اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٩ حزيران ٢٠٢٥
قال رئيس جمعية 'بييزاج لحماية البيئة'، رشيد فسيح، إن أزمة المياه وتغير المناخ، باتت تشكل تهديدات وجودية على البلاد، ووضعت المغرب في مفترق طرق حرج، ودعا إلى إعلان حالة طوارئ مناخية، وحذر من أن يؤدي تفاقم الإجهاد المائي إلى تدهور بيئي واقتصادي واجتماعي.
ودعا فسيح، في تصريح لجريدة 'العمق'، إلى ضرورة إعلان حالة الطوارئ المناخية بالمغرب، 'لأن أي تأخير في تطبيق سياسات الطوارئ لمواجهة التغيرات المناخية سيكلف الاقتصاد الوطني ثمنًا باهظًا ويؤثر سلبًا على معدلات النمو الاقتصادي للبلاد.
واعتبر الناشط البيئي أن المغرب في مفترق طرق حرج، مشيرا إلى أن التحديات البيئية، وخاصة أزمة المياه وتغير المناخ، لم تعد قضايا ثانوية، بل أصبحت تهديدات وجودية تتطلب إجراءات استعجالية، جذرية، ومخطط لها على المدى القصير والمتوسط و الطويل.
كما حث على اعتماد مقاربة شاملة ومتكاملة، لا تقتصر على الحلول التقنية فحسب، بل تشمل أيضًا إصلاحات في السياسات، وتغييرًا في السلوكيات، وتوعية مجتمعية واسعة بأهمية الحفاظ على كل قطرة ماء.
تحول هيكلي
وأشار إلى أن هناك تحولا هيكليا في نمط التساقطات، بحيث إن المغرب لم يعد يتعامل مع جفاف دوري عابر، وأصبحت الأمطار أصبحت غير مستمرة، وغالبًا ما تأتي على شكل زخات قصيرة وعنيفة لا تساهم بشكل فعال في تغذية الفرشات المائية والسدود على المدى الطويل، بل قد تسبب فيضانات عابرة.
وأضاف فسيح أن ارتفاع درجات الحرارة لم يعد ظاهرة صيفية فحسب، بل يمتد ليشمل فصولاً أخرى، مما يؤدي إلى زيادة معدلات التبخر من السدود والأنهار والتربة، وبالتالي فقدان كميات هائلة من المياه، كما يغير من دورة الفصول التقليدية، مما يؤثر على التوازنات البيئية.
ونبه المتحدث إلى تآكل الموارد المائية الجوفية نتيجة الاستنزاف المفرط للفرشات المائية الباطنية، والذي يتفاقم بسبب قلة التغذية من الأمطار، وهو ما يمثل، بحسب تعبيره، تهديدًا خطيرا، ويقلل من مخزون المياه الاستراتيجي للبلاد.
وتحدث عن الارتباط بين ندرة المياه وتدهور الغطاء النباتي، بما في ذلك الواحات والغابات، مما يزيد من هشاشة النظام البيئي ويسرع من زحف التصحر، معتبرا أن الحرائق المتكررة في الغابات والواحات هي نتاج مباشر لهذا الجفاف والتغير المناخي.
أزمة بنيوية
واعتبر فسيح أن أزمة الماء في المغرب في جوهرها بنيوية وهيكلية، وتتفاقم بفعل التغيرات المناخية الجارية وسوء التدبير، مشيرا إلى أن الجفاف ليس ظاهرة جديدة على المغرب، و'لكنه في السنوات الأخيرة اكتسب طابعًا مختلفًا بسبب التغيرات المناخية'.
واسترسل قائلا: 'لم يعد الأمر يتعلق بمجرد سنوات جافة تتلوها سنوات مطيرة، بل أصبح تحولا في نمط المناخ يجعل ندرة المياه هي القاعدة الجديدة'، مضيفا أن المغرب من الدول الأكثر عرضة لتداعيات التغيرات المناخية.
وانتقد فسيحما وصفه بـ' ضعف التدبير والتخطيط'، مسجلا أوجه قصور في تدبير الموارد المائية، حيث إن بعض السياسات الفلاحية التي لم تأخذ بعين الاعتبار بشكل كافٍ ندرة المياه، مثل التوسع في زراعة محاصيل مستهلكة للمياه موجهة للتصدير.
ومن أوجه 'القصور' أيضا، تحدث الناشط البيئي، عن غياب ترشيد الاستهلاك والبطء في تبني الحلول المستدامة، داعيل في هذا الصدد إلى تسريع وتيرة مشاريع تحلية مياه البحر وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، والاستثمار في تقنيات الري الموفرة للمياه.
سيناريوهات مرعبة
وحذر فسيح من سيناريوهات مرعبة تنتظر البلاد، إذا استمر الوضع الحالي دون تغيير، من قبيل تدهور بيئي واقتصادي واجتماعي متفاقم، وتفاقم الإجهاد المائي، وتدهور القطاع الفلاحي، وتزايد التصحر، وغيرها من النتائج الكارثية.
ونبه إلى أن استمرار الجفاف دون تدخلات جذرية سيؤذي إلى استمرار انخفاض نصيب الفرد من المياه، مما سيضع المغرب في وضعية حرجة للغاية من الندرة المائية المطلقة. كما سيؤثر نقص المياه بشكل مباشر على الإنتاج الفلاحي، وهو قطاع حيوي للاقتصاد المغربي وللأمن الغذائي للبلاد، مما سيجبر المغرب على زيادة الاعتماد على الاستيراد.
هذا الوضع أيضا، بحسب الناشط البيئي، من شأنه أن يؤذي إلى زيادة وتيرة زحف الصحراء ليطال المزيد من الأراضي الصالحة للزراعة والمناطق الحيوية، كما من شأنه أن يقضي على التنوع البيولوجي، حيث إن الواحات والغابات، التي تعتبر موائل رئيسية، ستتأثر بشدة، مما يهدد بانقراض أنواع نباتية وحيوانية فريدة.
وحذر المتحدث أيضا من تحديات اجتماعية وديموغرافية، منها زيادة الهجرة القروية إثر تدهور سبل العيش في المناطق المتأثرة بالجفاف، مما يضغط على البنية التحتية والخدمات الحضرية بالمدن ويزيد من التحديات الاجتماعية، كما حذر من تفاقم الفقر والتفاوتات.
ونبه رئيس جمعية 'بييزاج' أيضا إلى أن استمرار سيزيد من الأعباء المالية، إذ يتعين على الدولة إنفاق مبالغ طائلة على مشاريع تحلية المياه ونقلها، وهي حلول مكلفة جدًا من حيث التأسيس والتشغيل، مما قد يؤثر على أولويات التنمية الأخرى. وبما أن الواحات ليست مجرد نظام بيئي، 'بل تراث ثقافي وتاريخي عريق'، فقد حذر فسيح من فقدان جزء كبير من هذا التراث نتيجة الإجهاد المائي.