اخبار المغرب
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
على رغم أن الرباط طرحت المقترح في 2007 فإنه يتطلب إجراء إصلاحات في الوثيقة الحاكمة للبلاد
يستعد المغرب تدريجاً لمواءمة تنزيل مقترح الحكم الذاتي لحل نزاع الصحراء في حال إقراره من الأمم المتحدة لإجراء تعديلات وإصلاحات دستورية جوهرية تتماشى مع هذا الحدث، خصوصاً بعد إشادة العواصم الغربية الكبرى، مثل لندن وباريس ومدريد وواشنطن أيضاً، بهذه المبادرة المغربية التي تم طرحها أول مرة في 2007 كحل مقترح لنزاع الصحراء، بينما تتمسك جبهة البوليساريو بخيار الانفصال عن سيادة المغرب.
ويرى مراقبون أن منح الحكم الذاتي لأقاليم الصحراء حل سيفرض إصلاحات وتعديلات دستورية كبرى، ومن ذلك تفعيل 'الجهوية المتقدمة' المنصوص عليها في دستور سنة 2011، من دون أن تجد بعد تنزيلاً على أرض الواقع.
ثورة دستورية
أفاد تقرير جديد للمجلة الفرنسية 'جون أفريك' بعنوان 'كيف يمكن لخطة الحكم الذاتي أن تحدث ثورة (دستورية) في المغرب'، بأن خطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية لم تعد فقط حلاً تفاوضياً، بل أصبحت في قلب مشروع سياسي مغربي داخلي.
ووفق التقرير الفرنسي يعد سيناريو إقرار الحكم الذاتي حلاً لنزاع الصحراء بداية محتملة لثورة مؤسساتية مغربية، من خلال سن صلاحيات أوسع للمؤسسات الانتخابية المحلية وتعزيز مبدأ اللامركزية، كما أن الحكم الذاتي بالصحراء يعد 'أداة لإعادة هيكلة السلطة والإدارة'.
وتوقف المصدر عينه عند مآلات اعتماد مقترح الحكم الذاتي لحل النزاع في الصحراء، خصوصاً على مستوى التقسيم الترابي للمملكة، إذ قد يُفضي الحكم الذاتي إلى نموذج جهوية متقدمة يشمل باقي مناطق المغرب في المستقبل.
وتطرق تقرير المجلة إلى التحديات التي ستقف في وجه 'الثورة الدستورية' التي يتهيأ لها المغرب عند تنزيل 'الحكم الذاتي' بالصحراء، أولها كيفية تأهيل النخب الجهوية وضمان نزاهة المؤسسات المحلية، وتحويل 'النموذج الصحراوي' إلى مختبر لإعادة توزيع السلطة في البلاد.
النظام الجهوي
في السياق ينطلق الباحث السياسي والدستوري محمد زهرو من التصور الاستراتيجي الذي قدمه تقرير مجلة 'جون أفريك' الفرنسية في شأن طي نزاع الصحراء عبر قبول مقترح الحكم الذاتي، مورداً أن 'هذه الخطة المغربية تحظى بتوافق دولي واسع، مما يؤهلها لتكون الأقرب لتنزيلها على أرض الواقع، لما تتضمنه من فرص سياسية متاحة ومفيدة لعديد من القوى الدولية.
ويرى الباحث ذاته أن الحكم الذاتي بالصحراء عند تنفيذه سيكون مثل كرة ثلج تبدأ صغيرة وتكبر بتدحرجها من أعلى الجبل إلى سفحه، فالخطة المذكورة لحل نزاع الصحراء تتطلب من المغرب إرساء ترسانة متقدمة ومتطورة من الإصلاحات الدستورية.
ويشرح المتكلم عينه أن المغرب يسير في هذا الاتجاه حالياً بإقرار نظام الجهوية الذي يروم منح الجهات الـ12 بالمملكة صلاحيات أكبر، وتحقيق نوع من 'الاستقلالية' عن المركز، بغية تكريس 'الديمقراطية المحلية' وتنمية الجهات اعتماداً على ما تزخر به من ثروات وموارد اقتصادية وبشرية.
هذا النظام الجهوي المعمول به حالياً بالمغرب يسير، وفق الباحث ذاته، بوتيرة بطيئة، لكن بخطى حثيثة، غير أنه مع ظهور مؤشرات عن القبول الدولي بخطة الحكم الذاتي بالصحراء، فإن الدولة تجد نفسها ملزمة بالانتقال إلى السرعة القصوى في الإصلاحات والتعديلات الدستورية الجوهرية.
واستدرك زهرو بأن مقترح المغرب بإقرار الحكم الذاتي، وما قد يتلوه من تعديلات دستورية وسياسية مهمة في المغرب، يجد حالياً تحديات وإكراهات عدة وغير هينة من بينها الرفض الجزائري لهذا المقترح، فضلاً عن مدى ضمان نزاهة المؤسسات الجهوية الجديدة المرتقبة.
