اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٩ أيلول ٢٠٢٥
وجهت الحكومة دعوة إلى الأحزاب لإعداد تصورات حول تعديل قانون الاقتراع البرلماني
ألقت دعوة وزارة الداخلية في المغرب الأحزاب السياسية في الغالبية الحكومية والمعارضة لإعداد تصوراتها في شأن تعديل قانون الانتخابات التشريعية المرتقب تنظيمها العام المقبل، حجراً كبيراً في بركة المشهد السياسي للمملكة الذي اتسم بالرتابة والجمود طوال فصل الصيف.
وانطلقت نقاشات سياسية كثيفة بين كثير من الأحزاب المغربية والفاعلين السياسيين بخصوص مقترحات إصلاح قانون الانتخابات، بهدف إجراء استحقاقات تشريعية نزيهة تتوج بالحصول على مؤسسات منتخبة ناجعة وفعالة، فضلاً عن القطع مع ممارسات 'الفساد الانتخابي'.
ويرى مراقبون أن المسؤولية الحقيقية تفرض على الأحزاب السياسية المغربية تقديم تصورات جادة تغلب المصلحة العامة للمواطنين، بغية تجويد الحياة السياسية في البلاد واسترجاع ثقة الشباب في الممارسة السياسية بمجملها.
وقدمت كثير من الأحزاب السياسية، سواء التي تشكل التحالف الحكومي الثلاثي أو التي تتموقع في صفوف المعارضة البرلمانية، جرداً مفصلاً لتصوراتها في شأن إصلاح قانون الانتخابات، من أجل تيسر تحقيق هدف نزاهة وشفافية الانتخابات التشريعية لعام 2026.
وتمثلت أبرز المطالب الإصلاحية لـ 'قانون الانتخابات' في إحداث هيئة وطنية مستقلة للإشراف عليها واعتماد 'ميثاق شرف' يمنع قبول ترشح الشخصيات المشوبة بالفساد، علاوة على مطلب الرفع من عدد أعضاء البرلمان المغربي الذي يبلغ حالياً 395 نائباً.
وصادق حزب 'التجمع الوطني للأحرار' الذي يقود الحكومة الحالية أخيراً على مقترحاته التي ستقدم إلى وزارة الداخلية من دون أن يكشف عن ماهيتها، غير أن مسؤولي الحزب شددوا على أن الإصلاحات تتمسك بتعزيز الضمانات القانونية والمؤسساتية للعملية الانتخابية، وحث المغاربة على مشاركة واسعة في الاقتراع.
من جهته نادى حزب 'الاستقلال' المشارك في الحكومة برفع عدد المقاعد المخصصة للنساء من 90 إلى 120 مقعداً في اللوائح الجهوية، وفرض نسبة إلزامية للشباب في اللوائح المحلية لتعزيز تمثيلية متوازنة، وتحفيز الأحزاب بدعم مالي من أجل تقديم مترشحات في الدوائر الانتخابية المحلية، أما حزب 'الأصالة والمعاصرة'، الضلع الثالث في الحكومة، فاقترح زيادة أعضاء البرلمان بـ 10 في المئة لملائمة الزيادة الديموغرافية التي كشف عنها الإحصاء العام للسكان، وتخصيص 150 مقعداً للسناء في قبة البرلمان، علاوة على إدراج الهوية الأمازيغية في المنظومة القانونية الانتخابية المقبلة.
وفي صف المعارضة أبدى حزب 'العدالة والتنمية' تشبثه بإجراء مراجعة شاملة للوائح الانتخابية، باعتبار أن تطوير التقطيع الانتخابي يحقق عدالة التمثيل وتوزيع المقاعد، مشدداً على ضرورة إقرار ميثاق شرف يلزم الأحزاب كافة بحظر ترشيح المشبوهين أو المتورطين في قضايا فساد مالي.
',إبعاد المفسدين عن الانتخابات' هو مطلب حزب 'التقدم والاشتراكية' نفسه الذي شدد من جهة أخرى على تيسير إجراءات التصويت بغية تحقيق نسبة مشاركة مرتفعة، كما حث الشباب والنساء على المشاركة في الاقتراع بصورة كثيفة وقوية.
من جانبه رفض حزب 'الاتحاد الاشتراكي' التصويت الرقمي واقترح تخصيص 132 مقعداً برلمانياً للنساء في أفق رفع تمثيلهن داخل البرلمان، وهو ما يعزز مبدأ المناصفة بين الجنسين، داعياً إلى إلزام الأحزاب بتخصيص 50 في المئة من الترشيحات محلياً للنساء، وإلزام المترشحين بأداء الضرائب أيضاً.
وفي هذا الصدد تقول الباحثة في علم السياسة شريفة لموير إن المحطات الانتخابية في المغرب تعرف ضرورة الإقدام على إصلاحات وتعديلات في قانون الانتخابات، من أجل تجويد العمل السياسي في المملكة، بخاصة أنها محطة لاختيار 'ممثلي الأمة' داخل المؤسسات التشريعية، ولذلك فإنه من المفروض في مذكرات الأحزاب السياسية الأخذ بعين الاعتبار تغليب مصلحة المواطن أولاً، وإيصال صوتهم وقضاياهم المجتمعية إلى المسؤولين.
