اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
لطالما شكلت تصريحات التلاميذ المجتازين لامتحانات البكالوريا في السنوات الأخيرة محطة لنقاشات وتجاذبات بين أطياف مجتمعية مختلفة، وسط تحذيرات من مخاطر التصريحات غير المدروسة، وما قد تجرّه على التلاميذ من عواقب نفسية واجتماعية وقضائية. وأطلقت 'تصريحات الباكالوريا' دعوات إلى ضرورة تعزيز تعاون الأسرة والمدرسة والإعلام في بناء جيل قادر على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل مع الحفاظ على كرامة التلاميذ وحقوقهم الأساسية في بيئة تربوية سليمة وآمنة.
في هذا السياق خص الخبير النفسي عادل الحسن جريدة 'العمق المغربي' بتفسير نفسي للظاهرة وأكد أن 'تصريحات تلاميذ البكالوريا، التي تتأرجح بين التهكم والفكاهة واللامبالاة، وبين وعي عميق بالواقع وضغط الامتحان، هي مرآة تعكس صراعًا داخليًا بين الحاجة للتخفيف النفسي من وطأة التوتر، وبين الإحساس بالمسؤولية تجاه المستقبل'.
إقرأ أيضا: رابطة أولياء التلاميذ ترفض اقتناص “تصريحات البكالوريا” وتطالب برادة بحماية حرمة المدارس
وأوضح الحسني، أن التهكم يُعد من أبرز آليات الدفاع النفسي، وتحديدًا 'الإنكار' (denial)، إذ يحاول التلميذ، من خلال اللغة الساخرة، إخفاء قلقه وهشاشته تجاه احتمال الفشل، هربًا من الشعور بالانكسار أمام الذات والآخرين.
وأشار الخبير النفسي إلى أن بعض التلاميذ يُظهرون وعيًا ناضجًا ومفاجئًا برهانات المرحلة، ما يعكس — بحسبه — تحوّل لحظة الامتحان إلى مشهد رمزي يعبر من خلاله الشاب نحو الرشد، وسط ضغط اجتماعي كبير. ويضيف أن هناك من يختار الصمت بدل التصريح، في مفارقة بين الرغبة في الخصوصية وبين البحث عن التوازن بين الجدية والفكاهة.
ولفت المتحدث إلى أن هذه التصريحات لا تُفهم فقط كأفعال فردية، بل كجزء من مشهد ثقافي أوسع تؤطره توقعات الأسرة، وضغط المجتمع، وصور نمطية رسختها وسائل التواصل الاجتماعي. ويؤكد أن الفكاهة هنا تصبح وسيلة مقاومة نفسية، وإن كانت أحيانًا تغطي على قلق وجودي عميق.
وأكد الخبير أن هذه الظاهرة تتطلب منا ما سماه بـ'الإصغاء المزدوج': ليس فقط لما يُقال صراحة، بل لما يُخفى بين السطور — الخوف، الحيرة، غياب التوجيه، والشعور بفقدان المعنى في الامتحان كمقياس حقيقي للقدرة أو القيمة.
ومن زاوية تحليل اجتماعي نفسي أعمق، استحضر عادل الحسني مفهوم الاغتراب (Alienation) كما طوّره كل من ماركس وديفيد ريسمان، مشيرًا إلى أن التلميذ غالبًا ما يشعر بأنه يُقحم في مسار مفروض، يُطلب منه النجاح ضمن معايير لم يكن جزءًا من صياغتها، مما يفتح الباب أمام سؤال وجودي مبكر: 'علاش كنقرا؟ وفين غادي بيّا هاد الشي؟'
وأبرز الحسني أن الخطاب التهكمي الذي يطغى على تصريحات بعض التلاميذ، ليس دليلًا على خواء داخلي، بل على العكس: قد يكون تعبيرًا غير مباشر عن خوف عميق، وتشوّش في الهوية، وتعطش للاعتراف، يقابله غياب لآليات التعبير الآمن عن القلق.
وختم المصدر ذاته تصريحه بالقول إن 'الإصغاء الحقيقي لا يجب أن يكتفي بالجمل المعلنة، بل عليه أن ينفذ إلى الصمت الذي يليها، حيث يسكن المعنى الأعمق'.