اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٣٠ أذار ٢٠٢٥
أكد عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي ورئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية والتحليل الأمني، أن نشر القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في الجريدة الرسمية، بنفس الصيغة التي صادق عليها البرلمان، مصحوبا بقرار المحكمة الدستورية، يعكس عدم استيعاب الحكومة والبرلمان لما قصده المشرع الدستوري.
وأشار اسليمي، استنادا إلى قرار المحكمة الدستورية الذي خلص إلى عدم مخالفة القانون التنظيمي 97.15 للدستور، مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المتعلقة بالمواد 1 و5 و12، إلى أنه كان بالإمكان تشكيل لجنة خاصة داخل البرلمان لإعادة الصياغة وإدراج الملاحظات، بدلا من نشر النص كما هو، موضحا أن هذا الوضع يظهر أن البرلمان والحكومة لم يدركا مغزى ما ذهب إليه القاضي الدستوري، لافتا إلى أن الملاحظات المطروحة لم تكن جوهرية بحيث تستوجب إعادة المسطرة التشريعية بالكامل.
وفي معرض تحليله لهذا القرار، شدد اسليمي على أنه يمثل تحولا في نهج المحكمة الدستورية، مشيرا إلى أن هذا التطور يعكس توجها نحو تبني مقاربة أنجلوسكسونية، مضيفا أن القرار يحمل في طياته نمطا جديدا مقارنة بالمراحل السابقة التي مرت بها المحكمة الدستورية، حيث شهدت تطورا ملحوظا من مرحلة المجلس الدستوري كمحكمة، إلى مرحلة ثانية تميزت بقرارات ذات طابع سلبي معقد، وصولا إلى المرحلة الحالية التي توحي بانفتاح أوسع على المنهج الأنجلوسكسوني، مستدلا بتأثير التجربة الكندية على الخط التحريري للمحكمة.
جاءت ذلك ضمن مداخلة ألقاها اسليمي في ندوة نظمتها شعبة القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال، إلى جانب شعبة القانون العام بكلية الحقوق السويسي، يوم الخميس، لمناقشة قرار المحكمة الدستورية رقم 25/251 بشأن القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
وفي السياق ذاته، أوضح اسليمي أن المحكمة اعتمدت منهجية الاستدلال المعياري، وهي مقاربة أكثر تعقيدا من التفسير التقليدي، مشيرا إلى مجموعة من المؤشرات التي تدعم هذا الطرح، من بينها اللغة الفلسفية للقرار، والتي تحمل طابعا معياريا. وأبرز أن المحكمة لم تصرح بمطابقة أو عدم مطابقة القانون للدستور، بل اختارت تعبيرا يفيد 'عدم المخالفة'، ما يعكس مرونة أكبر وانفتاحا على التجارب الدستورية المقارنة، مع اعتماد القاضي على المبادئ الدستورية والقيم المجتمعية وعناصر أخرى، وهو ما يعكس توجها جديدا للتأثر تشتغل به محاكم عليا في تجارب عدة في العالم.
وفيما يتعلق بتوجه المحكمة إزاء الاتفاقيات الدولية، أشار إلى أن القضاة الدستوريين اختاروا عدم توسيع الكتلة الدستورية المغربية لتشمل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، في تناقض واضح مع توجه المحكمة في القرار رقم 40/17 الصادر في 20 شتنبر 2017، عندما استندت إلى مبادئ باريس لتعزيز دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. واعتبر أن هذا التحول يعكس حذرا واضحا في التعامل مع المعاهدات الدولية، خشية التسبب في إشكالات قانونية قد تؤثر على النظام القانوني الوطني.
كما شدد اسليمي على أن القضاء الدستوري المغربي لا يمكن اعتباره قضاء عاديا، بل هو جزء من فضاء سياسي تحكمه توازنات القوى المختلفة، وهو ما برز في هذا القرار. وأوضح أن المحكمة الدستورية تعمل وفق نهج أقرب إلى النموذج الرئاسي، حيث يلعب رئيس المحكمة والمقرر دورا جوهريا في توجيه القرارات، وهو ما ساهم في تطور طبيعة الأحكام الصادرة عنها عبر مختلف المراحل التي مرت بها، مشيرا إلى بروز تأثير الرئيس الحالي.
وفي إطار تحليله لمنهجية التأويل، أبرز صاحب أطروحة 'مناهج عمل القاضي الدستوري بالمغرب'، أن القاضي الدستوري في هذا القرار تجنب اللجوء إلى أي من مناهج التأويل المختلفة، سواء التحفظ التأويلي التقليدي الذي يفرض تنقية النص وتقييده بدلالة معينة، أو التحفظ التأويلي البنائي الذي قد يؤدي إلى حذف مقتضيات معينة، أو حتى التحفظ التأويلي التوجيهي الذي قد يعيد صياغة النص بالكامل، وذلك لتفادي كشف عيوب دستورية قد تؤدي إلى إعادة المسطرة التشريعية من البداية.
