اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٣ أيار ٢٠٢٥
أكد عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، عبد اللطيف الشنتوف أن الجامعة ليست بعيدة عن عمل المجلس، مشددا على أن الأدوار التي يضطلع بها هذا الأخير في ظل الدستور الحالي تتجاوز المهام التقليدية، لتشمل مهاماً غير مسبوقة تعزز استقلال القضاء وترسخ ثقافة الشفافية والتواصل والانفتاح.
جاء ذلك في محاضرة علمية نظمتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط أكدال مساء الثلاثاء، ألقاها عبد اللطيف الشنتوف، عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية والرئيس السابق لنادي القضاة، تحت عنوان: 'الأدوار التقليدية والجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية'، بحضور ثلة من الأساتذة وطلبة القانون وعدد من المهتمين بالشأن القضائي.
وفي مستهل مداخلته، قدم المحاضر عرضا تاريخيا لتطور المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مبرزا بداياته الأولى سنة 1937 إبان الحماية الفرنسية، حيث كان يتشكل من لجنة تضم مسؤولين حكوميين في مقدمتهم الصدر الأعظم (ما يعادل رئيس الحكومة حاليا)، بالإضافة إلى وزير العدل ومستشارين كبار للدولة، مع حضور رمزي لقاضٍ واحد.
وقد عرف المجلس، وفق المتحدث تحولات بنيوية وقانونية متعاقبة، أبرزها تأسيسه سنة 1958، ودسترة وجوده ضمن أول دستور مغربي سنة 1962، وصولاً إلى التنصيص عليه في الفصل 115 من دستور 2011 كسلطة دستورية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وأشار المحاضر إلى أن دستور 2011 أدخل تغييرات جوهرية على بنية المجلس، سواء من حيث التشكيلة التي أصبحت تضم قضاة منتخبين وآخرين بحكم مناصبهم وممثلين عن مؤسسات وطنية، أو من حيث انفتاحه على شخصيات من خارج الجسم القضائي، مبرزاً في هذا الصدد تعيين جلالة الملك الدكتور فريد الباشا، عميد كلية الحقوق أكدال، عضواً في المجلس، وهو ما يعكس – حسب الشنتوف – الارتباط الوثيق بين الجامعة وعمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وانتقل الشنتوف بعد ذلك إلى تفصيل اختصاصات المجلس، مقسم إياها إلى نوعين: تقليدية وأخرى جديدة، تشمل الأولى، تدبير الوضعية الفردية للقضاة، من تعيين وترقية وتأديب ونقل وتقاعد، وهي مهام تروم حماية استقلال القاضي وضمان حياده، موضحا أن هذه العمليات تتم وفق معايير دقيقة منصوص عليها قانوناً، وتم تطويرها عملياً منذ تأسيس المجلس في صيغته الحالية سنة 2017، مشيرا إلى توفر القضاة على آليات للطعن في القرارات التي تمس بوضعيتهم المهنية، بالإضافة إلى ضمانات قانونية متعلقة بتقييم أدائهم وإمكانية التظلم من نتائجه.
أما بخصوص الاختصاصات الجديدة، فقد أوضح الشنتوف أنها استحدثت بموجب دستور 2011 والقانون التنظيمي للمجلس، وصنفها في عدة أدوار: أولها تأطير الأخلاقيات القضائية من خلال إعداد مدونة خاصة بالسلوك المهني للقضاة، ثم التواصل المؤسساتي، ولا سيما مع وزارة العدل بما لا يمس باستقلال السلطة القضائية.
كما أشار إلى الدور الاستشاري للمجلس عبر إبداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالعدالة، والدور الاقتراحي من خلال التقرير السنوي، والتفاعل مع ملاحظات الجمعيات المهنية والمجتمع المدني.
ومن الأدوار التي أولى لها المحاضر أهمية خاصة، دور الدبلوماسية القضائية، عبر توقيع اتفاقيات التعاون مع هيئات قضائية أجنبية بتنسيق مع وزارة الخارجية، وكذا دور التكوين الذي تعزز منذ سنة 2024 بعد ضم المعهد العالي للقضاء إلى المجلس، ما مكن هذه المؤسسة من إعداد وتنفيذ برامج تكوين أساسي ومستمر وفق حاجيات ملموسة.
وأبرز في هذا السياق أهمية التعديل القانوني لسنة 2023 الذي أتاح للمجلس فرض التكوين على القضاة في حالات تأديبية مرتبطة بقصور معرفي، معتبراً أن هذا التوجه يسير في خطى الأنظمة القضائية المتقدمة التي توازن بين الزجر والتقويم.
ولفت إلى أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يمارس مهامه ضمن رؤية مؤطرة بمخطط استراتيجي (2021-2026)، تقوده رئاسة منتدبة وإدارة كفؤة تعمل على تنفيذ مقررات المجلس وتجويد عمله اليومي. كما تميز اللقاء بتفاعل حي بين المحاضر والحضور، الذين طرحوا أسئلة دقيقة عكست اهتماماً كبيراً بالموضوع وقضاياه الراهنة.