اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢١ أذار ٢٠٢٤
لم يكن الشاب عدي عليلوش ذي العشرين ربيعا يدري وهو يتقدم بطلبه للانضمام إلى القوات المسلحة الملكية للدفاع عن حوزة التراب الوطني، سنة 1975، أنه سيؤدي فداءً للوطن جزءا من عمره وحريته على مدى 25 عاما من الأسر في سجون مرتزقة البوليساريو والجزائر…هناك سيذوق مختلف أنواع وصنوف التعذيب، وسيصل الى مرحلة فقد فيها الأمل في الحياة والعودة إلى أرض الوطن، بعدما شاهد المئات من زملائه يموتون جوعا أو تعذيبا أمام عينيه.
ولد عدي عليلوش، سنة 1955 ببلدة 'النقوب' المعروفة بالقصبات و واحات النخيل بإقليم زاكورة،و التحق -كما سبقت الإشارة- بالقوات المسلحة الملكية في عام 1975، أثناء المسيرة الخضراء. وقضى بضعة أشهر في التدريب والتكوين العسكري بورزازات، ليتم إرساله بعد ذلك إلى الصحراء المغربية، حيث عمل في طانطان والسمارة والعيون. وما لبث أن وقع في الأسر رفقة ثلاثة من زملائه سنة 1976 ، أي بعد عام واحد فقط من انضمامه للجيش المغربي.
الحلقة الرابعة: العودة إلى مخيمات تندوف
في الأيام الأولى من تواجدهم بالجزائر، طُلب من الأسرى المغاربة إرسال رسائل إلى عائلاتهم بالمغرب، عبر ما يسمى بـ'الهلال الأحمر الصحراوي'، لإخبارهم بأنهم لازالوا على قيد الحياة، وهو ما رفضوه بشكل قاطع، لأنهم لا يعترفون بهذا الكيان الانفصالي الذي أذاقهم انواعا من الظلم و العذاب.
'لا نمانع في أن نراسل عائلاتنا عبر البريد الجزائري، لأننا في تراب الجزائر وتحت رايتها، لكن أن نكتب عبر الهلال الأحمر الصحراوي، فهذا لا يمكن، وكان جميع الأسرى متفقين على هذا الأمر'، يقول عليلوش، مستطرداً: 'حملت العلم المغربي، وقاتلت من أجل بلادي والآن تطلبوا مني أن أكتب عبر الهلال الأحمر الصحراوي، هذا غير مقبول'.
كانت الجزائر تسعى بهذه الطريقة إلى توجيه الانتباه لكون الأسرى المغاربة ليسوا في سجون الجزائر وإنما في عهدة البوليساريو،. وبعد فشل محاولتها الأولى، قررت تصوير فيديو للأسرى، حيث جاءت بالرمال إلى المعتقل وقامت بتلبيس الجنود الجزائريين اللباس الصحراوي لتظهرهم في الفيديو على أنهم من البوليساريو. ومع ذلك، رفض الأسرى المغاربة هذه الفكرة، وتعرضوا للتعذيب بسبب ذلك.
واستطرد عليلوش قائلا: 'عندما يصل الأسير المغربي إلى معقل البوليساريو في الرابوني، يواجه فورا جيشا من الصحافيين، الذين يستجوبونه ويحصلون منه على معلومات حول اسمه، ومكان ميلاده، ومكان إقامته. وفي المساء، تجد ذلك في الأخبار وبطبيعة الحال سيصل إلى عائلاتهم مباشرة بهذه الطريقة'.
ويروي الأسير المغربي الذي أمضى 25 عاما في السجون، تجربته ومعاناته داخل سجون الجزائر، وكيف كانوا يخوضون الإضرابات من أجل الإفراج عنهم وترحيلهم إلى المغرب، ولكنهم لاقوا تسويفا من قبل الساسة الجزائريين في تلبية مطالبهم. يقول عليلوش في هذا السياق: 'عندما توقفت الحرب وأُطلق سراح 150 أسيرًا في عام 1987 من السجون الجزائرية، عانينا كثيرًا، لأن كل واحد منا كان ينتظر دوره للإفراج عنه'.
