اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٨ نيسان ٢٠٢٥
يتواصل الجدل حول قرار الحكومة تسقيف سن الولوج لاجتياز المباريات في عدد من القطاعات والإدارات العمومية في 30 سنة، وعلى ٍاسها قطاع التربية الوطنية، وسط مخاوف من تعميم هذا الشرط للولوج للوظيفة العمومية بعد اتخاذهما في قطاعي التعليم والمالية.
إقصاء ممنهج
أعربت الشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب عن قلقها الشديد إزاء ما وصفته بـ'الإقصاء الممنهج' الذي يتعرض له خريجو الجامعات والمعاهد العليا ومراكز التكوين المهني من المشاركة في مباريات التوظيف بالقطاعات الحكومية والعمومية والترابية والمؤسسات الدستورية، بسبب اعتماد سقف سنّي 'تعسفي' لا يتجاوز غالباً 30 أو 35 سنة.
وفي رسالة وجهتها إلى رئيس مؤسسة وسيط المملكة، حسن طارق، اعتبرت الشبكة أن اشتراط سن معينة دون مراعاة المسار العلمي والمهني للمرشحين يحبط آمال الشباب، ويقوض مبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص الذي يكفله الدستور المغربي في فصله الحادي والثلاثين.
كما اعتبرت أن حصر السن بهذا الشكل يعد هدراً للطاقات الوطنية التي استثمرت فيها الدولة ميزانيات ضخمة على مدار سنوات من التكوين الأكاديمي والمهني، داعية إلى عقد لقاء مع رئيس مؤسسة وسيط المملكة، لعرض وجهة نظرها ومقترحاتها بخصوص آليات تجاوز هذه الإشكالية، مؤكدة أن معالجة هذه 'الاختلالات' باتت ضرورة لضمان إدماج ناجع وعادل للشباب في سوق الشغل العمومي.
وانتقدت الشبكة في بلاغ لها ما وصفته بـ'المفارقة الصارخة' بين واقع الشباب المبعد عن فرص التوظيف بحجة السن، وبين استمرار مسؤولين حكوميين وإداريين متقدمين في العمر، بعضهم فوق السبعين، في تسيير مناصب عليا دون حواجز مشابهة. وشددت على أن هذا الوضع يكرس التمييز السلبي الذي يتنافى مع الفصل السادس من الدستور، الذي ينص على المساواة أمام القانون وعدم التمييز.
كما دعت الشبكة مؤسسة الوسيط إلى التدخل العاجل لمطالبة القطاعات الحكومية بمراجعة قراراتها بشأن تحديد سقف السن، بما يتلاءم مع المقتضيات الدستورية وقانون الوظيفة العمومية الذي يحدد سن الولوج إلى الوظيفة في 45 سنة، ويضمن انفتاح سوق الشغل أمام أوسع فئة ممكنة من المواطنين المؤهلين.
ونبهت الشبكة أيضاً إلى وجود ممارسات أخرى 'مجحفة'، من بينها فرض شروط دقيقة مرتبطة بتخصصات معينة لحاملي شهادات الماستر، مما يحرم العديد من الشباب ذوي الكفاءات المرتبطة من فرص التنافس العادل.
ويشار إلى أن الوسيط هي مؤسسة دستورية 'وطنية مستقلة ومتخصصة، مهمتها الدفاع عن الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، وقيم التخليق والشفافية في تدبير الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية والهيئات التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية'.
التعليم والاقتصاد
وكان شرط السن قد أثار جدلا واسعا وفجر احتجاجات لحظة اتخاذه خاصة من قبل وزارة التربية الوطنية بسبب حرمانه للآلاف من خريجي الجامعات من اجتياز المباراة، ما جدد مطالب إلغائه، في وقت اعتبر الوزير السابق، شكيب بنموسى، أن “عامل السن سوف يساعد المنظومة التعليمية على تقوية قدرات وكفاءة مواردها البشرية وتعتمده مجموعة من القطاعات ولا يمنع القانون تضمين شروط خاصة لولوج هذه المباريات التي تساعد في تنزيل الأهداف النبيلة لإصلاح التعليم”.
