اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٦ نيسان ٢٠٢٥
يواجه المغرب تحديات بيئية واقتصادية حادة تهدد استدامة قطاعه الزراعي الحيوي، إذ يعاني من أزمة جفاف مستمرة منذ ست سنوات، مما ألقى بظلاله على إنتاجه الفلاحي وساهم في فقدان آلاف مناصب الشغل في الأرياف، ما يجعل من التقلبات المناخية تهديدا مستمرا لهذا القطاع، خاصة وأن الأرقام تشير إلى عجز في معدل الأمطار بنسبة تصل إلى 53% مقارنة مع المتوسط السنوي للثلاثين عامًا الماضية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع.
وبالأرقام فإن القطاع الزراعي يشكل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو عنصر أساسي في الاقتصاد الوطني، إذ يوفر حوالي 30% من إجمالي فرص العمل، إلا أن الظروف الراهنة تسببت في خسائر فادحة، حيث فقدت الزراعة المطرية نحو 38% من قدرتها الإنتاجية و31% من مساحتها المزروعة في السنوات الثلاث الماضية.
الندرة المائية وتراجع الإنتاج الفلاحي
ومن جانب آخر، أثر الجفاف بشكل كبير على محاصيل الحبوب، إذ ارتفعت واردات البلاد من الحبوب لتصل إلى نحو 9 ملايين طن سنويا، مما يضع مزيدا من الضغوط على الاقتصاد الوطني، إلى جانب هذا، أظهرت الإحصائيات الأخيرة أن أزمة الجفاف أدت إلى فقدان نحو 157 ألف وظيفة في المناطق الريفية عام 2023، بينما سجلت البلاد أعلى معدل بطالة منذ عام 2000، إذ بلغ 13% في عام 2023 و13.3% في العام 2024.
وبينما أصبح المغرب يعاني من نقص حاد في المياه العذبة، حيث من المتوقع أن يفقد نحو 30% من موارده المائية بحلول عام 2050، فإن القطاع الزراعي ما زال يتمتع بموقع استراتيجي في الاقتصاد المغربي، وهو ما يعكس مرونة هذا القطاع في مواجهة الأزمات.
في هذا السياق، يبرز دور الأنظمة الذكية والتكنولوجيا الحديثة كحلول مبتكرة للمساهمة في استدامة الفلاحة المغربية، خاصة وأن المملكة اتجهت نحو تبني تقنيات متطورة مثل تحلية مياه البحر وتقنيات الري الاقتصادي، كما تم تنفيذ مشروع الري الموضعي الذي يغطي 53% من المساحات المسقية في الوقت الحالي، مع خطط للوصول إلى تغطية مليون هكتار بحلول عام 2030، ما يجعل من التحديات التي تواجه المغرب في قطاعه الزراعي تفتح المجال أمام البحث العلمي واستخدام التكنولوجيا لتطوير حلول مستدامة تعزز الإنتاج الزراعي وتحافظ على مناصب الشغل، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الأنظمة الذكية وتعزيز الاستدامة
ووفقا للعديد من المنصات المهتمة بالمجال الفلاحي فإن الأنظمة الذكية أصبت أداة أساسية لتعزيز استدامة الزراعة وتطوير الإنتاج الزراعي، فهذه الأنظمة، التي تجمع بين تقنيات متقدمة مثل أجهزة الاستشعار، الذكاء الاصطناعي، الطائرات بدون طيار، والروبوتات، لا تقتصر على تحسين كفاءة العمليات الزراعية فحسب، بل تساهم أيضًا في تقليل الهدر وتحقيق توازن بيئي مستدام.
من أبرز الأدوار التي تلعبها الأنظمة الذكية في الزراعة هو تحسين استخدام الموارد الطبيعية، وخاصة المياه، وفي دول تعاني من نقص حاد في المياه مثل المغرب، تُعد هذه الأنظمة حلا حيويا للحفاظ على هذه الموارد الثمينة. من خلال أنظمة الري الذكية، التي تعتمد على أجهزة استشعار تقوم بمراقبة رطوبة التربة وحاجتها للمياه، يتم توفير المياه بشكل دقيق وفعال، وهذا يساهم بشكل كبير في تقليل الهدر، خاصة في المناطق التي تشهد جفافًا مستمرًا.
