اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
في السنوات الأخيرة، برزت في المجتمع المغربي ظاهرة اجتماعية متشابكة الجوانب، عرفت شعبياً بـ'ولاد الفشوش'، والتي تمثل حالة من التدليل المفرط والتمييز داخل بعض الأسر تجاه أبنائها، ما يُنتج جيلاً يعاني من انفصام في العلاقة مع محيطه المجتمعي والقانوني.
هذه الظاهرة أثارت قلق الخبراء القانونيين والاجتماعيين، الذين يحذرون من تأثيراتها السلبية على النسيج الاجتماعي وعلى تطبيق القانون، خصوصًا حينما تترافق مع اعتقادات خاطئة في الحصانة والعزلة عن العقاب.
وشدد خبراء على أهمية العودة إلى النصوص القانونية وفهمها في إطارها الاجتماعي، بالإضافة إلى ضرورة رفع الوعي لدى الأسرة والمجتمع لضمان التوازن بين الحقوق والواجبات، والحفاظ على السلم الاجتماعي.
في هذا الصدد، صرّح الأستاذ سلمان، المحامي بهيئة الرباط، في تصريح خاص لجريدة 'العمق المغربي'، بأن ما أصبح يُصطلح عليه بـ'ظاهرة الفشوش'، وما تحمله هذه الكلمة من أبعاد وآثار اجتماعية، يفرض علينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الرجوع إلى أصل النص القانوني وماهيّة وضعه.
وأكد سلمان أن المادة القانونية جاءت في الأصل لتؤطر العلاقات بين مختلف مكونات المجتمع، تعزيزًا لخاصيتها الاجتماعية وبلورةً لها، كمحدد لظروف وحيثيات انتهاء الحق وبداية الواجب.
كما اعتبر المتحدث أيضًا أن ما أصبح يُروج من اعتقادات لدى العديد من الشباب والأطفال يضرب في صميم وجوهر النص التشريعي ذاته، مشيرًا إلى أن أي خرق للقاعدة القانونية تترتب عنه جزاءات، تُعنى بتنفيذها الجهات المنفذة للقانون استنادًا إلى النص المؤطر للواقعة.
ونبّه سلمان أيضًا إلى وجود تكتلات في شكل لوبيات تعتقد، واهمةً، أن تلاحماتها ذات الصلة بالمصالح المشتركة لبعض العائلات الكبرى تجعلها في معزل عن باقي مكونات المجتمع من حيث الخضوع وإنفاذ النص التشريعي، ما يفسح المجال -حسب المصدر دائمًا- أمام مجموعة من الخروقات المجتمعية المتجلية في العديد من الصور، لعل قضية الطفلة غيثة وما راج حولها إحدى تمظهرات ذلك.
وأشار سلمان إلى ضرورة وجود وعي مجتمعي بأسس وسياق سن النص القانوني، لفهم كيفية بلورته على أرض الواقع، وأهمية الخضوع لمقتضياته في تحقيق السلم الاجتماعي وضمان التنزيل السليم لمجموعة من المبادئ القانونية المتعارف عليها.
وفي السياق ذاته، صرّح الخبير والأستاذ في علم الاجتماع، علي الشعباني، أن ما أصبح يُصطلح عليه بظاهرة 'ولاد الفشوش' يستوجب منّا التدقيق في المفهوم ذاته وتفكيك عناصره وحيثياته، للوقوف على مكامن استفحال الظاهرة بشكل صحيح.
واعتبر الشعباني أن 'الفشوش' في أصله يمكن تقسيمه إلى نوعين، الأول، هو الشكل من الترف والدلال المفرط، والتقرب المبالغ فيه من الابن، وإغراقه بالإطراء الزائد وتلبية مختلف متطلباته دون نقاش أو رفض، اعتقادًا من الأبوين أن ذلك تعبير عن حبّهما لأبنائهما، والثاني عبارة عن 'ضسارة' مغلّفة بغشاء أكبر يُسمّى الفشوش.
وأكد الخبير أن الفشوش يكون ضمن إطار عائلي ولا تمتد آثاره خارج محيط الأسرة، مشيرًا إلى أن هذا النوع من التعاملات القائمة على التفضيل وتلبية الرغبات بشكل مفرط، يُنتج لدى الطفل أو الشاب شعورًا بالنرجسية وتمجيد الذات، ما يتسبب في دفعه إلى الخروج عن نطاق السلوك الطبيعي والعادي مع باقي مكونات المجتمع، ويجعله في معزل عنه.
وقال الشعباني إن هذه المشاعر المتضاربة تجعل الكثير من 'ولاد الفشوش' يعيشون، سواء في مخيلتهم أو واقعهم، في قالب من الحماية والإباحة المطلقة لمختلف تصرفاتهم من قبل الأسرة، مما يوحي لهم بكونهم في مأمن من أي عقوبة قد تطالهم نتيجة إتيانهم لأي فعل جرمي، كيفما كانت طبيعته.
وصرّح المصدر أن هذه التصرفات الناتجة عن الفشوش قد تتحول بذاتها إلى 'ضسارة'، من خلال الإقدام على سلوكيات وأفعال مُجرّمة قانونيًا، ومرفوضة أخلاقيًا، وهنا يخرج الطفل أو الشاب، حسب الخبير، من نطاق الفشوش الأسري إلى التأثير السلبي على سيرورة المجتمع ككل.
واعتبر الشعباني في ختام مداخلته أن هؤلاء الشباب ضحايا تنشئة اجتماعية عودتهم على الأخذ دون العطاء، وعلى تجاوز ما هو قيمي وعرفي في سبيل تحقيق أهداف شخصية، بعيدة كل البعد عن محيطهم الخارجي والمجتمع الذي ينتمون إليه، والذي هم جزء منه، وهو جزء لا يتجزأ منهم.
* صورة تعبيرية