اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٩ أذار ٢٠٢٥
في مفارقة صارخة تعكس اختلالات السوق المحلية وتناقض السياسات الاقتصادية، يجد المستهلك المغربي نفسه عاجزا أمام الارتفاع الجنوني لأسعار زيت الزيتون، في وقت تسجل فيه صادرات هذه المادة الحيوية إلى الاتحاد الأوروبي ارتفاعا ملحوظا، حيث أظهرت معطيات مفوضية الاتحاد الأوروبي ارتفاع صادرات المغرب إلى 841 طنا، مقارنة بـ553 طنا فقط خلال الفترة ذاتها من الموسم الماضي، وهو ما يأتي في وقت يعاني فيه السوق الداخلي من أزمة، تتمثل في تراجع الإنتاج وبلوغ الأسعار مستويات قياسية تفوق 110 دراهم للتر.
هذا التناقض يعززه توجه المغرب الذي عمل على رفع صادراتها خلال شهر يناير الماضي بأزيد من 200 بالمئة مقارنة بنفس الشهر من سنة 2024، وحسب معطيات مكتب الصرف، فإن واردات الزيتون قفزت من 32 مليون درهم خلال السنة الماضية إلى 111 مليون درهم شهر يناير المنصرم، ما يمثل زيادة قدرها 79 مليون درهم مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وفي ظل هذه المفارقة، تتجدد التساؤلات حول أولويات السياسات التجارية ومدى مراعاتها للواقع المعيشي لشرائح واسعة من المواطنين، الذين باتوا يرون في هذا التوجه دليلًا على تغليب المصالح التجارية الخارجية على حساب الأمن الغذائي الداخلي.
في هذا السياق أوضح المحلل الاقتصادي، علي الغنبوري، أن هذا التناقض الظاهري يمكن تفسيره من خلال عدة عوامل اقتصادية وسياسية، أولا يجب أن نفهم أن سوق زيت الزيتون هو سوق عالمي، والمغرب لاعب مهم فيه، لكنه لا يتحكم بالكامل في ديناميات العرض والطلب.
الزيادة في الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي، التي وصلت إلى 841 طنا في أكتوبر ونونبر 2024، تعكس حسب المتحدث طلبا متزايدا من السوق الأوروبية، خاصة مع تراجع الإنتاج في دول كبرى مثل إسبانيا وإيطاليا بسبب الجفاف والتغيرات المناخية، والمغرب استفاد من هذا الفراغ لتعزيز حصته في السوق الأوروبية، وهو ما يتماشى مع استراتيجيته لتعزيز الصادرات الزراعية.
وساتدرك قائلا: لكن من جهة أخرى، المغرب نفسه واجه تحديات إنتاجية في السنوات الأخيرة، خاصة في 2022/2023، مما أدى إلى انخفاض المخزونات المحلية، مسجلا أن الحكومة حاولت السيطرة على الأسعار عبر حظر تصدير زيت الزيتون في أكتوبر 2023، لكن هذا الحظر رفع لاحقا، ربما تحت ضغط التزامات التجارة الدولية أو لتحقيق إيرادات بالعملة الصعبة.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن القرار يظهر تناقضا بين هدف حماية السوق المحلي وضمان استقرار الأسعار من جهة، والسعي للاستفادة من الطلب الخارجي المرتفع من جهة أخرى، بمعنى آخر السياسة المغربية تحاول أن توازن بين مصالح المستهلكين المحليين والمصدرين، لكن هذا التوازن لم ينجح في استقرار الأسعار داخليا.
وفي حديثه عن انعكاس هذه الزيادة في الصادرات على الأسعار الوطنية في المغرب، أكد المتحدث أن هذا هو جوهر المشكلة، زيادة الصادرات في ظل إنتاج محدود أو مستقر نسبيا تعني أن الكمية المتوفرة في السوق المحلي تنخفض، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بفعل قانون العرض والطلب.
وأضاف قائلا: 'وعندما تصدر الشركات المغربية، 841 طنا إلى أوروبا، حيث الأسعار مرتفعة جدا (قد تصل إلى 10 يورو للتر أو أكثر)، فإن ذلك يحقق أرباحا كبيرة بالعملة الصعبة، لكنه يضغط على المخزون المحلي، والنتيجة هي أن سعر زيت الزيتون في المغرب قفز إلى أكثر من 110 دراهم للتر، وهو مستوى غير مسبوق يثقل كاهل الأسر المغربية، خاصة أن زيت الزيتون عنصر أساسي في المطبخ المغربي'.
وأشار الخبير إلى وجود جانب آخر يجب مراعاته، فإذا تحسن الإنتاج في موسم 2024/2025، كما تشير بعض التوقعات بفضل هطول الأمطار الأخيرة، فقد يخفف ذلك من الضغط على الأسعار المحلية في الأشهر القادمة، لكن في الوقت الحالي، المواطن المغربي يتحمل فعلا جزءا كبيرا من تكلفة هذا النجاح التصديري، لأن الأولوية أُعطيت للاستفادة من الأسعار العالمية المرتفعة على حساب السوق الداخلي، وهذا الوضع يطرح تساؤلات حول الحاجة إلى سياسات أكثر توازنا، مثل تخصيص حصة إلزامية للسوق المحلي أو دعم المستهلكين بآليات مثل القسائم الشرائية لتخفيف العبء.
جدير بالذكر أن ارتفاع واردات وصادرات المغرب من زيت الزيتون يأتي في وقت يشهد قطاع الزيتون بالمغرب “أزمة حادة”، تتجلى في تراجع ملحوظ في الإنتاج وارتفاع جنوني في الأسعار، حيث عرف سعر لتر زيت الزيتون ارتفاعا كبيرا، ليصل إلى مستويات قياسية تتراوح بين 110 و130 درهما، مما أثار استياء واسعا في صفوف المستهلكين، خاصة الطبقات الفقيرة التي تعتبر زيت الزيتون عنصرا أساسيا في مائدتها اليومية.