اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٥ أيار ٢٠٢٥
في توقيت بالغ الدلالة، استقبل الملك محمد السادس وزراء خارجية دول تحالف الساحل الإفريقي، في خطوة تعكس تحولا نوعيا في تموقع الدبلوماسية المغربية تجاه محيطها الإقليمي، وخصوصا تجاه دول الساحل التي تعيش مرحلة انتقالية دقيقة.
تتجاوز هذه الزيارة طابع المجاملة البروتوكولي لتكرس مقاربة جديدة ترتكز على الانخراط الفعلي في قضايا التنمية والأمن بمنطقة الساحل، عبر مبادرات استراتيجية طموحة، في مقدمتها تمكين هذه الدول من منفذ إلى المحيط الأطلسي، وهي مبادرة تؤشر على بروز توجه مغربي يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون جنوب جنوب، قوامها التضامن العملي والانفتاح الجيوسياسي، وتكريس دور المملكة كفاعل إقليمي مؤثر يتفاعل مع التحولات بواقعية وبراغماتية.
في هذا السياق، أكد خبير الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، أن الاستقبال الجماعي الذي خص به الملك محمد السادس وزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لا يمكن قراءته خارج منطق التحول الاستراتيجي العميق في السياسة الإفريقية للمغرب، كونه يعبر عن رغبة واضحة في إرساء معادلة جديدة في العلاقات الإقليمية، قوامها التحالفات البراغماتية والتكامل الواقعي، بعيدا عن المنظومات التقليدية التي فشلت في تحقيق التنمية والاستقرار.
واضاف قائلا: 'انه تحرك يعكس إدراكا مغربيا عميقا لتحول موازين القوة في غرب إفريقيا، واستعدادا لملء فراغ استراتيجي تمر منه المنطقة'. معتبرا أن اختيار توقيت هذا اللقاء يحمل دلالات دقيقة، خاصة أنه يأتي في لحظة تعيش فيها دول الساحل الثلاث قطيعة هيكلية مع مجموعة الإيكواس، وتبني مسارا مستقلا عبر تأسيس تحالف خاص بها.
وأكد معتضد أن الظرفية الانتقالية تمنح المغرب نافذة تاريخية لإعادة رسم مسارات التأثير، من خلال عرض مبادرة ذات طابع عملي وغير مهيمن، وفتح منفذ نحو المحيط الأطلسي، و'هنا لا يتعلق الأمر بمجرد مشروع لوجستي، بل بإعادة تموضع جيوسياسي يمنح هذه الدول سيادة اقتصادية وبدائل استراتيجية'.
وأشار الخبير إلى أن اللقاء يندرج ضمن ما يمكن وصفه بـ 'الهندسة الذكية للتحالفات'، وهي رؤية مغربية تقوم على بناء شراكات وظيفية مع أنظمة سياسية صاعدة، تبحث عن استقلالية القرار وتنويع الشركاء، معتبرا أن المغرب يقدم نفسه كدولة ذات موثوقية سياسية، واستقرار مؤسساتي، وشبكة لوجستية متقدمة، في وقت باتت فيه الأطراف التقليدية كفرنسا والجزائر تفقد جاذبيتها أو ينظر إليها بشك عميق من طرف هذه الأنظمة الجديدة.
وتابع قائلا: 'أظن أن ما يميز هذا التقارب المغربي الساحلي هو ابتعاده عن الخطاب الإيديولوجي أو الوصائي، واعتماده على مقاربة عملية تقوم على قاعدة رابح رابح حقيقية'، مسجلا أن المبادرة الملكية ليست فقط اقتراحا اقتصاديا بل هي عرض استراتيجي شامل، 'يمس البنى التحتية، والأمن البحري، ونقل البضائع، وربما حتى تموضع عسكري مستقبلي، في إطار الدفاع المشترك ضد التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب والتهريب'.
وحسب المصدر ذاته، فإن المغرب لا يسعى فقط إلى تأمين شراكات ثنائية، بل يعمل على هندسة فضاء إقليمي بديل، يتجاوز أزمة الاتحاد المغاربي وجمود الإيكواس، ويؤسس لتكتل إفريقي أطلسي جديد يمتلك مقومات الاستدامة، كما أن هذا الطموح المغربي لا ينفصل عن تصور طويل الأمد، يسعى من خلاله إلى أن يكون بوابة موثوقة لإفريقيا نحو الأسواق العالمية، ومركزا للقرار الجيو اقتصادي في الجنوب.
وخلص المتحدث بالتأكيد على أن هذا اللقاء، في رمزيته الجماعية وتوقيته الدقيق، هو إعلان صامت عن بداية مرحلة جديدة من الدبلوماسية المغربية، التي أصبحت لا تكتفي بالتفاعل مع التحولات، بل تسعى إلى صناعتها، فالمغرب اليوم لم يعد فقط فاعلا إقليميا، بل بات معماريا لتحالفات استراتيجية جديدة، تبنى على الواقعية السياسية والاندماج الاقتصادي، في فضاء بات عطشا لحلول مبتكرة وعلاقات متكافئة.