، مقابل 99 مليار وُجّهت للفلاحة ذات القيمة العالية.
وأوضح أعمارة، في كلمته خلال لقاء تواصلي نظم اليوم الأربعاء لتقديم مخرجات رأي المجلس حول موضوع 'الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة'، أن هذا النمط من الفلاحة – المعروف أيضا بـ'الفلاحة المعيشية' أو 'الاجتماعية والتضامنية' – يضطلع بأدوار محورية في التنمية القروية، لكنه لا يزال يعاني من ضعف الاهتمام المؤسساتي، سواء من حيث الدعم التقني أو التمويل أو المواكبة، ما يجعله الحلقة الأضعف في السياسات الفلاحية الحالية.
وسجل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في رأيه المعروض، أن الاستغلاليات الصغيرة والمتوسطة تُشكل حوالي 70% من مجموع الاستغلاليات الفلاحية في المغرب، وتُشغّل نصف اليد العاملة الفلاحية في أراضٍ تقل مساحتها عن 3 هكتارات، لكنها لم تُدمج بالشكل الكافي في مسلسل التنمية الفلاحية، وظلت على الهامش مقارنة بالمشاريع الفلاحية الكبرى.
وانتقد أعمارة هذا الاختلال الواضح، مستندا إلى معطيات مخطط المغرب الأخضر الذي خصص 99 مليار درهم لمشاريع الفلاحة ذات القيمة المضافة العالية، مقابل 14,5 مليار درهم فقط لمشاريع الفلاحة التضامنية، التي يُمارسها في الغالب فلاحون عائليون. وهو تفاوت، يقول أعمارة، ساهم في تعميق هشاشة هذا النمط الفلاحي، خاصة في ظل التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، واضطرابات سلاسل التوريد، والطابع المجزأ للأراضي وصعوبة تثمينها.
كما استعرض أعمارة مخرجات الاستشارة المواطنة التي أطلقها المجلس عبر منصته الرقمية 'أشارك'، والتي سجلت لأول مرة مشاركة أكبر من الوسط القروي بنسبة بلغت 57%،والتي خلصت إلى أن أبرز التحديات التي تعترض الفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة تتمثل في ضعف الإرشاد الفلاحي (27%)، ثم هشاشتها أمام التقلبات المناخية (20%)، يليها ضعف التنظيم (16%)، ثم صعوبة الولوج إلى التمويل (14.5%).
ومن بين التحديات البنيوية التي تواجه الفلاحة العائلية، أشار رئيس المجلس إلى ضعف التنظيم، حيث إن العديد من هذه الاستغلاليات غير منخرطة في تعاونيات أو مجموعات اقتصادية، ما يحد من قدرتها التفاوضية والتسويقية، ويجعلها ضحية لمضاربات الوسطاء، لا سيما عند تسويق فائض الإنتاج في الأسواق الأسبوعية.
وأمام هذا الوضع، شدد المجلس على ضرورة اعتماد خطة عمل وطنية خاصة بالفلاحة العائلية الصغيرة والمتوسطة، تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية والبيئية، وترتكز على إدماج هذا النمط في سلاسل القيمة، وتحسين ولوجه إلى التمويل، وتثمين مساهمته في الحفاظ على النظم البيئية.
ومن بين التوصيات الأساسية التي تقدم بها المجلس: تشجيع الممارسات الفلاحية المستدامة (كالزرع المباشر وتناوب المحاصيل)، دعم الزراعات المقاومة للتغيرات المناخية (كالزعفران، والصبار، والأركان)، تنظيم الفلاحين في تعاونيات وهياكل اقتصادية، تحسين البنيات التحتية، وتطوير وحدات صناعية محلية صغيرة لتثمين المنتجات الفلاحية.
كما دعا المجلس إلى تعزيز الاستشارة الفلاحية، وتوسيع خدمات الدعم لتشمل أنشطة غير فلاحية مدرة للدخل، والاعتراف بالوظائف البيئية لهذا النمط من الفلاحة، مع توفير آليات مالية تحفيزية تحترم مساهمته في مكافحة التصحر، والحفاظ على التربة، وصيانة التراث الطبيعي والثقافي.
وأكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، على أن الرهان الحقيقي هو الانتقال من منطق 'الفلاحة المعيشية' إلى نموذج فلاحـي منتج، مستدام، ومندمج، قادر على تثبيت الساكنة القروية، وضمان كرامتها، وتأمين السيادة الغذائية للبلاد.