اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٨ نيسان ٢٠٢٥
تلميذ يحاول إنهاء حياة أستاذه بآلة حادة وآخر يشج رأس المدير بحجر ومراقبون يرون الظاهرة انعكاساً لتحولات مجتمعية عميقة
أعادت حادثتا محاولة تلميذ قتل أستاذه، وأيضاً تعرض مدير مدرسة لإصابة حرجة بعد الاعتداء عليه من أحد التلاميذ، ظاهرة العنف داخل المدارس إلى واجهة النقاش في المغرب. ويرى مراقبون أن 'العنف المدرسي' بالمغرب ليس ظاهرة معزولة، بل هو انعكاس لتحولات مجتمعية وتربوية عميقة، كذلك فإن المدرسة فقدت إلى حد كبير دورها كحامية للقيم والضبط الاجتماعي، لتتحول إلى فضاء هش تنتج داخله علاقات قوامها العنف أكثر من الثقة.
وتنامت حوادث العنف، سواء الذي يرتكبه التلاميذ ضد الأساتذة أو الطواقم الإدارية والتربوية في المؤسسات التعليمية بالمغرب، أو العنف الذي يمارسه الأستاذ ضد التلميذ بالضرب أو الإهانة والتبخيس.
عنف التلميذ
في حادثة هزت المجتمع المغربي اعتدى تلميذ في إحدى ثانويات مدينة الخميسات على أستاذه بواسطة آلة حديدية، وكُيفت الواقعة جنائياً على أنها محاولة قتل، باعتراف الجاني نفسه، وقضت المحكمة الابتدائية بالخميسات قبل أيام بمؤاخذة التلميذ لما نسب إليه من أفعال ارتكبها أمام أعين زملائه، ونطقت بالحكم عليه بستة أشهر حبساً نافذاً، وتحميل ولي أمره أداء غرامة مالية.
أثارت الحادثة حملات إدانة واستنكار من لدن فعاليات تربوية وحقوقية، محذرة من كون هذه السلوكيات غير التربوية تقضي على ما تبقى من هيبة المدرسة العمومية بالبلاد، كذلك فإنها تمس بشكل مباشر كرامة المعلم والأستاذ، داعية إلى توفير الأمن داخل المؤسسات التعليمية.
وفي حادثة جديدة أيضاً شهدت مدرسة ثانوية بإقليم خنيفرة اعتداء تلميذ على المدير بحجر كبير متسبباً له بإصابات خطرة في رأسه، وهو ما جر وابلاً من الردود التي دعت إلى ضرورة التصدي لجميع أشكال العنف داخل الفضاء التعليمي.
وزارة التربية الوطنية بالمغرب دخلت على الخط، مشددة على رفض العنف داخل المؤسسات التعليمية، قبل أن تعد باتخاذ جميع التدابير الضرورية لحماية الكوادر التربوية بالتنسيق مع السلطات المتخصصة.
واقع وأسباب
تقول الباحثة في سوسيولوجيا التربية، حسنية حسيب، إن المدرسة المغربية تشهد تصدعاً بنيوياً على مستوى وظائفها التربوية والتكوينية، وهو ما يتجلى في تنامي مظاهر العنف الممارس من طرف المتعلمين، بخاصة المراهقون، تجاه الفاعلين التربويين وعلى رأسهم الأساتذة.
وترى حسيب أن العنف الذي يمارسه التلميذ ضد أستاذه أو الأطر الإدارية بالمؤسسات التعليمية المغربية لا يعد سلوكاً عشوائياً أو ظاهرة معزولة، بل هو نتاج تفاعل معقد بين محددات نفسية واجتماعية وتربوية، يتشابك فيها الذاتي مع البنيوي، واللحظي مع التاريخي، والفردي مع الجماعي.
وفي دراسة ميدانية أنجزتها الباحثة عينها تبين أن المتعلمين والمتعلمات يرجعون ممارساتهم العنيفة إلى دوافع ذاتية مثل الاستعراض أمام الزملاء وتعاطي المخدرات ومحاولات الغش، وأخرى بنيوية من قبيل التفكك الأسري وغياب النوادي التربوية وسوء العلاقة مع الكوادر التربوية والإدارية.
واستطردت حسيب أن 'المدرسة فقدت إلى حد كبير دورها كحامية للقيم الجماعية والضبط الاجتماعي، وهو ما جعلها ساحة تتقاطع فيها الإحباطات الأسرية والصراعات الجيلية، لتتحول بذلك إلى فضاء هش تنتج داخله علاقات قوامها العنف أكثر من الثقة، والهيمنة أكثر من التفاعل'.
ولفتت إلى إسهام الثورة الرقمية في توسع المجال العنيف خارج جدران المدرسة، حين بات التلميذ قادراً على استهداف أستاذه حتى عبر الفضاءات الافتراضية، وهو ما يزيد من تعقيد مهمة ضبط السلوك والانضباط التربوي.