وفي هذا الصدد، وجه رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، في وقت سابق سؤالا كتابيا لوزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، عدما قررت وزارة الاقتصاد والمالية تسقيف الولوج لمبارياتها في 30 سنة، معتبرا أن هذا الإجراء ' يضربُ في الصميم مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص'.
وسجل حموني، في السؤال الذي توصلت جريدة 'العمق' بنسخة منه، أن 'معدلات البطالة ارتفعت مؤخراً إلى أرقام غير مسبوقة، بما في ذلك معدلات البطالة في صفوف الشباب حاملي الشهادات والديبلومات”، مبرزا أن “هذا الارتفاع يعني أنَّ الشاب الحامل لشهادة عليا أصبح يقضي سنواتٍ أطول في البحث عن منصبِ شغلٍ، بما في ذلك ضمن أسلاك الوظيفة العمومية”، معتبرا أنه “كان من الأجدر أن تعالجه الحكومة برفع، وليس خفض، سن الأحقية في اجتياز مباريات الولوج إلى الوظيفة العموميةّ.
وأشار المتحدث ذاته إلى أنه 'عكس هذا الاتجاه الطبيعي، قررت وزارة الاقتصاد والمالية، على غرار قطاعاتٍ أخرى، بإعلانٍ عن مباراةٍ لتوظيف مفتشين في المالية، وضمن شروط المشاركة شرط عدم تجاوز 30 سنة بالنسبة للمترشحين غير الموظفين.
وشدد رئيس فريق التقدم والاشتراكية أن “هذا القرار خلف استياء كبيرا في صفوف خريجات وخريجي الجامعات المعنيين وأسرهم، حيث إن هذا القرار سيحرم فئات عمرية واسعة من اجتياز هذه المباراة، كما أنه قرار يضربُ في الصميم مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص”، وفق تعبيره.
الدستور والقانون
وبالرجوع إلى دستور المملكة، يضيف حموني، 'نجده ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من عدد من الحقوق، من بينها الحقُّ في ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق”، فضلا عن “النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي يُوجِبُ التوظيفَ في المناصب العمومية وفق مساطر تضمن المساواة، كما يشترط للانخراط في الوظيفة العمومية التوفر على الجنسية المغربية والمروءة والقدرة البدنية الملائمة والتمتع بالحقوق الوطنية”.
وبالرجوع إلى المرسوم رقم 349-02-2 صادر في 27 من جمادى الأولى 1423 (7 أغسطس 2002)، حسب حموني، نجد أنه رفع إلى 45 سنة حَـدَّ السن الأقصى للتوظيف المحدد في 40 سنة بموجب بعض الأنظمة الأساسية الخاصة بموظفي الإدارات العمومية والجماعات المحلية فيما يتعلق بولوج الأسلاك والأطر والدرجات المرتبة على الأقل في سلم الأجور رقم 10 والأسلاك والأطر والدرجات ذات الترتيب الاستدلالي المماثل”.
من جهته، أوضح عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس، أن “قانون الوظيفية العمومية يحدد شرط اجتياز المباريات والولوج للوظيفية العمومية ما بين الأدنى والأقصى دون أن يحدد سنا معينة وذلك بين 18 و45 سنة كحد أقصى بقرار استثنائي من رئيس الحكومة”، وباستثناء ذلك يبقى للإدارة الحق، وفق تعبيره، في تقدير السن المناسب للولوج للوظيفية العمومية.
وأشار أدمينو، في تصريح سابق لجريدة “العمق”، إلى أن الحكومة لها اعتبارات متعددة في تحديد سن 30 سنة اجتياز المباريات، مرتبطة خاصة باعتبارات موازناتية حسابية متعلقة أساسا، وفق تعبيره، بأنظمة التقاعد والتعاضد.
وأكد المتحدث ذاته أن الاعتبارات المالية بالأساس كانت وراء توجه الحكومة لتحديد متوسط عمري لـ30 سنة في الولوج لقطاع التعليم مثلا، مضيفا أن الإدارة المغربية لم تخرق أي مقتضى لأن قانون الوظيفية العمومية لا يلزمها بأي سن محددة.