اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٢ نيسان ٢٠٢٥
أكد المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز، على أن عروبة فلسطين هي الأساس الصلب لوجودها، مشددا على أن عروبة فلسطين هي 'الرد القوي على المشروع الصهيوني الذي يتساءل عن وجود كيان اسمه فلسطين'، موضحا أن هذه العروبة هي التي تحدد هوية فلسطين، وقد حظيت بالتقديس في العالم العربي لقرون، قبل ظهور 'المتطاولين' الذين وصفهم بـ 'الحشرات الخارجة من شقوق تداعي عمراننا السياسي'.
وأضاف بلقزيز، 'إذا كانت السياسات العربية قد خانت عروبة فلسطين فإن الثقافة العربية لا تزال متمسكة بعروبة فلسطين لذلك فلسطين حاضرة في الانتاج الثقافي العربي بجميع مكوناته، وحضورها تعبير عن انتمائها الأصيل إلى هذه المنظومة المرجعية التي هي الثقافة العربية'.
أشار بلقزيز إلى أنه رغم مرور أكثر من سبعة عقود على 'الجرائم الصهيونية' التي وصفها بأنها 'تتناسل كالفطريات'، ورغم 'العمليات الوحشية والإبادة الجماعية'، فإن المشروع الصهيوني لم يستطع أن ينعم بالاستقرار في مواجهة الشعب الفلسطيني، مشيدا بصمود 'ثلاثة أجيال من المقاومة المتلاحقة' التي واجهت هذا المشروع 'الاقتلاعي الهمجي'، وتمكنت من إرساء 'خط دفاعي' قوي تمثل في 'الشخصية الوطنية الفلسطينية' المستقلة والثابتة في وجه كل السياسات الهادفة إلى طمسها.
جاء ذلك في مداخلة لبلقزيز، بندوة حول 'الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسات المحو'، التي سيرها الإعلامي ياسين عدنان وشارك فيها الشاعر محمد بنيس، ضمن فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، المنعقد بالرباط خلال الفترة الممتدة من 17 إلى 27 أبريل الجاري.
أوضح بلقزيز أنه كان يحرص في كتاباته على التمييز بين صورتين للغرب: الأول كـ 'شيطان رجيم'، والثاني كـ 'ملاك ينبغي الاقتداء بنموذجه'، مشيرا إلى أنه قدم تمييزا بين 'الغرب السياسي' الذي يرتكب الجرائم، و'الغرب الثقافي' الذي يمثل 'فلسفة الأنوار الإنسانية العقلانية والديمقراطية والحرية'، مؤكدا على ضرورة عدم تحميل غرب مسؤولية جرائم غرب آخر.
و لفت إلى أن أحداث السابع من أكتوبر أظهرت تعقيدات جديدة جعلت هذا التمييز أقل وضوحا، خاصة مع إعلان فلاسفة عن صهيونيتهم دون خجل. ومع ذلك، أكد أن الغرب ليس كتلة واحدة، مشيرا إلى الحركات الطلابية والشبابية الداعمة لفلسطين في الولايات المتحدة كدليل على حيوية المجتمعات الغربية ووجود 'طلاق حقيقي' بين النخب السياسية والثقافية وبين هذا الجيل الصاعد الذي أسقط 'سطوة الصهيونية على الرأي العام الغربي'.
وأكد أن الثقافة الفلسطينية كانت ولا تزال مرجعية أساسية في الثقافة العربية، وأن الأخيرة نسجت على منوالها في الكثير من الجوانب، مشدد على أن أهمية هذه الثقافة لا تقتصر على دورها في مقاومة 'الواقعة الصهيونية وسياسات المحو والمسخ وتبديد الشخصية الوطنية الفلسطينية' وإثبات وجود هذه الشخصية، بل تتعدى ذلك إلى قدرتها الفريدة على 'اقتراح على القريحة العربية مستويات من الجمالية في التعبير استثنائية'، لتكرس نفسها بذلك كمرجعية جمالية في الثقافة العربية المعاصرة.
كما أوضح بلقزيز أن نكبة فلسطين عام 1948، رغم ما حملته من خسارة فادحة للشعب الفلسطيني والأمة العربية والإنسانية جمعاء، مثلت في الوقت نفسه 'استثمارا استثنائيا' على صعيد الوعي والسياسة والثقافة في المنطقة العربية. وأشار إلى أن هذه النكبة كانت الشرارة التي أيقظت حركات التحرر العربية والقومية وحركات اليسار، لتصبح فلسطين بذلك 'رافعة تاريخية' للنهوض السياسي العربي في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى يومنا هذا.
وشدد على أن كون فلسطين 'سؤالا سياسيا' محوريا في التاريخ العربي الحديث والمعاصر يتجلى في اقتران أغلب التحولات السياسية الكبرى في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم بالقضية الفلسطينية ونكبة شعبها، حيث كانت فلسطين 'رافعة تاريخية' لنهوض حركات التحرر والقومية واليسار العربي.
وأضاف أن الثقافة السياسية العربية خرجت من 'مصهر فلسطيني'، وأن القضية كانت بمثابة 'مختبر' لتقييم الخطاب السياسي العربي وشحذه، فضلا عن كون فلسطين ستبقى 'سؤالا ثقافيا' حاضرا كمرجعية وجودية في التفكير العربي، وأن اللحظات الكبرى في الثقافة العربية بدأت 'فلسطينيا' ثم تعمقت عربيا.
وشدد بلقزيز على الدور المحوري للثقافة في معركة الوجود الفلسطيني، مؤكدا أنها 'لا تقل في معركة المقاومة عن البندقية، وأحيانا تتفوق عليها'، موضحا أن الثقافة ليست مجرد أداة لتوجيه المقاومة المسلحة، بل هي قوة يشارك فيها كل الشعب، وتكرس لديه الشعور العميق بهويته الفلسطينية والعربية في مواجهة سياسات المحو.
ولفت المفكر المغربي إلى 'إفلاس' المشروع الصهيوني ثقافيا، ولجوئه إلى 'سرقة' التراث الفلسطيني وتقديمه باسمه، ليؤكد في المقابل على 'الغنى المفرط في الشخصية الوطنية الفلسطينية'، القادرة على هزيمة 'الخرافة الصهيونية الخارجة من التلوث'.