اخبار المغرب
موقع كل يوم -الأيام ٢٤
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
لا يمكن فهم حصيلة حكومة أخنوش في قطاع الصحة بمعزل عن الورش الأوسع للحماية الاجتماعية. فابتداء من 2021، التزمت الدولة بتعميم التأمين الصحي الإجباري ليشمل جميع المواطنين، بما في ذلك الفئات الهشة التي لم تكن تستفيد سابقا من أي تغطية. هذا التحول جعل من المنظومة الصحية العمود الفقري لإنجاح الحماية الاجتماعية، إذ لا معنى لتوسيع قاعدة المستفيدين دون مستشفيات قادرة وأطر كافية وخدمات متاحة بجودة مقبولة.
المفارقة أنه في الوقت الذي تظهر فيه الأرقام الرسمية قفزة غير مسبوقة في الميزانية والمشاريع، يخرج الشباب المغاربة للاحتجاج على تدهور القطاع الصحي، وتكشف شهادات المرضى، خاصة في القرى والمناطق النائية، عن استمرار صعوبة الولوج إلى العلاج. فهل تنجح الدولة في جعل ورش الحماية الاجتماعية رافعة لإصلاح الصحة، أم أن الضغط المتزايد على المستشفيات سيحول التأمين الصحي إلى مجرد حق، على الورق؟
أزمة منظومة
في واقعة غير مسبوقة في التاريخ السياسي الحديث للمغرب، لم تدم تجربة نبيلة الرميلي على رأس وزارة الصحة والحماية الاجتماعية سوى بضع ساعات. إذ جرى تعيينها ضمن حكومة عزيز أخنوش يوم 7 أكتوبر 2021، قبل أن تكتفي برئاسة مجلس جماعة الدار البيضاء، ويعود خالد آيت الطالب، لتولي المنصب الذي تولاه على عهد حكومة العثماني، لكن المفاجأة حدثت ثلاث سنوات بعد ذلك، حين أطاح التعديل الحكومي بآيت الطالب ليعوضه أمين التهراوي، القادم من عالم الإدارة والأعمال والمقرب من رئيس الحكومة.
ورأى متتبعون في هذا التغيير بأنه محاولة من عزيز أخنوش لإعادة ضبط التوازنات داخل القطاع، خاصة وأن شخصية آيت الطالب القوية وعلاقاته بالكفاءات الطبية كانت تثير حساسية داخل السلطة التنفيذية.
ومنذ توليه المنصب، باشر التهراوي مراجعة عدد من الصفقات التي أبرمت في عهد سلفه، مؤكدا أن ذلك يدخل في إطار حماية المال العام وضمان فعالية المشاريع الصحية.
ومع أن تعاقب ثلاث وجوه على رأس وزارة الصحة في أربع سنوات، كان مؤشرا واضحا على أن أزمة المنظومة الصحية أعمق من أن تحل بتغيير وزير بآخر، إلا أنه كان يجب انتظار الوقت الكافي، قبل السؤال، هل نجحت حكومة أخنوش في تسريع الإصلاح أم زادت من حالة عدم اليقين داخل القطاع؟
مستشفيات تبنى
لم يسبق أن شهد قطاع الصحة بالمغرب طفرة مالية كتلك التي تحققت في عهد حكومة أخنوش. فقد ارتفعت ميزانية الوزارة من 19.7 مليار درهم سنة 2021 إلى 32.5 مليار درهم سنة 2025، أي بزيادة قدرها 65 في المائة خلال أربع سنوات، بمعدل نمو سنوي متوسط بلغ 13.3 في المائة. هذه القفزة تتجاوز ضعف معدل نمو ميزانية الصحة خلال العقد السابق (2011–2020) الذي لم يتعد 6.2 في المائة.
كما جرى توسيع قاعدة التوظيف، إذ أحدثت الحكومة ما يقارب 6,500 منصب مالي جديد سنة 2025 وحدها، وتم تخصيص اعتمادات إضافية للاستثمار في البنيات التحتية وتجهيز المستشفيات والمراكز الصحية، إذ جرى إطلاق مشاريع كبرى للمستشفيات الجامعية والإقليمية والمراكز الصحية الأولية. فقد دخل المستشفى الجامعي بطنجة الخدمة بطاقة 797 سريرا، بينما يجري استكمال مستشفى أكادير (867 سريرا) ومستشفى العيون (500 سرير في 2025)، مع برمجة مستشفى الرباط بطاقة 1,044 سريرا بحلول 2026، إضافة إلى مشاريع في كلميم والرشيدية وبني ملال في أفق 2027.
وعلى مستوى المستشفيات الإقليمية والقرب، جرى إنجاز 22 مؤسسة جديدة بين 2022 و2025 بطاقة إجمالية تناهز 2,433 سريرا، فيما توجد 24 مؤسسة أخرى قيد البناء و20 مشروعا إضافيا مبرمجا قبل 2027. أما في ما يخص الرعاية الأولية، فقد أطلقت الوزارة برنامجا لتأهيل 1,400 مركز صحي موزعة على 76 إقليما بميزانية 3,6 مليار درهم، في محاولة لتقليص الفوارق المجالية وضمان الولوج المتكافئ للعلاج.
لكن إذا كانت الحكومة وسعت العرض الاستشفائي الوطني، فهل ترجم ذلك إلى تراجع ملموس في الاكتظاظ أو تقليص آجال المواعيد؟
مرضى بدون علاج
كشف مصدر مطلع لـ 'الأيام' أن توسيع العرض الصحي يظل محدود الأثر ما دام لا يوازيه تعزيز حقيقي في الموارد البشرية. فعدد العاملين في القطاع بلغ نحو 59,202 مهني سنة 2025 مقابل 45,433 سنة 2019، أي بزيادة لا تتجاوز 30 في المائة، في حين ارتفعت الطاقة الاستشفائية بوتيرة أسرع بكثير. كما أن تعيين 1,204 طبيب أخصائي خلال سنة 2025 لم يكن كافيا لسد الخصاص الكبير في مختلف التخصصات.
