غابت المسارح فتوارت الثنائيات الفنية في المغرب

أبرزها 'قشبال وزروال' و'باز وبزيز' والشيخوخة والوفاة والمال وتغير التوجهات أهم أسباب الاختفاء

آلت معظم الثنائيات في الساحة الفنية بالمغرب، سواء في الغناء أو التمثيل أو الفكاهة، إلى الاضمحلال والاختفاء لأسباب مختلفة تتعلق إما بوفاة أحد الشريكين، أو لأسباب مالية محضة، أو لاختلاف الآراء وتغير التوجهات.

وفي وقت اشتهرت ثنائيات عدة في مجالات الغناء الشعبي والكوميديا والتمثيل خلال السبعينيات والثمانينيات إلى حدود التسعينيات، فإنه خلال الألفية الثالثة بدأ عدد من الشباب، خصوصاً الكوميديين منهم، تأسيس ثنائيات فنية لم تحظ بعد بالانتشار الذي كان للرواد السابقين.

ثنائيات الغناء الفكاهي

يمكن اعتبار الثنائي الشهير الملقب بـ'قشبال وزروال' أول وأشهر الثنائيات التي طبعت مشهد الغناء الشعبي الفكاهي في البلاد، وهما بشار علي بن محمد وابن أخيه محمد بشار وينحدران معاً من منطقة الشاوية في المغرب.

انطلق هذا الثنائي الذي يحمل أحدهما آلة 'لوتار' والآخر يضرب على 'البندير' في أعوام الخمسينيات من القرن الماضي من 'الحلقة' بمدينة سطات، حيث كانا يستعرضان أمام الجمهور مقاطع غنائية شعبية تتضمن قفشات مضحكة.

عندما بدأ نجم 'قشبال وزروال' بالسطوع في المنطقة الجغرافية التي ينتميان إليها، خصوصاً بفضل تناولهما مواضيع الهجرة القروية والزواج والطلاق بطريقة غنائية كوميدية، شرعا في تسجيل أعمالهما عبر أشرطة الكاسيت التي كانت منتشرة بشكل كبير في ذلك الوقت.

طيلة 60 عاماً اشتغل هذا الثنائي جنباً إلى جنب، ولم يفترقا إلا لماماً، إذ قدما أعمالاً فنية عدة تنهل من معين الواقع الشعبي ومن ثنائيات 'الأمازيغي والعروبي (الصعيدي) و'الطيب والشرير' و'المدينة والقرية' والرجل والمرأة وغيرها من المواضيع التي كانت حينها تحظى باهتمام 'جمهور الكاسيت'.

شكل ثنائي 'قشبال وزروال' ظاهرة غنائية شعبية قائمة بذاتها، ليس فقط بسبب الانتشار الواسع الذي حققاه في مختلف الأوساط الاجتماعية، بل أيضاً بفضل مبيعات الكاسيت وظهورهما في 'سهرات فنية' كان ينقلها التلفزيون الحكومي، مما جعل عدداً من الثنائيات الأخرى تحاول استنساخ هذه التجربة، ومنها تجارب نجحت وصمدت، وأخرى ماتت في مهدها.

وانتهى مصير هذا الثنائي الشهير بوفاتهما معاً، إذ توفي قشبال في أغسطس (آب) عام 2018 داخل منزله بمدينة سطات بعد معاناة طويلة مع مرض عضال، بينما توفي زروال بدوره لاحقاً في صيف 2020 بمستشفى المدينة ذاتها.

من الثنائيات التي تألقت بدورها في زمن قشبال وزروال ثنائي 'قرزز ومحراش' وهو ثنائي يكاد يشبه الأول سواء في الآلات الموسيقية المستعملة، أو حتى في المواضيع التي كانا يتناولانها، غير أنهما تخصصا أكثر من غيرهما في تراث 'العيطة' الشعبية.

قدم الثنائي 'قرزز ومحراش' أعمالاً غنائية شعبية عدة من أبرزها 'العلوة' و'العيطة الخيرانية'. واستمر الرفيقان في العطاء الفني إلى أن بلغ بهما العمر عتياً، فتوفي الفنان الشعبي أمحمد قرزز في سبتمبر (أيلول) 2021 عن عمر 81 سنة جراء معاناته أمراضاً عدة.

الثنائيات الكوميدية

كذلك اشتهرت نماذج عدة من ثنائيات سطع نجمها في مجال الكوميديا والفكاهة المغربية، لعل أبرزها ثنائي 'باز وبزيز' قبل افتراقهما فنياً، وثنائي 'الداسوكين والزعري' و'السفاج والمهويل' وثنائيات أخرى.

في هذا السياق يمكن اعتبار الثنائي 'باز وبزيز' وهما الفنانان أحمد السنوسي والحسين بنياز أحد أشهر الثنائيات في الفكاهة السياسية، أو الملتزمة كما يسميها بعضهم في المغرب والوطن العربي أيضاً.

بدأ الثنائي 'باز وبزيز' جنباً إلى جنب منذ أعوام السبعينيات من القرن الماضي وتألقا في تقديم عروض فكاهية تتناول مواضيع اجتماعية مثل البطالة والأوضاع المعيشية عبر 'إسكتشات' فكاهية تتسم بالخفة والطرافة.

