اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٦ أب ٢٠٢٥
مع كل موسم صيف، تحول مدن الشمال إلى وجهة مزدحمة بالزوار، إلا أن متعة الاصطياف تكتسي ثمنا باهظا، إذ أصبح فنجان القهوة يباع بـ90 درهما، فيما تصل أسعار بعض الفنادق إلى مستويات تفوق أحيانا أشهر الوجهات السياحية الأوروبية.
هذا الغلاء اللافت في خدمات الإيواء والمأكولات يثير موجة استياء واسعة بين الزوار والمواطنين المحليين على حد سواء، ما دفع العديدين إلى التساؤل 'لماذا يتحول صيف الشمال إلى عبء اقتصادي على المواطنين، وهل ستنجح السلطات في ضبط الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمستهلك؟'.
في ظل هذه 'الفوضى السعرية'، تتزايد الانتقادات تجاه الجهات المسؤولة، بينما تحولت قضية الأسعار المرتفعة إلى موضوع نقاش برلماني، مع مطالبة الفاعلين المدنيين والساكنة المحلية بوضع حد لفوضى التسعير وضمان جودة الخدمات، خصوصا للفئات متوسطة الدخل والشرائح محدودة القدرة المالية.
في ظل هذا الجدل، وجهت البرلمانية عن فريق الأصالة والمعاصرة، قلوب فيطح، سؤالا كتابيا إلى وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، طالبة توضيحاتها حول الإجراءات والتدابير المتخذة لمعالجة ظاهرة ارتفاع أسعار الخدمات.
وأشارت البرلمانية في سؤالها إلى أن أسعار الخدمات السياحية بمدينة طنجة، تبدو غير متناسبة ومستفزة بالنسبة لكثير من المواطنين، خصوصا الفئات متوسطة الدخل والشرائح ذات القدرات المالية المحدودة.
وفي هذا الصدد، يرى أحمد بيوزان، فاعل وناشط بمدينة الفنيدق، أن ارتفاع الأسعار يعود إلى عدة عوامل متداخلة، على رأسها زيادة الطلب في موسم الذروة على مختلف الخدمات والمنتجات، وفي مقدمتها الإيواء والمأكولات.
ويشير بيوزان إلى أن موقع طنجة الاستراتيجي كبوابة شمال المغرب ومركز اقتصادي حيوي، مع المشاريع الكبرى مثل ميناء طنجة المتوسط والمنطقة الحرة، يساهم في ارتفاع الطلب على الإقامة والخدمات بقوة، لاسيما مع تدفق العمال والباحثين عن فرص العمل من مناطق داخلية عدة.
ويضيف أن الطلب المتزايد، وغير المتوازن مع العرض القليل، يخلق ظاهرة فوضى التسعير، حيث تستغل بعض المؤسسات هذا الواقع لرفع أسعارها بشكل كبير دون تحسين ملموس في جودة الخدمات، ويستدل على ذلك بفواتير تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من بينها فواتير فنجان قهوة بأسعار تصل إلى 90 درهما.
إلى جانب ذلك، أوضح المتحدث في تصريح لجريدة 'العمق' إلى أن أسعار إيجار الشقق والفنادق تصل إلى مستويات تفوق أحيانا أسعار وجهات سياحية عالمية شهيرة، كما يرى أن هذه الظاهرة لم تعد مجرد قضية فردية، بل أصبحت موضوع نقاش وحوار برلماني.
واعتبر أن أعباء الغلاء لا تقع فقط على عاتق السائحين القادرين على تحمل هذه التكاليف، بل أيضا على المواطن المحلي خصوصا من الطبقة المتوسطة والضعيفة، مشيرا إلى أن 60% من سكان طنجة يندرجون ضمن هذه الفئة التي تعتمد على دخل محدود لا يسمح لها بالاستفادة من هذه الخدمات، ما يحرمهم من الترفيه أو الاستمتاع بما توفره مدينتهم في أوقات زمنية حرجة مثل فصل الصيف.
أما عن دور السلطات، فيقول بيوزان إن الجهود الحالية تظل محدودة وموسمية، تقتصر في غالب الأحيان على حملات رقابية عابرة لا تكفي لفرض توازن مستدام في السوق، خاصة طنجة وتطوان والمضيق ومارتيل والفنيدق.
كما يشير إلى غياب دور فعال لمجلس المنافسة في مواجهة الاحتكار وتحرير الأسعار، ما يفتح المجال أمام بعض الاستثناءات والرخص التي تمنح لمجموعات اقتصادية معينة، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على حرية المنافسة وينعش ظاهرة الاحتكار.
وتدعم البيانات الرسمية هذا المشهد، حيث أصدرت المديرية الجهوية للتخطيط بجهة طنجة تطوان الحسيمة معطيات تظهر ارتفاع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية الأساسية بنسبة 1.9% بين شهري دجنبر ويناير، مع تسجيل زيادات ملحوظة في أسعار الخضر، اللحوم، السمك، الحليب، الزيوت، والقهوة.
وعلى المستوى السنوي بين يناير 2024 ويناير 2025، بلغت نسب الارتفاعات مستويات محسوسة، وصلت في بعض المنتجات مثل اللحوم إلى 17.2%، وهذا يؤكد أن المشكل له أبعاد اقتصادية حقيقية وليس مجرد شعور مزعج لدى المواطنين.
ويطرح هذا الواقع تساؤلات جدية حول استعداد الجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات الملائمة لضبط السوق، وحماية القدرة الشرائية للسكان، وكذا تحسين جودة الخدمات السياحية، بما يواكب المكانة الاقتصادية الكبيرة التي تحتلها طنجة في المشهد الوطني، كما يذكر بضرورة تكثيف آليات الرقابة، دعم المنافسة العادلة، وفرض شفافية أكبر على جميع الفاعلين في القطاع.