تجديد النخب العسكرية في المغرب وسط ظروف "مشحونة بالتحديات"

ترقية الضباط الكبار سناً وفتح الباب أمام النخب الشابة لرسم مساراتهم المهنية داخل الهرم التنظيمي للقوات المسلحة

أعاد إجراء العاهل المغربي الملك محمد السادس بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية تغييراً على قيادة القوات المسلحة الملكية بتعيين الفريق محمد بريظ مفتشاً عاماً للجيش خلفاً للفريق أول بلخير الفاروق لأسباب صحية قاهرة إلى واجهة النقاش موضوع تجديد النخب العسكرية في المغرب.

وتراهن القيادة العليا للقوات المسلحة المغربية على محاولة ضخ دماء جديدة في أوصال الجيش في مختلف الرتب العسكرية من خلال ترقية الضباط الكبار سناً أو أصحاب الأقدمية وفتح الباب أمام النخب الشابة لرسم مساراتهم المهنية داخل الهرم التنظيمي للقوات المسلحة الملكية.

تجديد الدماء

وفي خبر مفاجئ صبيحة عيد الفطر بالمغرب، السبت الماضي، كشفت وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة أن 'الملك وشح صدر الفريق أول بلخير الفاروق بالحمالة الكبرى لوسام العرش (هو أحد أرفع الأوسمة العسكرية في المغرب) تقديراً لمساره المهني المتميز'.

وجاء قرار إعفاء الجنرال الفاروق من مهامه مفتشاً عاماً للجيش المغربي، بعد أقل من سنتين على تعيينه في هذا المنصب العسكري، الذي يعد ثاني أكبر منصب في هرمية السلطة العسكرية بعد منصب الملك، وذلك خلفاً بدوره للجنرال عبدالفتاح الوراق.

وأفاد بلاغ للقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، ضمن بلاغ، بأن الجنرال 'دو ديفيزيون' (رتبة عسكرية بالمغرب توازي رتبة لواء) محمد بريظ، خريج الأكاديمية الملكية العسكرية (سلاح المدرعات)، وراكم خبرة عسكرية تمتد لنحو 43 عاماً في مجال إعداد القوات والتكوين.

وشغل الجنرال الجديد مناصب المسؤولية ميدانياً، لا سيما في اللواءين المدرعين الثالث والرابع، كما تولى منصب ضابط بالقيادة العليا في مجال تكوين وتوظيف القوات، قبل أن يقود المكتب الثالث للقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية منذ سنة 2014.

ويرى مراقبون أن المؤسسة العسكرية في المغرب تشهد تحولات على مستوى تجديد الدماء، عبر طريقتين أو إجراءين اثنين، الأول ترقية عسكرية سريعة للضباط رفيعي المستوى، والثاني الإحالة إلى التقاعد، وهو الإجراء الذي ساعدت وسارعت في تنفيذه أحداث هامة من قبيل الأحداث الإرهابية التي ضربت قلب مدينة الدار البيضاء في 16 مايو (أيار) 2003، وأيضاً شراكة المغرب في الاستراتيجية الأميركية لدحر الإرهاب الدولي.

تجديد النخب

وفي هذا الصدد، يرى المتخصص في الشأن العسكري محمد شقير أنه 'منذ تولي الملك محمد السادس الحكم عمل كرئيس أعلى للقوات المسلحة على تشبيب مكونات النخب العسكرية التي طاولتها مظاهر الشيخوخة على المستوى العمري وجمود على المستوى التنظيمي'.

ويشرح شقير في تصريحات لـ'اندبندنت عربية' أن الملك لجأ إلى آليتين رئيستين، الأولى آلت إلى تسريع الترقية العسكرية بين صفوف النخب القيادية، وخلق رتب عسكرية جديدة، مثل جنرال 'دو ديفيزيون' وجنرال 'دو كور دارمي' (رتبة فريق).

وتابع الباحث عينه 'تم في هذا السياق ترقية عديد من كبار الضباط بمناسبة عيد جلوس الملك على العرش، إذ تقرر على سبيل المثال ترقية عشرات الضباط من مختلف الرتب العليا شملت الكولونيلات والجنرالات 'دو ديفيزيون'، مما خلق دينامية جديدة وضخ دماء شابة ضمن هرمية النخب العسكرية.

وهمت الآلية الثانية، وفق شقير، وضع نظام للتقاعد العسكري أحيل بموجبه عديد من كبار الضباط الذين تجاوزوا السن القانونية على التقاعد، مع الإبقاء على مرتباتهم، مما سمح بترك مناصبهم لضباط من الشباب، الأمر الذي أسهم في تجديد النخب العسكرية بالمغرب.