كما تساهم الأنظمة الذكية في تحديد احتياجات النباتات من الأسمدة والمياه بدقة متناهية، مما يساعد على تقليص استهلاك هذه الموارد، هذه العمليات لا تقتصر على توفير المياه والموارد، بل تسهم أيضًا في الحد من التأثيرات البيئية السلبية الناتجة عن الإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات، التي يمكن أن تؤثر على صحة التربة وتلوث المياه الجوفية.
التكنولوجيا في مواجهة الجفاف
فيما يتعلق بتطوير الإنتاج، فإن الأنظمة الذكية تلعب دورا محوريا في زيادة الإنتاجية الزراعية، من خلال تقنيات الزراعة الدقيقة، يمكن تحسين طرق الزراعة والمحافظة على صحة المحاصيل، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية بنسبة قد تصل إلى 20%، وبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكن التنبؤ بحجم المحاصيل ومدى نجاح الزراعة في مناطق مختلفة بناء على بيانات بيئية ومناخية، وهو ما يسهل اتخاذ القرارات الدقيقة حول مواعيد الزراعة والحصاد.
حديث حول هذا الموضوع، أكد المحلل الاقتصادي، علي الغنبوري، أن الأنظمة الذكية، مثل أنظمة الري بالتنقيط المزودة بأجهزة استشعار الرطوبة والذكاء الاصطناعي، تلعب دورا حاسما في مواجهة الجفاف، و في المغرب، حيث يعاني القطاع الفلاحي من ندرة المياه، يمكن لهذه التقنيات توزيع المياه بدقة حسب احتياجات النباتات.
وأوضح المتحدث أن هذه الخطوة يمكن أن تقلل من الهدر بنسبة تصل إلى 30-50% مقارنة بأنظمة الري التقليدية، فعلى سبيل المثال، أجهزة الاستشعار تراقب رطوبة التربة ودرجة الحرارة في الوقت الحقيقي، وتوجه المياه فقط حيث تكون ضرورية، وهو ما يتوافق مع استراتيجية 'الجيل الأخضر 2020-2030' تهدف إلى تعميم الري بالتنقيط على مليون هكتار بحلول 2030، وهذا يعتمد بشكل كبير على تكامل التكنولوجيا الذكية لضمان كفاءة عالية.
وأورد الخبير الاقتصادي في تصريح لـ 'العمق' أن التقنيات الذكية تقدم حلولا مبتكرة لرفع الإنتاجية حتى في ظل نقص الأمطار، والاستشعار عن بعد، باستخدام الأقمار الصناعية مثل القمرين 'محمد السادس أ وب'، يتيح مراقبة المحاصيل على نطاق واسع، مما يساعد في تحديد المناطق الأكثر إجهادا مائيا واكتشاف الأمراض مبكرا، والذكاء الاصطناعي، من جهته، يحلل هذه البيانات لتطوير نماذج توقعية، مثل توقع احتياجات الري أو اختيار أصناف محاصيل مقاومة للجفاف.
أداة للحفاظ على مناصب الشغل
فيما يتعلق بالمخاطر الاقتصادية واستدامة مناصب الشغل، شدد المتحدث على أن تقليص الخسائر الناجمة عن الجفاف التي بلغت حوالي 11 مليون قنطار من الحبوب خلال موسم 2023-2024 ، يساهم بشكل مباشر في استقرار الدخل لدى الفلاحين، ونظرا لأن القطاع الفلاحي يوظف ما يقارب 40% من اليد العاملة في المغرب، فإن تعزيز الإنتاجية من خلال الأنظمة الذكية يضمن الحفاظ على هذه الوظائف وحمايتها من التقلبات المناخية،
وأضاف قائلا: إن استخدام الطائرات بدون طيار (الدرون) في مهام مثل رش المبيدات أو مراقبة الحقول لا يقتصر على تحسين الكفاءة فحسب، بل يفتح المجال أيضا لخلق فرص عمل جديدة تتطلب مهارات تقنية متقدمة، مما يعزز التشغيل المستدام ويدعم الاقتصاد القروي على المدى الطويل.
تجارب رائدة في اعتماد التقنيات الذكية
هذا، واعتمدت العديد من الدول تقنيات ذكية في الزراعة لتعزيز الإنتاجية وتحقيق استدامة أكبر في القطاع الفلاحي، وتعتبر ماليزيا من أهم الدول الرائدة في استخدام تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) في الزراعة في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث أن التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص ساهم في تطوير مشاريع تجريبية وتحفيز البحث والتطوير في هذا المجال، كما أن الأنظمة الذكية التي تم تطويرها لجمع البيانات البيئية وتحليلها ساهمت في تحسين إدارة المزارع وزيادة كفاءة استخدام الموارد، ما أدى إلى تحسين مردودية المحاصيل وتقليل الفاقد بعد الحصاد.