وأفادت لموير أن 'أهم ما يجب الوقوف عليه في هذه الإصلاحات هو فرض مستوى تعليمي أدنى يتوافر لدى مرشحي الأحزاب للانتخابات، فمن غير المنطقي أن يمثل المواطن المغربي نواب أميون عاجزون حتى عن كتابة أسمائهم'.
ولا يشترط القانون المتعلق بمجلس النواب شروطاً في شأن المستوى التعليمي الأدنى المطلوب للترشح للانتخابات التشريعية، وهو ما يجب، بحسب الباحثة ذاتها، مراجعته على اعتباره فراغاً قانونياً يفتح الباب لأصحاب المستوى التعليمي المحدود لولوج مؤسسة تشريعية.
ولفتت المتحدثة عينها إلى أن تغاضي الأحزاب السياسية عن هذه النقطة ليس بدافع عدم دستورية هذا المطلب، بقدر ما يمثله من أهمية في قطع الطريق على سماسرة الانتخابات والأعيان الذين أصبحت الأحزاب السياسية تعتمد عليهم بصورة كبيرة في مختلف المحطات الانتخابية، بهدف حصد أكبر عدد من المقاعد من دون الالتفات إلى أهمية التمثيلية التشريعية.
وأكدت لموير 'توافق عدد من الأحزاب حول مطلب الرفع من عدد المقاعد داخل البرلمان، مما يترجم الرهانات الفردية للأحزاب من أجل الظفر بمقاعد تبوؤها لتصدر المشهد السياسي'، مردفة أن 'مطلب الزيادة في عدد أعضاء البرلمان يواجهه واقع غيابات النواب عن حضور جلسات هذه المؤسسة التشريعية، على رغم الخطوات التي أقرها البرلمان للحد من هذه المعضلة'.
وذهبت لموير إلى أن المسؤولية الحقيقية تفرض على الأحزاب السياسية تقديم مقترحات إصلاحات وتعديلات لا تغيّب المصلحة العامة للمواطنين أمام البراغماتية التي تتعامل بها الأحزاب في البلاد، وعياً منها بضرورة تجويد الحياة السياسية واسترجاع ثقة المواطن في الفعل السياسي ككل.
من جانبه علق أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبدالرحيم العلام، على الموضوع بقوله إن مذكرات الأحزاب لم تحمل تجديدات ملموسة بخصوص مطالب إصلاح قانون الانتخابات، إذ إن جل ما تقدمت به من اقتراحات يقع ضمن المتداول في المذكرات السابقة، ومن هذه المقترحات الرائجة 'إحداث هيئة وطنية للإشراف على الانتخابات بدلاً من وزارة الداخلية، وإعادة النظر في الأسس التي يستند إليها التقطيع الانتخابي، إذ يجري تخصيص مقعد لكل عدد محدد من السكان، وإلغاء اللوائح الوطنية الحالية واعتماد التسجيل التلقائي من خلال بيانات بطاقة التعريف الرسمية، وكذلك تقوية دور السلطة القضائية في الإشراف على الانتخابات وتمكين القضاة من الأدوات اللازمة لتفعيل هذا الإشراف، وتمكين الجالية المقيمة في الخارج من حقها في التصويت المباشرة، إضافة إلى تعزيز مشاركة النساء من خلال إضافة مقاعد إضافية للائحة النساء وحزمة من المقترحات التقنية التي تحول دون تفشي المال الانتخابي وإفساد الانتخابات، ومقترحات أخرى تستهدف ضمانات النزاهة وشفافية التنافس.
وأفاد العلام بأن مقترحات كثيرة تضمنتها مذكرات الأحزاب من شأنها تطوير الانتخابات المغربية لو جرى اعتمادها، لكن ما ينقصها أنها ليست مجمعاً عليها من طرف الأحزاب، وإنما اقترح بعضها حزب ما وأغفل بعضها حزب آخر، وكان بإمكان هذه الأحزاب أن تنسق في ما بينها من أجل اعتماد مذكرات موحدة بمطالب قوية، كأن تتوحد أحزاب المعارضة مثلاً في مطالب مشتركة ترفعها إلى وزارة الداخلية من أجل إضفاء طابع القوة على مطالبها.
وتوقع العلام ألا تستجيب وزارة الداخلية لكثير من مطالب الأحزاب، من قبيل مطلب لوائح انتخابية جديدة على أسس البطاقة الوطنية، ولجنة وطنية للإشراف على الانتخابات، أو اعتماد وحدة المدينة في التقطيع الانتخابي، أو اعتماد عدد السكان في التمثيل الانتخابي، لأن هذه المطالب غالباً ما جرى اقتراحها في محطات سابقة كانت فيها الأحزاب السياسية قوية ومع ذلك لم يُستجب لها.
وأبدى العلام استغرابه أيضاً من مطلب رفع عدد البرلمانيين في مجلس النواب، فكثرة النواب ليست ما يضفي على البرلمان قوته وإنما النوعية والكفاءة والقدرة على الجهر بالموقف، بدليل أن المغرب على رغم ارتفاع عدد أعضاء نوابه من 144 عضواً في أول انتخابات إلى 395 حالياً، لكن ذلك الارتفاع لم يواكبه تطور في الأداء السياسي للبرلمانيين، وفق تعبيره.



































