اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
طالبوا بإصلاح منظومة التعليم وخدمات الصحة بدلاً من التركيز على الفعاليات رياضية
انتقلت فجأة الحركة الاحتجاجية الشبابية التي سمت نفسها 'جيل زد Z' من رحم الفضاء الرقمي إلى شوارع أكثر من 11 مدينة مغربية خلال يومي السبت والأحد الـ27 والـ28 من سبتمبر (أيلول) الجاري، مطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوجيه النفقات العمومية لتحسين خدمات الصحة والتعليم، بدلاً من التركيز على ما يستوجبه تنظيم البلاد لكأس العالم لكرة القدم لسنة 2030 من كلف مالية واقتصادية واجتماعية باهظة.
وفي الوقت الذي فضت فيه السلطات الأمنية هذه الوقفات الاحتجاجية، غير المرخص لها بغير قليل من القوة والحزم، توزعت مواقف المراقبين بين مؤيد لمطالب 'شباب جيل زد' باعتبارهم يرفعون مطالب اجتماعية صرفة ومشروعة، وبين من تخوف من منطلقات الاحتجاج ومآلاته، خصوصاً أنه غير مؤطر، ويمكن أن يفضي إلى انزلاقات أمنية واجتماعية خطرة.
خرج المئات من الشباب الذين يصنفون على أنهم ينتسبون إلى 'جيل زد' إلى شوارع عدد من مدن المغرب، بخاصة العاصمة الرباط والدار البيضاء وطنجة، من أجل رفع أصواتهم للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم، عوض الاهتمام بالإنفاق على الفعاليات رياضية تعتزم المملكة تنظيمها في المستقبل.
وكانت هذه المجموعة التي ظهرت أخيراً على موقع 'ديسكورد' دعت إلى التظاهر في مدن مغربية عدة السبت والأحد مطالبة 'بإصلاح منظومة التعليم وخدمات الصحة العمومية'، وجددت الدعوة للتظاهر الإثنين.
ويرى مراقبون أن تظاهرات هذه الحركة الشبابية التي ولدت في رحم الفضاء الرقمي تأتي في سياق ما حصل في دولة نيبال بعدما تمكن شباب 'جيل زد' من الإطاحة بالحكومة هناك، محتجين على تفشي الفساد الإداري والسياسي، وتدهور الخدمات الاجتماعية الأساسية.
ولكن أيضاً، وفق المراقبين لما جرى، فإن هذه التظاهرات الاحتجاجية القوية التي لم يعرف المغرب مثلها منذ احتجاجات 'حركة 20 فبراير (شباط)' عام 2011، أتت أيضاً بعد 'فضائح وكوارث' تم توثيقها في مواقع التواصل الاجتماعي للخدمات الصحية في أكثر من مدينة، فضلاً عن التوجه الحكومي نحو خصخصة التعليم العالي.
يقول أحد شباب حركة 'جيل زد' إن خروج هؤلاء الشباب إلى الشوارع كان خروجاً عفوياً بريئاً، لا دخل فيه لأية أحزاب أو حركات أو منظمات أو نقابات، فهي احتجاجات تعبر عن صوت المواطن المغربي المقهور بسبب الغلاء الفاحش، وتردي أوضاع قطاعات خدماتية مهمة مثل التعليم والصحة.
ووفق الشاب نفسه، فإن السلطات المغربية واجهت هذه الاحتجاجات الاجتماعية بالقوة، ورفضت التعاطي مع مطالب الشباب، ولم تنصت إلى نبض الشارع، وفق تعبيره.
في المقابل يرى شاب آخر يعارض خروج هذه الاحتجاجات الشبابية إلى الشارع أن 'هذه التظاهرات تظل مجهولة المصدر، وتتسم بكثير من التحريض في مواقع التواصل الاجتماعي، الشيء الذي يجعلها غامضة الأهداف وخطيرة العواقب على الأمن والسلم الاجتماعي'.
تعامل السلطات الأمنية بمختلف تشكيلاتها مع هذه التظاهرات الاحتجاجية الشبابية من خلال التوقيفات والاعتقالات، لم يرق لعديد من النشطاء والمنظمات الحقوقية، التي اعتبرت ذلك مساساً بالحق في التعبير والحق في التظاهر السلمي.
مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري يرى في هذا الصدد أن منع الاحتجاجات الشبابية السلمية وحملة الاعتقالات التي طاولت عدداً من الشباب خلال ممارستهم لحقهم في التظاهر السلمي، يشكل مساساً واضحاً بالحقوق الدستورية والالتزامات الدولية للمغرب.
وسجل المركز الحقوقي نفسه أن 'الحق في التعبير والتجمع السلمي مكفول دستورياً بمقتضى الفصل 29 الذي يضمن حريات الاجتماع والتظاهر السلمي، كما أن المغرب ملتزم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، ومنها على الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يكرس حرية الرأي والتجمع'.
ووفق المصدر عينه، 'لا تقع المسؤولية الحقيقية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد على عاتق الشباب المحتج، بقدر ما هي نتيجة اختيارات سياسية واقتصادية غير عادلة وغير ديمقراطية'، متابعاً بأن 'ارتفاع البطالة، وتردي الخدمات الصحية والتعليمية، وتدهور فرص العيش الكريم ليست نتاج فراغ، وإنما نتيجة مباشرة لهذه الأعطاب البنيوية'.
في المقابل أكد متخصص أمني ضمن تصريحات صحفية لوكالة الأنباء الرسمية أن تدخل القوات الأمن لمنع تجمهرات دعت إليها جهات مجهولة، تم وفق مقاربة متوازنة تحرص على صون مرتكزات النظام العام من دون تفريط أو إفراط، وضمان سلامة عناصر هذه القوات والمتجمهرين.
ويعلق محمد شقير، مهتم بالظاهرة الاجتماعية، على واقع ومآلات هذه الاحتجاجات بالقول إنه 'من الصعب الإحاطة التحليلية بهذه الحركة الشبابية التي ما زالت في المهد، غير أنه لا يمكن فصلها عن الحركية الاحتجاجية التي شهدتها وتشهدها دول عدة في العالم، سواء في أميركا أو أوروبا، بسبب تداعيات حرب غزة وما صاحبها من إبادة جماعية'.
ولفت شقير إلى أن تبني هذه الحركة لرمز 'Z' يعكس التأكيد على الانتماء إلى جيل منتصف سنوات التسعينات وبداية الألفية الثالثة، الشيء الذي تشترك فيه مع حركات شملت عدة دول إفريقية، مثل كينيا، أو آسيوية مثل بنغلاديش. غير أنه، بخلاف هاتين الحركتين اللتين اتخذتا طابعاً سياسياً، فإن 'حركة زد' بالمغرب تتمسك بسلميتها والثوابت الوطنية، بدليل رفعها للعلم المغربي كشعار.
ودفع إعلان هذه الحركة الشبابية الافتراضية عن تنظيم حركات احتجاجية في عدة مدن مغربية للمطالبة بإصلاح الخدمات التعليمية، وبالأخص الأوضاع الكارثية للمستشفيات العمومية، السلطات الأمنية إلى اعتقال بعض نشطائها بحجة عدم الحصول على ترخيص قانوني.
ويعزو شقير هذا التعاطي الأمني الرسمي مع احتجاجات الشباب إلى أنه تعبير عن 'التخوف من أن تكون هذه الاحتجاجات مسيسة، بخاصة في سنة انتخابية بامتياز، أو أن تكون مستغلة من طرف قوى معادية في ظرفية يعرف فيها ملف الصحراء منعطفاً حاسماً، وتتهيأ فيها المملكة لاحتضان كأس إفريقيا لكرة القدم، والاستعداد لتنظيم كأس العالم لسنة 2030'.
وخلص إلى أنه 'في انتظار أن يتم تحديد ملفات نشطاء هذه الحركة ومدى قوة استمراريتها ووضوح رؤيتها وإمكان هيكلتها، حتى لا يكون مصيرها كمصير حركة 20 فبراير، يمكن القول إن هذه الحركة هي انعكاس لضعف تأطير التنظيمات الحزبية والنقابية للمطالب الشعبية والفراغ الذي تركته في هذا المجال، كما تعكس الحركة فقدان أجيال الشباب، خاصة أجيال منتصف التسعينبات وبداية الألفية، الثقة في هذه الأحزاب ورفع مطالب اجتماعية في إطار حركات مستقلة عنها'.