ومن الدول الأخرى نجد تايلاند التي تركز على مشاريع الزراعة الذكية التي تعتمد على تقنيات المعلومات والإلكترونيات لبناء مزارع ذكية، وتستهدف هذه المشاريع محاصيل رئيسية مثل الأرز والكاسافا والمطاط والقصب، وأظهرت الدراسات أن تطبيق الزراعة الذكية في البلاد ساهم في تحسين الإنتاجية الزراعية بشكل ملحوظ، ومن جهتها تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على تقنيات الزراعة الدقيقة لتحسين كفاءة استخدام الموارد وزيادة مردودية المحاصيل، تقنيات مثل توجيه GPS وتحليل البيانات تستخدم لتحسين إدارة المزارع وتقليل التكاليف البيئية، ما أسهم في زيادة الإنتاجية وتقليل الهدر.
ومن جانبها تتبنى دول مثل الهند وبنغلاديش وباكستان الزراعة الذكية المناخية (CSA) لمواجهة تحديات تغير المناخ، وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تحسين مردودية المحاصيل وتقليل المخاطر المناخية، لكنها تواجه تحديات في التطبيق، بما في ذلك الحاجة إلى سياسات داعمة وتحفيز المزارعين على تبني التقنيات الحديثة، وبالتالي فإن هذه الأمثلة تظهر أن التقنيات الذكية تلعب دورا حيويا في تعزيز الإنتاجية الزراعية، وتحقيق الاستدامة، ومواجهة التحديات البيئية العالمية.
رفع الانتاج بـ 20% وتقليص الاستهلاك بـ30%
رياض وحتيتا، الخبير الفلاحي، أكد أن الفلاحة الذكية تعد تطورًا للفلاحة الدقيقة، حيث تتضمن تفاصيل ومعطيات أكثر تطورًا. وهي تعتمد على جمع وتصنيف وتحليل المعلومات المستخلصة من الحقول باستخدام أجهزة تكنولوجية متقدمة.
وأوضح وحتيتا أنه عندما نتحدث عن الفلاحة الذكية، يجب أن نذكر التقنيات مثل إنترنت الأشياء، البيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي والروبوتات، التي تساهم في تسريع وزيادة فعالية جميع العمليات الفلاحية، كما تساعد الفلاحة الذكية في تقديم حلول لتفادي الخسائر الطفيفة، مثل حساب دقيق لاحتياجات المياه أو الكشف المبكر عن الأمراض والطفيليات.
وفيما يتعلق بالأهمية الاقتصادية للفلاحة الذكية، أشار الخبير الفلاحي إلى دورها البارز في التحكم في تكاليف الإنتاج عبر التخطيط الدقيق لجميع مراحل العملية الفلاحية من الحرث إلى الزرع ثم الحصاد، بالإضافة إلى الإنتاج الحيواني، وهو ما يساهم في توفير الوقت وتقليص النفقات، فضلا عن تحسين جودة الإنتاج التي تعتبر من أصعب الجوانب في التطبيق.
وأورد المتحدث أن الوزارة المعنية بدأت في مواكبة هذا التطور من خلال رقمنة الإدارة وإنشاء قاعدة بيانات ضمن مخطط 'المغرب الأخضر' والسجل الوطني الفلاحي، واليوم، نحن في بداية برنامج 'الجيل الأخضر' الذي يهدف بشكل أساسي إلى خلق طبقة وسطى من الفلاحين وتعزيز مكتسبات المخطط السابق.
وأبرز وحتيتا في تصريحاته أن أبرز الأدوات التي يعتمد عليها الفلاحون في عصرنا الحالي هي تلك التي تمكن من ضبط وتتبع سلسلة القيمة للمنتجات الفلاحية، من أبرز هذه الأدوات الطائرات المسيرة عن بعد، التي ساهمت في تطور علوم التصوير الجغرافي والطبوغرافي، ولكن في المجال الفلاحي، تم إضافة كاميرات تحت الحمراء لهذه الطائرات، مما يتيح لها القدرة على استشعار مشاكل لا يمكن للعين المجردة اكتشافها، كما أنها توفر بيانات دقيقة في وقت قياسي.
