اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
التلاعب طاول التسجيل في الدبلومات و'الماستر' وسياسيون وأكاديميون ضمن شبكة المتورطين
تفجرت مجدداً قضية منح شهادات ودبلومات جامعية مقابل المال في المغرب، بعد اعتقال أستاذ جامعي يشغل منصباً قيادياً في أحد الأحزاب السياسية المغربية، بشبهة 'التلاعب في التسجيل في الماجستير (الماستر)، ومنح شهادات ودبلومات بمقابل مادي'، كذلك شملت المتابعة القضائية محامين وأبناء ميسورين نالوا دبلومات جامعية مقابل منح المال لزعيم هذه الشبكة.
ويرى مراقبون أن مثل هذه الفضائح التي سبقتها أخرى مماثلة، من قبيل الضجة العارمة التي رافقت قضية 'الجنس مقابل النقط' في إحدى الجامعات المغربية، تمس السمعة الطيبة التي تحظى بها المؤسسات الجامعية بالبلاد، كذلك تطرح شكوكاً بخصوص تكوين النخب الشابة التي تتخرج في هذه الفضاءات العلمية الراقية.
وفي وقت دعا فيه بعض المغاربة إلى توسيع دائرة الأبحاث القضائية لتشمل كل الشهادات الجامعية التي منحت تحت مسؤولية الأستاذ الجامعي، اعتبر آخرون أن هذه الظاهرة تضرب ميثاق وأخلاقيات مهنة التدريس، وتؤثر في التصنيفات الدولية للمؤسسات الجامعية المغربية والبحث العلمي.
سمسار ونصابون
بدأت القضية مثل كرة ثلج صغيرة كبرت وتضخمت بتدحرجها من أعلى الجبل إلى السفح، حين كانت شرارتها اعتقال شخص يعمل موثقاً بتهمة اختلاس ملايين الدراهم، معترفاً أثناء مجريات التحقيق معه أنه اشترى دبلوم 'الماستر' من الأستاذ الجامعي المذكور بمبلغ 250 ألف درهم (25 ألف دولار).
وتفيد معطيات متطابقة أن هذا الملف الجديد الذي تحول إلى قضية رأي عام بالمغرب، تتابع فيه زوجة الأستاذ الجامعي التي تعمل محامية، ومسؤول قضائي، ونجله الذي يعمل أيضاً محامياً، فضلاً عن محامين آخرين وأبناء شخصيات ميسورة، تسلحوا بدبلومات جامعية من دون أن تطأ أرجلهم أرض الجامعة.
وكشفت التحقيقات الجارية على قدم وساق وجود حساب بنكي يضم مبلغاً مالياً ضخماً في ملكية زوجة 'سمسار الدبلومات الجامعية'، الشيء الذي جعل الشكوك تتوجه إليها بخصوص ارتباط هذا الحساب بالأموال المتحصل عليها من بيع الدبلومات الجامعية لمن يرغب في حيازة الشهادات من دون مشقة أو تعب.
وليس فقط بيع دبلوم 'الماستر' الذي تخصص فيه الأستاذ الجامعي والقيادي الحزبي المذكور، بل أيضاً التوسط للتسجيل في شعب ومسالك تعليمية خاصة في الشهادات التي تتطلب شروطاً ومعايير للقبول، فيُشترى التسجيل في هذه المسالك الدراسية بالمال حتى لو لم تتحقق الشروط في 'الطالب المشتري'.
ويواصل المحققون التحري والبحث في شأن استفادة كثير من الطلبة، خصوصاً أبناء الأسر الميسورة، وفق مصادر متطابقة، من التسجيل في تخصص 'الماستر'، بأساليب احتيالية وتقديم الرشى، من دون النظر في نقط وشروط الاستحقاق.
سمعة الجامعة
وكان لافتاً أن بطل هذه الفضيحة كان محط مساءلة قبل بضعة أعوام في الملف نفسه، عندما اتهمه شاب على مواقع التواصل الاجتماعي بالمتاجرة والسمسرة في الدبلومات الجامعية، غير أنه لانعدام الأدلة عُوقب المتهم وبُرئ الأستاذ الجامعي.
وسبق لجمعية حماية المال العام والشفافية بالمغرب أن قدمت شكوى إلى القضاء في سبتمبر (أيلول) 2023، حول 'تكوين عصابة إجرامية لإصدار شهادات جامعية للتعليم العالي من طريق التزوير في سجلات ومحاضر رسمية بجامعة أغادير، واستغلال النفوذ والمشاركة في الاحتيال وتبديد المال العام بسوء نية'.
ووفق الشكاية المرفوعة ذاتها إلى القضاء 'عدد الشهادات المزورة بالعشرات للماستر والماستر المتخصص، استفاد منها أصحابها من دون وجه حق، واستعملت للتوظيف والترقي والحصول على شهادات للدكتوراه في ما بعد'.
من جهته أفاد رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، المحامي محمد الغلوسي، بأن 'مثل هذه السلوكيات تضرب صدقية الشهادات الجامعية وسمعة الجامعة المغربية في مقتل'، متوقعاً أن 'يكون مسؤولون ومهنيون وسياسيون استفادوا بصورة أو بأخرى من ثمار وغلة هذا الفساد'، وفق تعبيره.
