ردا على الكلابيون!

يبدو أن الجرأة الزائدة في نبرة الخطاب السياسي لمحمد أوزين الأمين العام لحزب الحركة الشعبية في العديد من المحافل الدولية والوطنية، استشحذت هذه الأيام ألسنة بعض المهتمين، منهم شيوخ أفاضل و مؤرخون أجلاء ومنهم دون ذلك من الأتباع، ولعمري ما أحوجنا إلى نقاش عمومي ناضج بين السياسيين والمؤرخين ورجال الدين والأكاديميين ..وكل الأطياف من كل المشارب، لتسليط الضوء على مختلف القضايا التي تهم المجتمع دون ادعاء المعرفة المطلقة ودون نزعات ذاتية…حتى تنحصر المناقشة بين الاستفادة والإفادة بلا إفراط في الغلو ولا تفريط من هذا أو ذاك.

مناسبة هذا القول هي نبش الشيخ الفزازي في الأرشيف والتعليق على تصريح غابر للأمين العام يعود لسنوات عديدة مضت، كان بشأن الهجمة التي تعرض لها أنداك الأستاذ محمد عصيد حد استباحة دمه من طرف بعض الجهات، إثر حديثه حول موضوع المعجزات في الدين الإسلامي، وما يحسب لفضيلة الشيخ لباقته المعهودة تبليغ الرسالة لمن يهمه الأمر، فجاءه الرد سريعا بعد ذلك باللغة الراقية والفصاحة اللازمة التي لا يخفي هو نفسه إعجابه بقوتها.

أضف إلى ذلك أيضا، الاهتمام البالغ الذي أحاط به المؤرخ عبد الخالق كلاب جزءا أساسيا من كلمة باسم حزب الحركة الشعبية ألقاها السيد محمد أوزين بمناسبة الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، وبالضبط عندما نبه اللجنة المنظمة ورئاسة المؤتمر بعتاب أخوي تفرضه قواعد الضيافة ونخوة 'إمازيغن' إلى إغفال الأمازيغية في الوصلات الفنية التي تخللت أشغال المؤتمر، فقال مخاطبا أهل الدار، جميل أن نستحضر البعد العربي الإسلامي.

لكن، لكن .._ وكررها أكثر من مرة_ الأجمل أن يكون البعد الامازيغي حاضرا لكونه مكونا أساسيا من الهوية المغربية العريقة، وهو الآخر تلقى التعقيب اللازم من السيد الأمين العام على شكل رسالة مفتوحة، من أهم ما جاء فيها دعوة المؤرخ عبد الخالق إلى مناظرة لتعميق النقاش وتبادل الآراء حول سؤال الهوية المغربية …

لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، ففي غمرة هذا التفاعل والتجاوب الفكري والسياسي الراقي خرج بعض الكلابيون (أنصار الدكتور كلاب طبعا) يدافعون بنزعة ضيقة عن صديقهم، وذلك بالمزايدات على حزب الحركة الشعبية وأمينه العام في مجال الدفاع عن القضية الأمازيغية، وعلى هذا الأساس كان لابد أن أقول بعض الكلام حتى لا يبقى في قلبي شيء من حتى كما يقال..

_ وأول هذا الكلام هو أن محمد أوزين مسؤول سياسي ورئيس حزب سياسي عريق وليس مسؤول عن قناة في اليوتوب أو مثقف مقاول يركض وراء المشاريع الثقافية المدرة للدخل، وهو بالمناسبة أمازيغي أبا عن جد، لذلك واجه موجة التعريب بنجاح التي أصابت الدكتور عبد الخالق وافقدته لسانه الموري بدون أدنى مناعة..

_ إذا كان الدكتور كلاب يحمّل المسؤولية لغيره في عدم تعلم اللغة الأمازيغية والتحدث بها إلى غاية اليوم، فما الذي منعه من تعلمها على الأقل منذ أن استفاق مدركا أن لسانه ليس هو؟ ألم تكن كل تلك المدة كافية لكلاب لإتقان الأمازيغية والهند وراسية والصينية وغيرها… أم أن للأمر علاقة بمشروع مربح أكثر من الارتباط بالأرض والثقافة…

_في سبيل الدفاع عن الأمازيغية وعن الجهوية وصف الحركيون بالانفصاليين والتقليدانيين، وقاد النضال من أجل إخراج ظهير الحريات العامة إلى السجن والتعذيب وأحيانا إلى القتل أبناء الحركة الشعبية، وكان ذلك بالضبط قبل أن ينشئ الله كلاب خلقا آخر.

الرؤية الأحادية التي يقارب بها أتباع الدكتور كلاب النهوض بالأمازيغية ربما من الأسباب الرئيسية التي عطلت عجلة الأمازيغية ووقفت حجرة عثرة في طريقها إلى التفعيل على أرض الواقع، وقبل ذلك أجلت مصالحة المغرب مع هويته وأجلت تعلم المؤرخ عبد الخالق اللغة الأمازيغية والنطق بها كما ينطق العربية بطلاقة…

لذلك لا مجال للمزايدات حول موضوع الهوية الوطنية التي حسمت دستوريا وملكيا وممارسة، فالمغاربة أمازيغا وعربا يعيشون جنبا إلى جنب في أمن واستقرار وقد حسموا هذا النقاش بالفطرة إلى الأبد، وهذه خصوصيتنا المتفردة التي تكمن في التعدد بكل أبعاده في إطار الوحدة..

والمعركة الحقيقية اليوم هي المزيد من الترافع بمسؤولية من أجل التنزيل الفعلي للأمازيغية لتشمل كل مناحي الحياة، ما دون ذلك من عودة إلى أطروحة البيضة والدجاجة فتلك أمور تجاوزها المغاربة الأحرار وعفى عنها الزمن…

*عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية