اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٢ نيسان ٢٠٢٥
في خطوة تعد مؤشرا جديدا على رسوخ الموقف الأمريكي من قضية الصحراء المغربية، جددت واشنطن، عبر مسؤول رفيع، اعترافها بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، لتضع بذلك حدا لحالة الغموض التي لفت هذا الملف منذ بداية عهد إدارة الرئيس جو بايدن.
ديناميكية قوية تعززها دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للجزائر وجبهة البوليساريو الإنفصالية إلى الدخول في مفاوضات دون تأخير بشأن قضية الصحراء، وذلك على أساس مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، وُصفت في بيان رسمي بأنها “الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين”.
التحول أو بالأحرى 'الاستمرارية المعززة' في الموقف الأمريكي تفتح الباب واسعا أمام تساؤلات ملحة حول ما إذا كان النزاع المفتعل في الصحراء قد بلغ مرحلة ما قبل النهاية، خصوصا مع التوافق الدولي المتزايد حول المبادرة المغربية، وتراجع الزخم الدبلوماسي لجبهة البوليساريو ومن يقف وراءها.
كما يطرح تجديد واشنطن دعمها للمقترح المغربي في هذا التوقيت الدقيق رهانات جديدة تتعلق بإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، في ظل التوتر القائم في شمال إفريقيا ومساعي تعزيز الاستقرار عبر آليات التعاون الأمني والاقتصادي.
تحول في العقيدة
في هذا الإطار، أكد خبير الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، أن تجديد الولايات المتحدة دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي ليس مجرد موقف دبلوماسي عابر، بل يعكس تحولا نوعيا في العقيدة الأمريكية تجاه قضية الصحراء المغربية.
وأوضح المتحدث أنه حينما يؤكد وزير الخارجية الأمريكي، وبألفاظ واضحة، على سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، فإن ذلك يتجاوز اعتبارات التكتيك السياسي، ليعبر عن اصطفاف استراتيجي ضمن رؤية أوسع للاستقرار في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، مسجلا أن هذا الموقف لا يفهم بمعزل عن طبيعة الشراكة الأمنية والاقتصادية العميقة بين الرباط وواشنطن.
واعتبر المحلل السياسي، أن القراءة الأمريكية للصراع باتت واقعية، خاصة في ظل فشل كل المبادرات التي ظلت رهينة لطروحات مثالية أو متجاوزة، كخيار الاستفتاء، مشددا على أن الإدارة الأمريكية، سواء في عهد ترامب الأولى أو في المرحلة الحالية، أصبحت ترى في المبادرة المغربية حلا عمليا يضمن مصالح جميع الأطراف ويمنع استمرار حالة الجمود الإقليمي التي تعيق التنمية وتفتح المجال أمام اختراقات خارجية، لا سيما من قبل الفاعلين غير الدولتيين والتنظيمات الإرهابية.
شريك موثوق
ويرى معتضد أن دلالة الموقف الأمريكي تكمن في كونه يأتي في توقيت حساس، حيث تشهد المنطقة تحولات استراتيجية، من بينها التنافس الصيني-الروسي، وتراجع الدور الفرنسي، وعودة الاهتمام الأمريكي بالضفة الجنوبية للمتوسط، وفي هذا السياق، تقدم الرباط كشريك موثوق به، يتمتع بالاستقرار السياسي والرؤية المستقبلية، ما يجعل دعم مشروعها في الصحراء امتدادا طبيعيا لهذا التحالف.
وأضاف المتحدث قائلا: أما الرد الجزائري، الذي وصف الموقف الأمريكي بأنه 'مخالف للقانون الدولي'، فأظنه محاولة يائسة لمجاراة إيقاع دبلوماسي يتجاوز الجزائر نفسها'، معتبرا أن الجزائر ومنذ سنوات تكتفي بالردود المتشنجة بدل بلورة بدائل واقعية، ما جعلها تفقد زمام المبادرة، كما أن ارتباك الخطاب الجزائري يكرس الفجوة بين القراءة القانونية التقليدية وبين حقائق السياسة الدولية اليوم، وفق تعبيره.
وشدد خبير الشؤون الاستراتيجية في معرض تصريحه على أن أن السؤال حول إمكانية طي ملف الصحراء المغربية لم يعد سؤالا افتراضيا، بل بات مسألة وقت وتوقيت، مسجلا أن المعطيات المتراكمة – من الاعترافات المتتالية، إلى التحولات الإقليمية، وصولا إلى تبني المبادرة المغربية من قبل قوى كبرى – كلها تشير إلى أن القضية تتجه نحو تسوية نهائية، خاصة في ظل تآكل مشروع الانفصال سياسيا ودبلوماسيا، وبالتالي لم يعد هناك مجال واسع للمناورة أمام خصوم الوحدة الترابية المغربية.
وتابع: 'إن الواقع الجديد يتمثل في أن المبادرة المغربية أصبحت مرجعية الحل داخل أروقة الأمم المتحدة، لا سيما مع استعمال مصطلحات متكررة مثل 'واقعية'، 'جدية'، و'مصداقية'، وكلها صفات تنسب للمقترح المغربي دون سواه، وأظن أن هذه الدينامية لا تشير فقط إلى انحسار الدعم الدولي لأطروحة الانفصال، بل أيضا إلى رغبة المجتمع الدولي في إنهاء ملف عالق منذ عقود، يعطل فرص الاندماج الإقليمي والتنمية المشتركة'.
انتقال الصراع
وأشار خبير إلى أن تطور الأقاليم الجنوبية للمملكة، سواء على المستوى التنموي أو المؤسساتي، خلق واقعا ميدانيا صلبا يسبق أي تفاوض محتمل، كما أن المواطنون في العيون والداخلة يعيشون في إطار مغربي كامل، يستفيدون من مشاريع استثمارية كبرى ومن بنيات تحتية متطورة، ما يجعل فكرة الانفصال تبدو خارج السياق والزمن، وهو ما يعد عنصرا حاسما في كسب المعركة السياسية والدبلوماسية.
وخلص المتحدث بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة 'إدارة نهاية النزاع' أكثر من 'إدارته كصراع مفتوح'، وهذا يعني أن التركيز سينتقل من الطابع السياسي للنزاع إلى الطابع التنموي والحقوقي والثقافي في إطار السيادة المغربية، معتبرا أن طي الملف ليس مجرد اتفاق على الورق، بل هو تتويج لمسار طويل من العمل الدبلوماسي، مدعوم بحقائق ميدانية وتحولات إقليمية ودولية تصبّ في مصلحة المغرب.
جدير بالذكر أن لقاء جمع بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، أكد من خلاله اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، وعلى دعم مقترح الحكم الذاتي باعتباره “جادا وموثوقا وواقعيا” كأساس لحل دائم للنزاع.
كما ناقش الجانبان سبل تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والمغرب في مجالات الأمن والسلام والتعاون الإقليمي، بما في ذلك البناء على اتفاقيات أبراهام وتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.