وكان الثنائي 'باز وبزيز' يحظى في أعوام مضت برضا السلطات التي كانت تهيئ لهما ظروف تنظيم العروض الفنية والفكاهية في أكثر من مكان وفضاء، غير أن الفراق كان بالمرصاد لهذا الثنائي الذي نال شهرة واسعة وصلت إلى القصر الملكي، وفق ما سبق أن حكاه الفنان بنياز.

وعلى رغم عدم الكشف عن الأسباب الحقيقية وراء افتراق هذا الثنائي، فإن هناك من يرجع 'الطلاق الفني' بين باز وبزيز إلى وصولهما إلى مفترق الطرق من الناحية الفنية، وليس من الناحية الإنسانية، بدليل أنهما لا يزالان يرتبطان بعلاقات شخصية طيبة.

ويبدو أن أحمد السنوسي (بزيز) اختار الفكاهة السياسية بشكل أكبر من رفيق دربه، إذ إنه انطلق بعد الفراق في تناول قضايا سياسية ساخنة مثل حرية التعبير وتعامل السلطات مع المواطنين، وهو الشيء الذي عرضه لنوع من التضييق.

واشتكى بزيز أكثر من مرة مما سماه المنع من الظهور في القنوات التلفزيونية الحكومية، خصوصاً في عهد وزير الداخلية الأسبق الراحل إدريس البصري، بالتالي حاول 'التعويض' بتقديم عروضه الفنية في ساحات الجامعات وفي مقار النقابات وغيرها، ومن أشهر تلك العروض 'عرس الذيب' و'عام الضباب' وغيرهما.

ومن أشهر الثنائيات الفكاهية أيضاً، بعيداً من السياسة، بزغ نجم الفنانين مصطفى الداسوكين ومصطفى الزعري ضمن ثنائي كوميدي كانا يشتغلان طيلة عقود خلت كثنائي، سواء في عروض منفردة أو عروض مسرحية.

وإضافة إلى الداسوكين والزعري اللذين قل ظهورهما الفني خلال الأعوام الأخيرة بحكم التقدم في العمر، تعرف الجمهور المغربي إلى الثنائي 'السفاج ومهيول' وثنائي 'الصداقة' المشكل من الممثلين محمد ظهرا وعبدالخالق فهيد، وثنائي ميلود الحبشي وعائشة ماهماه.

ثنائيات التمثيل

في التمثيل والدراما اشتهر بشكل لافت زوجان شكلا ثنائياً في عدد من الأعمال الفنية هما الراحلان سعدالله عزيز وزوجته خديجة أسد التي توفيت في يناير (كانون الثاني) الماضي بعد مسار فني حافل قضت معظمه إلى جانب رفيق دربها الذي توفي في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.

وشق الثنائي في الفن والحياة خديجة أسد وعزيز سعدالله مساراً فنياً ترسخ في أذهان ملايين المغاربة من خلال أعمال درامية كان أشهرها مسلسل 'لالة فاطمة' الذي لعبت فيه الفنانة الراحلة دور البطولة حتى إنها باتت تلقب بهذا الاسم.

ومثل شهرة أسد وسعدالله اشتهر ثنائي آخر شكله الراحلان محمد بلقاس وعبدالجبار الوزير اللذان عرفهما الجمهور المغربي من خلال مسلسلات ومسرحيات كوميدية، كما اشتهرا بلكنتهما المراكشية الجميلة، فضلاً عن الثنائي الذي شكله محمد الجم ونزهة الركراكي، والدة مغني الراب المعروف سعد لمجرد.

ومن خلال ما سبق يتبين أن عدداً من الثنائيات الناجحة اضمحلت أو انقطعت لأسباب ودوافع مختلفة، على رأسها عامل السن أو وفاة أحد طرفي الثنائي أو هما معاً، أو لأسباب مالية أو عوامل فنية تتعلق بتغيير التوجه أو البحث عن فرص أكثر ربحاً وعروض عمل أكبر من التي يجلبها عمل الثنائي.

يرى مراقبون أن ما يفسر توهج الثنائيات الفنية في أعوام السبعينيات إلى حدود التسعينيات من القرن الماضي هو خفوت دور 'الحلقة' في الساحات المغربية، وأيضاً تراجع إشعاع المسرح المغربي الذي منح دفعة قوية للثنائيات الفنية في مجالات الغناء والفكاهة، غير أن عودة المسرح لقوته والتفاف الجمهور حوله أفضى في الأعوام الأخيرة إلى 'وأد' الثنائيات الفنية بالمغرب.

ويأمل كثيرون في أن يحمل الشباب مشعل الرواد في الثنائيات، بحيث بدأت تظهر ثنائيات شباب يمارسون الكوميديا بفضل برامج المسابقات التلفزيونية، ومن بينهم الثنائي الشاب إدريس والمهدي وحسن ومحسن غير أنها تجارب تحتاج إلى كثير من الدربة والممارسة لتصبح بشهرة وانتشار ثنائيات الرواد.