توزيع السلطة
من جهته يرى الباحث في الشأن السياسي مولاي هشام معتضد أن الإصلاحات السياسية والدستورية التي يباشرها المغرب تعد جزءاً من هندسة استراتيجية شاملة تهدف إلى ترسيخ نموذج سياسي مرن قادر على استيعاب تعقيدات مقترح الحكم الذاتي.
ويشرح معتضد، 'المغرب لا يتعامل مع قضية الصحراء كمجرد نزاع حدودي تقليدي، بل كاختبار لقدرة الدولة على إعادة إنتاج سلطتها على أسس جديدة، تأخذ بعين الاعتبار المطالب المحلية، من جهة، ومقتضيات المشروعية الدولية من جهة ثانية، وفي هذا السياق، فإن أي تعديل دستوري ينظر إليه كآلية لتوزيع السلطة بمرونة أكبر، وليس كتنازل عن السيادة.
وتبعاً للمحلل نفسه، أحد الجوانب الإيجابية لهذه الإصلاحات يتمثل في نزوعها نحو تعزيز البنية المؤسسية التي يمكن أن تؤطر الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية، فالمغرب يسعى، من خلال إعادة تعريف علاقة المركز بالأقاليم، إلى بناء نموذج لامركزي يتيح قدراً من الاستقلال الإداري والسياسي، دون التفريط في وحدة الدولة.
واستطرد المتكلم ذاته بأن المغرب يريد أن يظهر لمجتمع الدول أن مقترحه بإرساء الحكم الذاتي في الصحراء ليس مجرد وثيقة تفاوضية، بل مشروع سياسي قابل للتنفيذ ضمن منظومة قانونية راسخة. وزاد بأن المغرب يحاول أيضاً، من خلال هذه الإصلاحات، إرسال إشارات مزدوجة، الأولى إلى الداخل، مفادها أن النموذج المركزي قد بلغ حدوده، والثانية إلى الخارج، تؤكد أن الحكم الذاتي ليس شعاراً تكتيكياً، بل خيار استراتيجي تؤطره ترتيبات دستورية، وهو توجه، إن تأكدت جديته في الصياغة والتفعيل، يمكن أن يحصن الموقف المغربي دولياً ويعزز حجته في المنتديات الأممية.
نقط ضعف هيكلية
هذه الصورة ليست وردية تماماً، وليس الطريق مفروشاً بالورد، فهناك، وفق معتضد، نوع من التردد في الانتقال الفعلي من خطاب الإصلاح إلى تفعيل عميق لمبادئ الحكم الذاتي على المستوى المؤسساتي، فالخطاب السياسي في الرباط يظل متقدماً على الممارسة القانونية والتنظيمية في كثير من الأحيان، مما ينتج فجوة بين الطموح الاستراتيجي والحالة الواقعية للحوكمة في الأقاليم، وهذ الحذر المفرط قد يفهم خارجياً كضعف في الإرادة السياسية أو كرهان على الزمن بدل الحسم.
ومضى الباحث قائلاً إن 'نقطة الضعف الهيكلية في المسار الدستوري المغربي تكمن في أن هندسة الإصلاحات لم تصاحب حتى الآن بتصور شفاف لموقع النخب المحلية في الصحراء داخل منظومة الحكم الذاتي'، متابعاً أن 'هناك مبادرات لتقوية المجالس الجهوية وتوسيع صلاحياتها، لكن غياب آلية واضحة لدمج الفاعلين المحليين في إنتاج السياسات العمومية قد يضعف من صدقية المشروع داخلياً، ويمنح خصومه أدوات للتشكيك فيه خارجياً'.
ومن المنظور السياسي، يسترسل معتضد بأنه لا يمكن الحديث عن تنزيل جدي لمقترح الحكم الذاتي من دون إصلاح بنية العدالة الدستورية والجهوية في المغرب، إذ إن أي مشروع للحكم الذاتي يتطلب ضمانات قانونية قوية، وإطاراً مؤسساتياً يضمن العدالة والمساواة بين الجهات، ويحصن القرار الجهوي من تدخلات المركز.
وذهب المحلل إلى أن 'نجاح المغرب في ترجمة مقترح الحكم الذاتي إلى واقع فعلي مرهون بقدرته على جعل الإصلاحات الدستورية جزءاً من تعاقد وطني جديد، لا مجرد تكييف تقني للمنظومة القانونية، وهذا يتطلب حواراً وطنياً صريحاً يدمج النخب الصحراوية، ويضمن ملكية مجتمعية للمشروع، حتى لا يظهر كمبادرة فوقية'.