وأشار الخبير الفلاحي أيضا إلى التطبيقات الذكية على الهواتف المحمولة التي تساهم في تدبير المزارع بشكل فعال، فبمجرد الضغط على زر، يمكن مراقبة عملية السقي أو متابعة حالة الضيعة عن بعد، كما أن هناك تطبيقات تساعد في تربية المواشي، مثل تلك التي تمكن من استشعار الأمراض وتشخيصها عبر القلادة الإلكترونية.
ووفقا للتجارب الحديثة، أثبتت الحلول الذكية فعاليتها في زيادة الإنتاج بنسبة 20%، فضلا عن تقليص استهلاك الموارد بنسبة 30%، ما يعود بالنفع على البيئة من خلال ترشيد استخدام المياه والأسمدة والمبيدات، بالإضافة إلى تحسين ظروف العمل وضمان سلامة العمال.
الأمية وارتفاع الكلفة أبرز التحديات
وعلى الرغم من دور هذه الأنظمة الذكية إلا أن اعتمادها يواجه العديد من التحديات، ووفق المحلل الاقتصادي، علي الغنبوري، فإن التحديات ليست بسيطة، أولا هناك التكلفة المبدئية العالية، فتجهيز هكتار واحد بأنظمة الري الذكي قد يكلف بين 20,000 و40,000 درهم، وهو مبلغ كبير بالنسبة لصغار الفلاحين الذين يشكلون غالبية القطاع (حوالي 70% من المزارع أقل من 5 هكتارات).
وشدد التحدث على أن نقص الكفاءات التقنية، يعد من أهم التحديات فتشغيل هذه الأنظمة يتطلب تدريبا مكثفا، لكن نسبة الأمية في الأرياف لا تزال مرتفعة (حوالي 32% حسب إحصاءات 2020)، ثالثا البنية التحتية الرقمية، الاتصال بالإنترنت في المناطق القروية لا يزال محدودا، مما يعيق نشر تقنيات مثل الاستشعار عن بعد أو إنترنت الأشياء.
من الناحية الاستثمارية، اعتبر المتحدث أن الاعتماد على التمويل الحكومي وحده غير كاف، فاستراتيجية 'الجيل الأخضر' تخصص ميزانيات كبيرة (حوالي 12 مليار درهم سنويا)، لكن جذب الاستثمار الخاص، سواء محليا أو من شركاء دوليين مثل البنك الدولي، يتطلب حوافز ضريبية وشراكات فعالة بين القطاعين العام والخاص، وأخيرا هناك تحد اجتماعي، فإقناع الفلاحين التقليديين بتبني هذه التقنيات قد يواجه مقاومة بسبب الثقة المحدودة في التكنولوجيا أو الخوف من التغيير.
جدير بالذكر أن بنك المغرب كشف في اجتماعه الفصلي الأخير أن القيمة المضافة الفلاحية لا تزال رهينة بالظروف المناخية، ويرجح أن تكون قد تراجعت بنسبة %4,7 في 2024، وأخذا بالاعتبار محصول حبوب الذي سيبلغ حسب تقدير أولي لبنك المغرب 35 مليون قنطار والتحسن المرتقب في إنتاج محاصيل من غير الحبوب من المتوقع أن تزداد بنسبة 2,5 هذه السنة قبل أن ترتفع بنسبة 6,1 في 2026 مع فرضية الرجوع إلى متوسط محصول قدره 50 مليون قنطار.
وحديثا عن وضعية سوق الشغل بالمغرب أكد المصدر ذاته أن المعطيات المتعلقة بسنة 2024، تظهر أن الوضع لا يزال يعاني من تقلص الإنتاج الفلاحي، مع فقدان 137 ألف منصب إضافي في قطاع الفلاحة بالمقابل، عرف التشغيل غير الفلاحي بعض الانتعاش مع إحداث 160 ألف منصب في قطاع الخدمات و 46 ألفا في الصناعة و13 ألفا في البناء والأشغال العمومية.
وأخذا بعين الاعتبار الدخول الصافي لما عدده 140 ألف باحث عن عمل، انخفضت نسبة النشاط بشكل طفيف إلى 43,5، وارتفعت نسبة البطالة إلى 13,3% على المستوى الوطني، وإلى 6,8 في المناطق القروية وإلى 16.9 في المجال الحضري.