اخبار المغرب
موقع كل يوم -الأيام ٢٤
نشر بتاريخ: ٢١ أيلول ٢٠٢٥
صدر حديثا عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع بعَمَّان كتابٌ نقدي للباحث المغربي سفيان البرَّاق موسوم بعنوان: 'هاجسُ التحديثِ في الأدب: دراسةٌ في النُّصوصِ الأدبيَّة لعبد الله العروي'، قدَّمه الناقد المغربي نور الدِّين صدوق، ويقع في 142 صفحة من الحجم المتوسط، ويتكوَّن من فصلين اثنين.
يسعى الباحث سفيان البرَّاق وهو باحث بسلك الدكتوراه، تخصص: الفلسفة، جامعة شعيب الدكالي بالجديدة، فائز بجائزة قارئ العام بالوطن العربي عام 2023م بالمملكة العربية السعودية، في كتابه النّقدي الأول إلى تبيان التفرُّد الذي تميز به المفكر المغربي عبد الله العروي (1933-….) حينما جمع بين النقد الإيديولوجي والغوص في المتون الفلسفية والمرور عبر قنطرة التحليل الاجتماعي المُستنبط من الواقع اليومي، وبين الكتابة الروائية المعتمدة أساسا على التخييل الذي تمتحُ وترتوي منه، بيد أنّ نصوصه الأدبية الجامعة بين جنسيّ الرواية والسيرة الذاتية وأدب اليوميات تُبينُ، بجلاءِ كبير، أنّ النهلَ من الخيال ليس ترفًا وإنّما هو ممرٌ أساسٌ لخدمة الواقع وتعرية قضايا المُجتمع؛ إذ توجد وشائجٌ عديدة وتضايفٌ بائن بين ما كتبه العروي فكريًا-نقديًا وفلسفيًا وبين نصوصه الرّوائية الستة (الغربة، اليتيم، أوراق، الفريق، غيلة، والآفة) ورباعية 'خواطر الصباح' المُندرجة ضمن أدب اليوميات ومسرحية 'رجل الذكرى'، ولعلّ أَجَلَّ مثالٍ على ذلك هو حضور القضايا نفسها التي انبرى لها فكريًا من قبيل: العتاقة والحداثة، التربية وتأثير الأمية فيها (ثقافة الأم)، الأنا والآخر، التعلُّق بالماضي، هيمنة الفكر التقليدي، غياب التعقل في السلوك اليومي،…إلخ.
ويظهر من خلال فهرس الكتاب أن الباحثَ قد تطلع إلى استجلاء أهم الخواص الفنية والجمالية التي انضوت عليها روايات العروي باعتبارها نموذجًا لامعًا لتسلل الرواية الحديثة إلى التربية المغربية مقتصرًا على الغور في اللغة التي جنح إلى توظيفها، وإظهار التكنيك الذي استخدمه في اجتراح الفضاء الرّوائي، فضلًا عن الإبانة عن الطريقة التي اختلق بها شخوص رواياته، دون إغفال التنويع السّردي الذي وسم رواياته.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عبد الله العروي، رائد الحداثة الألمع في الثقافة العربية المُعاصرة، ما انفك يُبدي تبرمًا بائنًا من الفلسفة وأكّد أنّه لم يكتب في الفلسفة ولم يرفع رايتها (ينظر من باب التمثيل لا الحصر: الصفحات الأولى من كتابه 'السنة والإصلاح'، 2006)، غير أنّه في كتابه ما قبل الأخير: 'الفلسفة والتاريخ' (2017) أقّر بأنّه مشى، في مساره الأكاديمي، على وترين اثنين هما: الفلسفة التاريخ. ومن ثمّة يظهر أنّ أعماله النقدية-الفكريّة يمكن تصنيفها، بعدما صنِّفت ضمن 'اجتماعيات الثقافة' حسب عبد السلام بنعبد العالي، أيضًا، ضمن حقل الفلسفة، وبالتالي فهو أسطع مثالٍ أفلح في الجمع بين حقلين بينهما وشائج تاريخية: الفلسفة والأدب.
إنّ ما كتبه أدبيا، ورغم اتكائه على التخييل والإلغار والترميز السريع والعابر والاحتماء بأحابيل اللغة هو امتدادٌ للقضايا التي نافح عنها فلسفيًا ونقديًا عبر مشروعه الممتد من كتابه العُمدة: 'الإيديولوجيا العربية المُعاصرة' (1967) مرورًا بسلسلة المفاهيم (الدولة، الحرية، التاريخ، الأدلوجة، العقل) وصولًا إلى 'دفاتر كوفيد' (2024).