أما على مستوى التمريض والتقنيات الطبية، فرغم القفزة المهمة في عدد المقاعد البيداغوجية التي ارتفعت إلى 9,500 مقعد سنة 2024 مقارنة بـ 2,735 سنة 2019 (زيادة تفوق 200 في المائة)، ظل العجز قائما، ما جعل بعض المستشفيات الجديدة تفتتح جزئيا أو تعمل بطاقة محدودة.
منذ البداية، أكدت الحكومة التزامها بتدارك هذا الخصاص التاريخي عبر رفع طاقات التكوين. فقد تضاعف عدد مقاعد كليات الطب من 2,650 سنة 2019 إلى 6,414 سنة 2025، بزيادة قدرها 142 في المائة، مع افتتاح أربع كليات جديدة في العيون وبني ملال وكلميم ودرعة-تافيلالت. كما قفزت طاقات تكوين الممرضين من 2,735 إلى 9,500 في الفترة نفسها، بزيادة تفوق 240 في المائة .
ومع ذلك، ورغم بلوغ العدد الإجمالي للعاملين 59,202 سنة 2025 مقابل 45,433 سنة 2019، يظل هذا التطور أقل من مستوى الحاجيات الميدانية، ليبقى الفرق شاسعا بين الإمكانيات البشرية المتوفرة والطلب المتزايد على الخدمات داخل المرافق الصحية.
سلة قرارات
من جهة أخرى، وضعت حكومة أخنوش ملف الموارد البشرية في صلب إصلاح المنظومة، عبر حزمة من الإجراءات التحفيزية. فقد أقرت زيادات صافية تراوحت بين 1,700 و4,405 درهم شملت مختلف الفئات المهنية، إلى جانب تعويضات عن المخاطر وتحفيزات ضريبية جديدة.
كما تم إطلاق أنظمة أساسية خاصة بالأطباء والممرضين والصيادلة، بهدف إعادة الاعتبار للمهن الصحية وجعلها أكثر جاذبية. هذه الخطوات ساهمت في امتصاص جزء من الاحتقان الاجتماعي الذي طبع القطاع، لكنها لم تنه كليا التوترات النقابية التي ما زالت ترافق الحوار الاجتماعي في الصحة.
ولم يتوقف الإصلاح عند البنية التحتية والموارد البشرية، بل امتد ليشمل الحكامة والتنظيم. فقد أحدثت المجموعات الصحية الترابية، التي دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر 2025، في محاولة لتقريب القرار الصحي من المواطنين وضمان توزيع عادل للموارد. كما تم تفعيل الهيئة العليا للصحة، والوكالة المغربية للدم، والوكالة المغربية للأدوية، باعتبارها مؤسسات جديدة لتعزيز الشفافية والمراقبة وضبط السياسات القطاعية.
وعلى صعيد الرقمنة، أطلق الملف الطبي المشترك والفوترة الإلكترونية، مع إدماج 20 مستشفى جامعي و294 مركزا صحيا في نظام معلوماتي موحد. كما جرى تعميم خدمات التطبيب عن بعد في المناطق النائية، كخطوة لمواجهة الفوارق المجالية وتمكين المواطنين من الولوج إلى الاستشارات الطبية دون عناء التنقل.
مراكز متأخرة
اللافت أنه رغم الزيادات القياسية في الميزانية وعدد المشاريع، يظل المغرب في المؤشرات الصحية العالمية في مراتب متأخرة. فحسب تقارير منظمة الصحة العالمية ومؤشر الأداء الصحي الدولي، لا يزال ترتيب المغرب يتراوح بين 120 و130 عالميا، أي دون تحسن كبير منذ 2021. أما استطلاعات الرأي المحلية، مثل تلك التي أنجزها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فتظهر أن أكثر من نصف المواطنين غير راضين عن جودة الخدمات الصحية، خصوصا في أقسام المستعجلات وآجال المواعيد الطبية.
كما لم ينعكس الإنفاق الصحي المتزايد على الفئات الهشة. ففي القرى والمناطق الجبلية، ما تزال الجمعيات الحقوقية تسجل صعوبات في الولوج إلى العلاج بسبب ضعف النقل الصحي وغياب أطباء التخصص.
ملف الأدوية ظل بدوره مثار جدل. فبين ندرة بعض الأدوية الحيوية (كالأنسولين وأدوية السرطان) وارتفاع أسعار أدوية أخرى، اضطرت الحكومة إلى تفعيل الوكالة المغربية للأدوية لضبط السوق. ومع ذلك، ما زالت تقارير برلمانية تشير إلى أن بعض المستشفيات تعاني من معدات معطلة أو غير مستعملة، ما يجعل الاستثمار في البنيات أحيانا غير مستثمر بالكامل على الأرض.
يظل التحدي الأكبر في كيفية تمويل ورش الحماية الاجتماعية الشاملة، خاصة مع تعميم التأمين الصحي الإجباري على جميع المغاربة. فميزانية 32.5 مليار درهم قد تبدو كبيرة مقارنة بـ 2021، لكنها مهددة بالضغط المستمر الناتج عن الطلب المتزايد على الخدمات. فهل ستتمكن الدولة من مواكبة هذا الورش دون اللجوء إلى ديون إضافية أو تقليص ميزانيات قطاعات أخرى؟