كما لفت إلى الجهود التي بذلها قضاة المحكمة الدستورية للحفاظ على هذا القانون التنظيمي وإنقاذه من شبهة عدم الدستورية، معتبرا أن القاضي الدستوري كان أمام خيارين: إما اللجوء إلى مناهج التأويل التحفظي، أو تبني دور المفسر والشارح للقانون التنظيمي، وهو ما اختارته المحكمة في هذا القرار، مستندة إلى تجارب عالمية مماثلة.
وفي سياق متصل، أشار أسليمي إلى مسألة الديباجة، معتبرا أنها تثير جدلا قانونيا، إذ رغم أن بعض القوانين التنظيمية لا تتضمن ديباجة، إلا أن هذا القانون يُصنَّف كنص مكمل للدستور وليس مجرد مرسوم، ما يفرض ضرورة إرفاقه بديباجة توضح سياقه وأهدافه، منتقدا إشارة المحكمة الدستورية إلى هذه النقطة، مشيرا إلى أنها قد تثير نقاشات مستقبلية.
أما بخصوص إدراج مفاهيم جديدة في النص، فقد انتقد أسليمي تضمين مصطلحات مثل 'أزمة سياسية' أو 'أزمة سياسية حادة وطنية'، معتبرا أنها غريبة عن المنظومة القانونية المغربية، وقد تطرح إشكاليات عند تأويلها في سياقات قانونية مختلفة، لا سيما في ظل وجود مفاهيم أخرى أكثر دقة، مثل حالة الاستثناء أو حالة الطوارئ.
كما توقف عند بعض المواد القانونية المثيرة للجدل، حيث أشار إلى أن المواد 29 و30 و31 تضمنت دلالات جنائية غير مألوفة داخل النصوص القانونية التنظيمية، ما يطرح إشكالية مدى جواز إدراج عقوبات جنائية ضمن قانون تنظيمي، خاصة مع الإشارة إلى إمكانية اللجوء إلى الإكراه البدني وتدخل ضباط الشرطة القضائية، وهي أمور قد تواجه اعتراضات من قبل الفاعلين الاجتماعيين.
وفيما يخص المادة الأولى من القانون التنظيمي، أشار أسليمي إلى أنها تضمنت الإشارة إلى ضرورة احترام مضامين الخطاب الملكي السامي الصادر في 9 أكتوبر 2015، إلا أن المحكمة الدستورية قررت إخراج هذه المادة من النص، وهو ما يعكس وجود نقاش داخلي حول مدى إمكانية إدراج مضامين الخطب الملكية ضمن القوانين التنظيمية.
وفي ختام مداخلته، أبرز أسليمي أن المحكمة الدستورية اعتمدت في هذا القرار منهجية 'التوازن'، حيث سعت إلى تحقيق توازن بين المصالح المتعارضة، سواء بين السلطة المختصة وحقوق العمال، أو بين المبادئ الدستورية المختلفة، أو حتى في توزيع الأعباء بين الأطراف. واعتبر أن هذا النهج يعكس تطورا في مقاربة المحكمة الدستورية للقضايا المطروحة أمامها.
أما فيما يتعلق بموقف النقابات من القرار، فقد أشار أسليمي إلى أن ردود الفعل لم تركز على مضمونه بقدر ما تناولت طريقة إعداد القانون، بالنظر إلى طبيعته التفاوضية، معتبرا أن هذا التحول في تعاطي الفاعلين السياسيين والنقابيين مع قرارات المحكمة الدستورية يعكس نضجا متزايدا في فهم العمل القضائي الدستوري، مستحضرا تطورات سابقة شهدتها الساحة السياسية، مثل القرار 475 الصادر عام 2001 بشأن القانون التنظيمي لمجلس النواب، والذي أثار آنذاك ردود فعل حادة ضد المجلس الدستوري.
في سياق متصل، حمل الاتحاد المغربي للشغل، تفاعلا منه مع أشغال الندوة، الحكومة مسؤولية نهجها الانفرادي وعدم استيعابها للمنهجية الديمقراطية التشاركية القائمة على إشراك الحركة النقابية واحترام مؤسسة الحوار الاجتماعي، لكونها “لم تعمل على حفظ توازن المصالح بين أطراف الإنتاج، بل قامت بتغليب مصلحة أرباب العمل على حساب الطبقة العاملة بمختلف مكوناتها، مما يضرب في العمق مضمون الدستور حول الحق في الإضراب”.
وثمن البلاغ ما قال إنها “نزاهة فكرية وأمانة علمية” ميزت مداخلات الأساتذة المتخصصين في المجال الدستوري، التي أنتجت “خلاصات هامة تغني القضاء الدستوري”، مشيرا إلى أن خلاصات هذه الندوة “تنتصر للخيار الديمقراطي الذي أقرته بلادنا كثابت من ثوابت الأمة خاصة الحقوق الأساسية للطبقة العاملة ولعموم المواطنات والمواطنين وفي مقدمتها الحق في الإضراب”.