اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٥ نيسان ٢٠٢٥
في خضم التحولات الجيوسياسية التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا، بدأت المصالح الاقتصادية ترسم معالم مواقف الدول الكبرى من قضية الصحراء المغربية، وفي مقدّمتها بريطانيا التي تُعيد اليوم النظر في تموقعها التقليدي من هذا النزاع.
فبعد الخطوات الحاسمة التي اتخذتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا بدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، تجد لندن نفسها أمام واقع جديد يُحتّم عليها الموازنة بين حسابات السياسة ومغريات الاستثمار، خاصة في ظل المشاريع الطاقية العملاقة التي تربطها بالمغرب. فهل تكون المصالح الاقتصادية بوابة التحوّل في موقف المملكة المتحدة من أحد أكثر الملفات حساسية في المنطقة؟
المصالح الاستراتيجية
تصريحات الحكومة البريطانية، التي كشفت هذا الأسبوع لأول مرة عن وجود محادثات مع الرباط بشأن تغيير موقفها من قضية الصحراء، فتحت الباب على مصراعيه أمام التساؤل حول مدى تأثير المصالح الاقتصادية، وتحديدا رغبة الشركات البريطانية في استغلال الفرص الواعدة بالأقاليم الجنوبية، في رسم الموقف السياسي المستقبلي للمملكة المتحدة من هذا الملف الحساس.
في هذا السياق أوضح خبير العلاقات الدولية، محمد شقير أن سياسات الدول تبنى على المصالح الاستراتيجية، وأن بريطانيا، باعتبارها دولة ذات ثقل اقتصادي عالمي، لا يمكن أن تظل محايدة في هذا النزاع طويل الأمد.
وأوضح شقير أن الدول الأوروبية تتنافس على مصالحها في المنطقة الصحراوية، مشيرا إلى أن بريطانيا، بفضل تأثير شركاتها الكبرى التي تستثمر في مجالات حيوية مثل الطاقة الخضراء، تمارس ضغوطا على الحكومة البريطانية لاتخاذ موقف مشابه لفرنسا وإسبانيا في ما يتعلق بمغربية الصحراء.
وقال المتحدث: 'من المؤكد أن بريطانيا، من خلال مصالحها الاقتصادية، ستتبنى خطوة داعمة لمبادرة المغرب للحكم الذاتي أو حتى الاعتراف بمغربية الصحراء، خاصة وأن الولايات المتحدة قد اعترفت بذلك بالفعل، وهو ما سيعزز الموقف البريطاني'.
وتوقع شقير أن يشهد الموقف البريطاني تحوّلا في الفترة القريبة القادمة، مع إمكانية اتخاذ بريطانيا موقفا رسميا يعلن دعمها لمغربية الصحراء، وهو ما قد يتبلور في السنة الجارية أو في السنة المقبلة، مسجلا أن هناك تحديات رئيسية تواجه هذا التحول، تتمثل في ضرورة تحسيس الرأي العام البريطاني بهذا التوجه، بالإضافة إلى مواجهة بعض مكونات المجتمع المدني الرافضة لهذا التوجه.
لكن شقير يرى أن هذه المعيقات ليست مستحيلة التجاوز، مضيفا بالقول، أن ما سيسرع التغير في الموقف البريطاني هو خطوات عملية مثل إعلان الولايات المتحدة عن فتح قنصلية في مدينة الداخلة، وهو ما سيكون بمثابة إشعار لبريطانيا بتغيير الموقف، خاصة وأن ذلك سيترافق مع زيارة وفود أمريكية لاستكشاف فرص الاستثمار في المنطقة.
وفي سياق متصل، شدد شقير على أن بريطانيا لن تستطيع تجاهل هذا الملف، خاصة بعد أن اتخذت كل من فرنسا والولايات المتحدة مواقف قوية تدعم مغربية الصحراء.
وتابع قائلا: 'لا يمكن لبريطانيا أن تضيع هذه الفرصة بعد أن اتخذت الدول الكبرى، مثل فرنسا وأمريكا، مواقف مماثلة، كما أن بريطانيا التي تمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن لن تغرد خارج السرب'.
فرص استثمارية واعدة
من جهة أخرى، أشار خبير العلاقات الدولية، إلى أن هناك عدة مؤشرات تؤكد أن هناك رغبة حقيقية من قبل الشركاء الأوروبيين والولايات المتحدة في حل هذا النزاع، لافتا إلى أن العاملين الرئيسيين في هذه الرغبة هما الفرص الاستثمارية الواعدة في الأقاليم الصحراوية ومحاولة تجنب تحول المنطقة إلى بؤرة توتر غير مستقرة خاصة وأن جبهة البوليساريو الإنفصالية أصبحت تتعامل بشكل متزايد مع التنظيمات الإرهابية، وهو ما يمثل تهديدا مشتركا للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
واختتم شقير تصريحاته بالتأكيد على أن الموقف الدولي، خاصة من قبل القوى الغربية، يهدف إلى دعم المغرب كقوة إقليمية، وذلك من خلال طي هذا الملف الذي طال أمده، معتبرا أن دعم فرنسا وإسبانيا لمصالح المغرب في هذا الملف داخل المحافل الدولية، يهدف إلى تسريع عملية تسوية النزاع، والتفرغ لملفات أخرى أكثر إلحاحا مثل مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستثمارات في المنطقة، خصوصا بعد الانتهاء من مشاريع استراتيجية كميناء الداخلة والمبادرة الأطلسية.
جدير بالذكر أن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، أن المملكة المتحدة ما زالت تواصل مشاوراتها مع المغرب بشأن قضية الصحراء المغربية.
وأشار لامي خلال جلسة نقاش في البرلمان البريطاني، أول أمس الثلاثاء، تم فيها تناول عدد من القضايا الدولية، إلى أن الموقف البريطاني في هذا الشأن “لا يزال قيد المراجعة”.
وكان النائب عن حزب المحافظين، أندرو ميتشل، قد طرح تساؤلاً حول موقف الحكومة البريطانية من النزاع في الصحراء المغربية، داعياً إلى اتخاذ خطوة مماثلة لتلك التي أقدمت عليها كل من الولايات المتحدة وفرنسا في دعم مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.