الغش الرقمي.. "آفة" منظمة تضرب مبدأ تكافؤ الفرص في مباريات المدارس العليا

لم يعد الغش في مباريات ولوج المدارس والمعاهد العليا مجرد سلوك فردي معزول يعتمد على قصاصة ورق مخبأة، بل تحول إلى ظاهرة رقمية منظمة وعابرة للقاعات. فمع كل استحقاق وطني، تتجدد فضيحة تسريب الامتحانات على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تداول الأسئلة والأجوبة بشكل فوري، مما يحول قاعات الامتحان إلى مسرح للاحتيال الجماعي، ويطرح تساؤلات عميقة حول نجاعة الإجراءات الرقابية في مواجهة هذا المد التكنولوجي الذي يهدد مستقبل أجيال بأكملها.

وتعليقا على الموضوع، قال المفتش في التوجيه التربوي، عبد العزيز موماد، في تصريح لجريدة 'العمق'، إن ظاهرة الغش في مباريات ولوج المدارس والمعاهد العليا أصبحت آفة مستفحلة ومنافية للنزاهة التربوية، مشيرا إلى أنها تطورت مع تطور التكنولوجيا لتطال الامتحانات الإشهادية ومباريات ولوج المدارس العليا.

واعتبر موماد أن الغش ظاهرة قديمة نهى عنها الدين الإسلامي، مستشهدا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: 'من غشنا فليس منا'، وموضحا أن تطور التقنيات والمجتمعات ساهم في انتشار أفكار متطورة لهذه الممارسة غير الشريفة.

وأوضح موماد أن الأسباب التي تدفع التلاميذ إلى الغش في هذه المباريات، أحيانا بمباركة من أولياء الأمور، متعددة وتتوزع بين ما هو شخصي ونفسي، وما هو اجتماعي وتربوي. فعلى المستوى النفسي، أرجع الظاهرة إلى قلة الثقة بالنفس لدى بعض التلاميذ، الخوف من الفشل، الكسل وعدم الاستعداد الكافي، بالإضافة إلى الرغبة في تحقيق نتائج عالية بأي وسيلة كانت، حتى من طرف المتفوقين.

أما تربويا، فقد أشار إلى أن ضعف التحصيل الدراسي وعدم استيعاب المقررات، وطرق التدريس التقليدية التي تعتمد على الحفظ والتلقين، تعد من الأسباب الرئيسية. وأضاف أن البيئة المناسبة للغش، بسبب ضعف المراقبة أو غياب الصرامة في تطبيق العقوبات، تشجع على تكرار هذه الممارسة.

وعلى الصعيد الاجتماعي والأسري، لفت موماد إلى أن الضغط الذي يمارسه الأهل والمجتمع لتحقيق النجاح، بالإضافة إلى تقليد الأقران وضعف الوازع الأخلاقي أو الديني، كلها عوامل تساهم في تفشي الظاهرة. كما أن سهولة استخدام التكنولوجيا، مثل الهواتف والساعات الذكية، وانتشار المحتوى الرقمي غير المراقب، ساهما في تسهيل عمليات الغش.

وحذّر المتخصص ذاته من الأضرار الوخيمة للغش على كل من الفرد والمجتمع. فعلى المستوى الفردي، يؤدي الغش إلى تعميق فقدان الثقة بالنفس، ضعف الكفاءة العلمية، الاعتياد على الكذب والخداع، وفقدان روح الاجتهاد، بالإضافة إلى التعرض لعقوبات تأديبية قد تؤثر سلبا على مستقبل التلميذ. أما على مستوى المجتمع، فنبه إلى أن الظاهرة تؤدي إلى تخريج أطر غير مؤهلة في مختلف الميادين، مما يهدد سلامة المجتمع، ويساهم في انتشار الفساد وإعاقة التنمية.

واقترح موماد، في ختام تصريحه، مقاربة شاملة للحد من الظاهرة، داعيا على المستوى التربوي إلى تحسين جودة التعليم والتركيز على تنمية الكفايات والفهم بدلا من الحفظ، مع استخدام طرق تقييم متنوعة. وعلى المستوى النفسي، شدد على أهمية دعم التلاميذ نفسيا من خلال مستشارين تربويين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.

كما دعا إلى غرس القيم الأخلاقية ودور الأسرة في التربية على الصدق والاجتهاد، مع ضرورة تطبيق العقوبات بصرامة على المستوى القانوني. واقترح على مستوى السياسات العامة مراجعة نظام التقويم، وتشجيع التوجيه المهني حسب ميولات وقدرات التلاميذ وحذف نظام الانتقاء والعتبة.

واختتم موماد تصريحه بالتأكيد على أن 'الغش في الامتحانات ليس حلا للنجاح، بل هو هروب من المسؤولية، وضرره يتعدى الفرد ليصل إلى المجتمع بأكمله، ومحاربته تتطلب تربية على القيم، إصلاحا تربويا، وصرامة في تطبيق القوانين، إضافة إلى دعم نفسي وتربوي للتلاميذ'.