اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
يرى محللون أن الرباط قد هو المستفيد الأكبر من الكشف عن معطيات تتعلق بالقضية
تعيش النخبة السياسية والأكاديمية في إسبانيا على وقع ترقب خروج مشروع القانون الجديد للمعلومات المصنفة إلى النور، الذي سيحل محل قانون الأسرار الرسمية المعمول به منذ عام 1968، والموروث عن نظام الجنرال فرانكو، وذلك بعد أن أقر أخيراً من طرف مجلس الوزراء الإسباني.
ويترقب الرأي العام إماطة اللثام عن آلاف الوثائق التاريخية السرية، منها ما هو مرتبط بأحداث داخلية خطرة وجسيمة، مثل الوثائق المتعلقة بمحاولة الانقلاب العسكري في الـ23 من فبراير (شباط) 1981، ومنها أحداث خارجية تهم بعض دول الجوار، وعلى رأسها المغرب، من قبيل حديث 'المسيرة الخضراء' وانسحاب إسبانيا من الصحراء عام 1975، وغيرهما من أحداث.
ويرى محللون أن المغرب قد يكون هو المستفيد الأكبر من الكشف عن الوثائق السرية الإسبانية للعموم، خصوصاً في ما يتعلق بقضية الصحراء التي تشهد منعطفات سياسية حاسمة، كما أنها قد تكشف القناع عن ملابسات الاحتلال الإسباني للصحراء، وعن قضايا حيوية بالنسبة إلى دول الجوار المغاربي.
مشروع القانون الجديد الذي ينتظر فقط مصادقة البرلمان يروم لرفع السرية عن آلاف الوثائق والمعطيات السرية والتاريخية التي تتعلق بإسبانيا، بعد انصرام مدة نحو 60 عاماً، تبعاً لطبيعة الوثائق التي تصنف بكونها 'مقيدة'، أو تلك التي تصنف سرية للغاية.
ووفق هذا النظام الجديد، ستكون فترة السرية 45 عاماً للمعلومات المصنفة 'سرية للغاية'، ويمكن تمديدها استثنائياً ومبرراً إلى 60 عاماً، و35 عاماً للمعلومات 'السرية'، وما بين سبعة وتسعة أعوام للمعلومات 'الموثوقة'، وما بين أربعة وخمسة أعوام للمعلومات 'المقيدة'، وهي فترات تصنيف تتماشى مع المعايير المعتمدة في حلف 'الناتو' والاتحاد الأوروبي.
ويتيح هذا الكم الكبير من الوثائق السرية الإسبانية، التي تعود لما قبل الدستور الذي جرى إقراره بالبلاد في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) 1978، الكشف عن حقب ووقائع مهمة في تاريخ إسبانيا، منها على وجه الخصوص الأحداث التي وقعت إبان حكم فرانكو، أو خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبت رحيله، فضلاً عن أحداث كبرى أخرى لها علاقة بدول مجاورة، منها المغرب على وجه الخصوص.
واهتمت كبريات الصحف الإسبانية بهذا القانون المرتقب لنشر الوثائق السرية، واعتبرته حدثاً بارزاً يضع حدا للوضع 'المختل' المتمثل في أن الوصول العام في إسبانيا إلى وقائع وبيانات تاريخية ظل خاضعاً لقانون صدر في عهد فرانكو، ولم تدخل عليه سوى تعديلات قليلة قبيل اعتماد الدستور.
وأصبحت وزارة شؤون الرئاسة في إسبانيا الجهة الجديدة المشرفة على السلطة الوطنية للمعلومات المصنفة بدل وزارة الدفاع، في أفق 'تعزيز شفافية الدولة في شأن أحداث مهمة من الماضي القريب'، وفق صحف إسبانية أوردت أن المشروع يضع نظاماً موضوعياً وزمنياً لعملية رفع السرية عن الوثائق، وفق تصنيف محدد للمواد، مما ينهي الطابع العشوائي والقرارات القائمة على كل حالة على حدة في إعلان الأدلة الوثائقية لبعض الأحداث.
في هذا الصدد، قال حسن بولان الباحث في العلاقات الدولية، إنها ليست المرة الأولى التي تعلن إسبانيا نيتها الإفراج عن وثائق تاريخية تدخل في نطاق الأرشيف السري، إذ سبقت ذلك محاولات في عامي 2011 و2014 كانت تصطدم دائماً بحسابات سياسية داخلية أو مبررات تتعلق بالأمن القومي. لكن الجديد هذه المرة هو الطابع التشريعي لهذه المبادرة بعد المصادقة الحكومية على مشروع قانون جديد، يخص المعلومات التاريخية السرية'.