وفي دراسة سابقة له أبرز شقير 'الحرص على ألا تؤثر عملية إحالة الضباط العسكريين، بمن فيهم كبار العسكريين، بشكل كبير على السير العادي للمؤسسة العسكرية'، لافتاً إلى وجود اهتمام بضخ دماء جديدة في الهرمية العسكرية، من خلال فتح آفاق الترقية والتقرير للضباط الشباب لتحمل المسؤولية، خصوصاً في الوقت الذي يحرص فيه المغرب على تحديث الجيش وعصرنة مكوناته، في سياق ظرفية داخلية وخارجية مليئة بتحديات جديدة، وعلى رأسها الإرهاب.

تجارب الجيش المغربي

من جانبه، قال المتخصص في الشأن الاستراتيجي محمد عصام لعروسي 'لفهم أدوار النخب العسكرية في المغرب يتعين أولاً تفكيك العلاقة بين السلطة المدنية والسلطة العسكرية، بالتالي يجب الاستعانة بالمرجعية التاريخية لاستيعاب الفصل في السلطات والصلاحيات، ودور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية بالمملكة'.

وأفاد لعروسي بأن محاولتي الانقلاب اللتين عرفهما المغرب في سبعينيات القرن الماضي، شكلتا نقطة محورية في تقزيم وتقليص العمل العسكري، وإخضاع المؤسسة العسكرية لصلاحيات المؤسسة الملكية، فتم إلغاء وزارة الدفاع آنذاك، وأصبحت إدارة الدفاع الوطني تابعة للقصر، والملك القائد العام للقوات المسلحة الملكية.

منذ ذلك الوقت، يردف المتحدث، 'راكم الجيش المغربي أدواراً محورية في الدفاع عن التراب الوطني، خصوصاً عندما طفت قضية الصحراء على السطح منذ سبعينيات القرن الـ20'، لافتاً إلى أن 'النخب العسكرية في المنطقة الجنوبية (الصحراء) أظهرت كثيراً من التجربة والحنكة العسكرية والتعامل مع العتاد العسكري المتطور، وأيضاً التكتيكات العسكرية المتقدمة'.

وسجل لعروسي أن 'هذه التجربة التي راكمتها المؤسسة العسكرية منحتها وظائف وأدواراً رئيسة، لكن لا يمكن مقارنتها مع أنظمة سياسة عسكرية المنشأ، كما هو الحال في السودان أو مصر أو ليبيا سابقاً، باعتبار أن كل هذه الدول تتشابه في كون المؤسسة العسكرية لعبت دوراً سياسياً حاسماً فيها'.

رجحان المؤسسة الملكية

ويستطرد المحلل نفسه شارحاً 'في المغرب ترتبط النخبة العسكرية بولاء كبير حيال المؤسسة الملكية والدولة، وتقوم بأدوار محورية في حماية التراب الوطني، وأدوار اجتماعية واستخباراتية أيضاً، سواء عبر العمل والتنسيق داخل البلاد أو التنسيق مع دول كبرى في ملفات كبرى'.

وأردف المتحدث بأن 'المؤسسة العسكرية تنفذ الاستراتيجية العامة للدولة بما يلائم ويخدم السياسية الخارجية للبلاد في الجانبين العسكري والاستخباراتي'، مشيراً إلى أن 'المغرب يقدم نفسه فاعلاً رئيساً في أفريقيا، بدليل أن دولاً أفريقية تتلقى تدريبات في المغرب بخصوص الذهنية العسكرية وكيفية تدريب الجيوش، سواء قوات المشاة أو الدبابات أو البحرية أو سلاح الجو'.

وتابع أنه 'بفضل نسج تحالفات فاعلة مع أميركا وإسرائيل، فإن المغرب يستفيد من هذا الزخم ويحاول تطوير ترسانته وعتاده العسكري والحربي، من خلال اقتناء أنظمة دفاعية وهجومية من القوى الكبرى لحماية المملكة من كل التهديدات والمخاطر المحيطة'.

وذهب المحلل إلى أن 'دور المؤسسة العسكرية هو دور مكمل للمؤسسة المدنية التي تحتل فيها المؤسسة الملكية مكانة الصدارة والتأثير البارز. فحتى النخب التي تكونت داخل المغرب تعد نخباً تمتلك تخصصات متنوعة وتقدم أدواراً استراتيجية على مستوى البناء العسكري، لكنها تظل دائماً داخل الثكنات ولا تخرج عنها، بمعنى أن العلاقة بين السلطة المدنية والسلطة العسكرية تتم على أساس رجحان المؤسسة الملكية'.