ويضيف أنه في عام 1987، تم التوصل إلى اتفاق بين المغرب والجزائر لتبادل الأسرى وحل الخلاف بينهما، وأحدثت لجنة خاصة لهذا الغرض. ومع ذلك، عادت الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى، حتى وصول عام 1994 في فترة رئاسة الرئيس الجزائري ليامين زروال، حيث بدأت هناك ضغوط من المنظمات الدولية على الجزائر، بما في ذلك الصليب الأحمر، الذي كشف عن وجود أسرى مغاربة في السجون الجزائرية.
وتحت ضغوط هذه المنظمات، قامت الجزائر بإعادة الأسرى المغاربة إلى البوليساريو التي قامت بتوزيعهم على المعتقلات في مخيمات 'لحمادة' بتندوف، حيث تم استخدامهم في الأعمال الفلاحية، وحفر الآبار، وحفر الخنادق، وتفريغ شاحنات المساعدات الدولية، بالإضافة إلى جلب الحطب، حيث تحولوا، وفقا لعليلوش، إلى 'عبيد'.
في شهر نوفمبر من عام 1994، تمت زيارة الأسرى المغاربة في مخيمات 'لحمادة' في تندوف لأول مرة من قبل الصليب الأحمر الدولي. قبل هذه الزيارة، طُلب من عليلوش وزملاؤه أن يرتدوا ملابس نظيفة ويحلقوا رؤوسهم لتقديمهم بمظهر جيد أمام بعثة الصليب الأحمر. وأضاف عليلوش: 'فعلا زارنا أفراد من الصليب على الساعة التاسعة صباحا، وقد خاطبتهم جئتم لتكتشفوا أهل الكهف في القرن 21 .. هم اكتشفونا ونحن اكتشفنا العالم من خلالهم'.
زيارة الصليب الأحمر الدولي للأسرى المغاربة كانت تعني بالنسبة لعليلوش أن الفرج قريب، أو على الأقل سيتمكنون أخيرا من التواصل مع عائلاتهم في المغرب. لكن هذه الفرحة لم تدم طويلا بالنسبة لعدي الذي يقول في هذا الصدد: 'لمن سأكتب بعد 18 سنة من الأسر؟ هل لازالوا على قيد الحياة، وما هو العنوان الذي سأكتب عبره إليهم؟' هذه الأسئلة وغيرها كان يطرحها جميع الأسرى. والبعض اكتفى بكتابة: 'أنا فلان ابنكم، أنا لا زلت على قيد الحياة وأنا بخير'، وسلموها للصليب الأحمر.
توالت الضغوط من المنظمات الدولية على البوليساريو من أجل إطلاق سراح الأسرى المغاربة، خصوصاً وأنهم قضوا مدداً طويلة في الأسر يصل بعضها إلى 30 سنة، وكان بينهم مرضى ومعطوبين وأشخاص أصيبوا بعاهات مستديمة. وتمت مطالبة الجبهة الانفصالية بإطلاق سراحهم بمنح الأسبقية للمرضى والأسرى القدامى.
وتواصلت الأيام، وعاد الصليب الأحمر مرة أخرى إلى مخيمات 'تندوف' في شهر مارس 2003 لزيارة الأسرى المغاربة من جديد. يروي عليلوش: 'سألناهم عن أي تطورات بخصوص الإفراج عنا، وأخبرونا بأن العلاقات بين المغرب والجزائر توترت من جديد ،بل إن بوتفليقة في ذلك الوقت طلب من البوليساريو خرق اتفاق وقف إطلاق النار عن طريق استهداف 'رالي دكار' الذي يمر عبر الصحراء المغربية.
ويشير عليلوش إلى أن داخل المخيمات، كان هناك رفض، خصوصا من النساء، لفكرة العودة إلى الحرب. لكونهن فقدن أزواجهن وأبناءَهن وآباءَهن في الحرب، ولم يتبق لديهن إلا الأطفال، ولا يمكن المخاطرة بالعودة للقتال مرة أخرى. ويضيف بأنه سمع إحداهن تقول: 'إذا كانت الجزائر تريد الحرب مع المغرب، فلتخضها بعيدًا عنا. نحن جربنا الحرب مع المغرب ولم نجني منها شيئا، ونريد حلا سياسيا'.