ويتوقع بولان أن 'تلقي هذه المبادرة بظلالها على قضايا حيوية وحساسة بالنسبة إلى دول الجوار المغاربي، وخصوصاً المملكة المغربية التي تنتظر بفارغ الصبر الإفراج عن هذه الوثائق لما تحتويه من معلومات قيمة تخص ملابسات الاحتلال الإسباني للصحراء وظروف الانسحاب منها، مما سيثبت بصورة قطعية مغربية الأقاليم الجنوبية للمملكة'.
وتابع الباحث بالقول 'مخرجات انسحاب إسبانيا من الصحراء بعد الاتفاق الثلاثي واضحة ومسجلة، لكن الكواليس التي سبق أن رافقت وأعقبت هذا الانسحاب ما زالت تحتاج إلى كثير من التحليل والدراسة'، مردفاً أن إماطة اللثام عن هذه الوثائق سيزعج أكثر جبهة 'البوليساريو' المنادية بالانفصال، باعتبار أن الحقوق المغربية المشروعة ثابتة بإرث تاريخي ثقيل، ومؤكدة بانتماء جغرافي طويل'.
واستطرد بولان أن 'إفراج إسبانيا عن هذا الكم من الوثائق، وإن كان بصورة متدرجة، سيكشف عن حجم الجهود والاتصالات الثنائية والإقليمية والدولية التي قامت بها الدبلوماسية المغربية من أجل استرجاع الصحراء، والأهم هو الكشف عن مواقف دول فاعلة أو مؤثرة في ملف نزاع الصحراء'.
ولفت المتحدث ذاته إلى أنه 'إذا كان المغرب هو المستفيد الأكبر من هذه المبادرة، بخاصة أن قضية الصحراء دخلت في منعطفات حاسمة، فإن المستفيد أيضاً هو البحث العلمي التاريخي الجاد، الذي سينفتح على كنز ضخم من المعلومات والمعطيات والأحداث التاريخية، التي يمكن أن تغير وتنسف بعض السرديات والمسلمات المتداولة بخصوص ملف الصحراء'.
من جهة أخرى يرى محللون أن الكشف عن الوثائق السرية الإسبانية سيخضع بلا شك لاعتبارات سياسية ودبلوماسية، وسيراعي أكثر مصلحة الأمن القومي الإسباني، وبالتالي لا يتوقع من هذه الوثائق أن تكشف عن مفاجآت كبرى أو أن تؤثر بصورة أو بأخرى في علاقات مدريد مع حلفائها أو بلدان الجوار.
ومن المتوقع، وفق مصادر إعلامية إسبانية متطابقة، أن تضم الوثائق السرية التي سيجري الإفراج عنها بعد دخول مشروع القانون حيز التنفيذ أواخر العام الحالي ملف انسحاب إسبانيا من الصحراء، بعد تنظيم 'المسيرة الخضراء' السلمية عام 1975 في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. أيضاً يعلق أستاذ العلاقات الدولية سعيد الصديقي على هذه الحيثية بقوله إن تقييم تأثير الكشف عن هذه الوثائق السرية التاريخية بخصوص قضية الصحراء يتوقف على طبيعتها، ولا سيما ما يتعلق منها بما قد يؤكد اعتراف الإدارة الإسبانية، خلال مرحلة الاستعمار أو قبلها، بتبعية الصحراء للمغرب تاريخياً.
واسترسل المحلل نفسه قائلاً 'بالنظر إلى ما يتوفر عليه المغرب من اتفاقات أبرمها مع عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية قبل مرحلة الاستعمار، التي تتضمن اعترافاً صريحاً أو ضمنياً بسيادة المغرب على الصحراء، فإن هذه الوثائق المزمع الكشف عنها قد تؤكد هذا المعطى التاريخي، الذي أقره أيضاً الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 1975'.
وخلص الصديقي إلى أنه لا يتوقع 'أن تكون لهذه الوثائق السرية التاريخية، التي ستكشف عنها إسبانيا وتكون متاحة للباحثين والرأي العام، تأثيرات كبيرة في مسار قضية الصحراء، التي تحولت منذ عقود إلى قضية سياسية أكثر منها تاريخية أو قانونية' على حد قوله.