عنف المعلم
في الجهة المقابلة تنامت حالات عنف معاكس أبطاله أساتذة ضد تلاميذهم، وآخرها اعتداء وصف بالشنيع تعرضت له أستاذة اللغة الفرنسية من طرف أحد طلبتها مستخدماً آلة حادة، وأيضاً تعريض أستاذ تلميذه لعنف جسدي وصف بأنه 'بشع' بسبب إجابة من التلميذ لم ترضِ معلمه.
يصنف الباحث والفاعل التربوي، المحجوب أدريوش، دوافع عنف المعلم ضد تلميذه في أسباب لها علاقة بالوسط المدرسي، منها سوء العلاقة التواصلية وغياب الاحترام والتقدير بين التلاميذ وبين التلاميذ والأساتذة وعدم فهم واحترام القوانين الداخلية للمؤسسات التربوية التي تحدد الحقوق والواجبات.
وأضاف الباحث أسباباً أخرى من قبيل ما سماه 'العنف البيداغوجي' الذي تمارسه ضخامة المقررات والبرامج، وعدم تفعيل مضامين التربية على القيم والسلوك المدني والحضاري، فضلاً عن غياب الاهتمام بالحياة المدرسية.
وتناول الباحث أسباباً غير مدرسية تسهم في عنف الأستاذ ضد تلميذه، منها 'تدهور مؤسسات التنشئة الاجتماعية مثل الأسرة، ووسائط الاتصال والإعلام وغيرها، علاوة على سيادة ثقافة وقيم الشارع والسوق وتكريس قيم الفردية والأنانية'.
وشدد أدريوش على ضرورة التصدي الحازم لهذه الظاهرة، وعدم اختزال أسباب الانتشار المهول للعنف المدرسي في التلميذ أو المدرس، وحصره داخل الفصل الدراسي، أو في الأسرة ووسائل التنشئة الأخرى وحدها.
ويشرح 'يتعين إيجاد وتفعيل مقاربة شمولية ومركبة متعددة المداخل والمتدخلين، مدرسية ومجتمعية وسياسية، في أبعادها التربوية والبيداغوجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والقيمية والقانونية والأمنية، إذ لا يمكن الفصل بين العنف المدرسي والعنف المجتمعي'، وفق تعبيره.
تداعيات وحلول
تنجم عن ظاهرة العنف المدرسي تداعيات تربوية توجزها الباحثة حسنية حسيب في 'إضعاف هيبة الأستاذ، وتحويل القسم إلى فضاء غير آمن يعوق العملية التعليمية، ويكرس الهرب الرمزي من التعلم والانضباط'.
أما من الزاوية الاجتماعية، فـ'يهدد استمرار هذه الممارسات الوظائف الاندماجية للمؤسسة المدرسية، ويغذي الشعور بالعزلة داخل صفوف الأساتذة، كذلك يسهم في إعادة إنتاج ثقافة العنف داخل الفضاءات التعليمية، في ظل غياب آليات فعالة للوقاية والردع'، بحسب الباحثة.
وأبرزت حسيب الحاجة إلى استعادة الدور الرمزي للمدرسة باعتبارها مؤسسة حاضنة للقيم، من خلال إعادة الاعتبار لكرامة الفاعل التربوي، وتوفير شروط العمل اللائقة، وضمان الأمن النفسي والمعنوي لكل من يعلم ويتعلم.
وأكملت أن المدرسة الجديدة ليست فقط ناقلة للمعرفة، بل حاضنة للتماسك الاجتماعي، تعيد الاعتبار إلى قيم التضامن والاحترام والانضباط، مع تضافر الجهود بين السياسات العمومية والفاعلين التربويين والوسط العائلي، في أفق بناء مجتمع مدرسي خالٍ من العنف وغني بالحوار ومشبع بثقافة الحقوق والواجبات.
وأظهرت الدراسة الميدانية لحسيب أهمية تبني حلول وقائية لا زجرية، لمعالجة العنف في الوسط المدرسي، إذ فضل التلاميذ المشاركون في الدراسة تعزيز الأنشطة الثقافية والرياضية داخل المؤسسة، وتوفير مرشد نفسي واجتماعي، وتعزيز قنوات الوساطة والحوار، على حساب العقوبات التأديبية أو تدخل الأجهزة الأمنية.
وخلصت حسيب إلى أن 'العنف الذي يمارسه التلميذ ضد أستاذه ليس ظاهرة معزولة، بل هو انعكاس لتحولات مجتمعية وتربوية عميقة، تتطلب تدخلاً شمولياً يدمج التكوين والمواكبة النفسية وتحديث المناهج وتعزيز الشراكة بين المدرسة والأسرة والمجتمع المدني'.