وتبعاً للغلوسي، 'يتعين توسيع دائرة الأبحاث القضائية لتشمل كل الشهادات الجامعية التي منحت تحت مسؤولية الأستاذ الجامعي، والاستماع إلى كل الأشخاص المشتبه تورطهم في شبهات الرشوة والفساد مهما كانت مواقعهم ومسؤولياتهم وتحريك المتابعة ضدهم طبقاً للقانون'.
وسبق للمغرب أن شهد قضايا مماثلة ومشابهة، من قبيل القضية التي اشتهرت قبل أعوام قليلة باسم 'الماستر مقابل المال'، في جامعة مدينة فاس، وتوبع فيها أكثر من 14 شخصاً، وتورط فيها أستاذ جامعي كان يشغل حينها منصب نائب الكاتب العام لمنظمة 'ترانسبرانسي' لمحاربة الرشوة، وأيضاً قضية أخرى عرفت بملف 'المال مقابل النقط' في جامعة مدينة سطات، وأيضاً فضيحة سابقة اشتهرت بملف 'الجنس مقابل النقط'.
أسباب تعليمية واجتماعية
يحدد الباحث في الشأن التربوي محمد الصدوقي أبرز الأسباب التعليمية التي تدفع إلى بيع الدبلومات والشهادات الجامعية، من قبيل الفشل الدراسي للطالب المشتري للدبلوم أو الشهادة، وفشله أيضاً في التربية على القيم الفاضلة سواء أسرياً أو مدرسياً.
وأضاف الصدوقي سبباً تعليمياً آخر هو عدم احترام البائع أو الوسيط (الأستاذ الجامعي) ميثاق وأخلاقيات مهنة التدريس والأخلاقيات العلمية، وغياب الوازع الأخلاقي للوعي بالفعل الخطر والإجرامي الذي يقترفه وما سيسببه من عواقب مهنية خطرة على الطالب والمجتمع.
واسترسل الباحث بأنه من الأسباب الأخرى 'عدم احترام دفاتر الضوابط البيداغوجية الجامعية بنزاهة وصرامة، مما يدعو إلى تغييرها لتحقيق معايير الشفافية والاستحقاق والحكامة البيداغوجية والإدارية في منح الشهادات والدبلومات البيداغوجية'.
وأما بخصوص الأسباب الاجتماعية لبروز ظاهرة بيع الدبلومات الجامعية، فيورد الصدوقي 'انحدار وفشل منظومة القيم المجتمعية، إذ أصبح بعض الناس لا يعترفون بقيم النزاهة والكفاءة والاستحقاق والاجتهاد، وصار لديهم المال هو قيمة يشترون به كل شيء'.
وزاد المتحدث عاملاً اجتماعياً آخر يتمثل في 'وجود تواطؤ جماعي سواء من طرف بعض الموظفين، أو من طرف الأسر نفسها لتكريس وتنامي ظاهرة شراء الدبلومات والشهادات الجامعية أو التسجيل في هذه المسالك الدراسية'.
واستطرد الصدوقي بأن 'هناك أيضاً الخلفيات الاجتماعية لسماسرة أو بائعي الدبلومات والشهادات، إذ إن معظمهم ينتمون إلى الطبقات الفقيرة، إذ عقدة الفقر والطمع في الوجاهة الاجتماعية عبر الاغتناء السريع حتى لو عبر أفعال يجرمها القانون وضد الأخلاقيات المهنية والمجتمعية'.
تداعيات بالجملة
من جهته أفاد الأكاديمي والأستاذ بجامعة مراكش، إدريس لكريني، أن بيع الشهادات الجامعية أو تلقي رشى مقابل التسجيل في 'الماستر' يعد سلوكيات مرفوضة وممارسات غير مقبولة في الوسط الجامعي، باعتبار أنه فضاء لإعداد النخب وترسيخ الأمانة العلمية واحترام أخلاقيات البحث العلمي.
وأوضح لكريني بأن 'تفشي هذه الممارسات وغيرها مثل السرقات العلمية والسلوكيات غير الأخلاقية، يعتبر آفة تسيء إلى المؤسسات الجامعية، وتؤثر في صدقيتها وصورتها ومكانتها المرموقة وسط المجتمع'.
وأكد المتحدث أن 'تفشي هذه الممارسات يؤثر سلباً في مخرجات هذه المؤسسات الجامعية، ويضر بالتصنيفات الدولية المرتبطة بمكانة الجامعات على المستويين الإقليمي والعالمي'.
ونبه لكريني إلى إحدى التداعيات الخطرة لبيع الشهادات الجامعية أو التسجيل في تخصصات بعينها، متمثلة في 'وصول أشخاص إلى مناصب ومراكز ليسوا أهلاً لها، بالصورة التي تكرس الفساد وسط المجتمع'.
واستدرك لكريني بأنه 'داخل هذه الجامعات توجد نخب كثيرة تعمل بكفاءة ونكران ذات، وتحترم أصول البحث العلمي وتحاول على رغم الصعوبات تقديم رسالتها النبيلة'، مردفاً أنه 'لا ينبغي لهذه السلوكيات أن تؤثر في صدقية الجامعة المغربية بصورة عامة، والجهود التي تبذلها الكوادر الإدارية والتعليمية داخل الجامعات المغربية بصورة خاصة'.