اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٤ أيار ٢٠٢٥
ارتبطت الدبلوماسية الجزائرية، على مدى عقود، بدعم حركات انفصالية عابرة للحدود، وهو نهج شكل إحدى ركائز سياستها الخارجية وتسبب في توترات إقليمية ودولية متعددة. وفي هذا السياق، يمكن فهم بعض التحركات الجزائرية الأخيرة، التي قد تبدو غريبة للوهلة الأولى، كجزء من هذا النمط أو كرد فعل على تداعياته. ومن أبرز هذه التحركات، ما صدر عن التلفزيون الرسمي الجزائري بشأن منطقة بريتاني الفرنسية، والذي اعتبرها 'أرضا محتلة'، وهو ما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء مثل هذه التصريحات.
وفي تحليل خص به جريدة 'العمق'، يرى الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نورالدين، أن قراءة خرجة التلفزيون الرسمي الجزائري حول منطقة لابروتاني الفرنسية، ووصفها بـ'المحتلة'، يمكن أن تتم من خلال ثلاث زوايا متكاملة. الزاوية الأولى، بحسب نورالدين، تتعلق بمحاولة الجزائر 'اليائسة' لتشتيت الانتباه وتضليل الرأي العام، داخليا وخارجيا، عن 'فضيحة دبلوماسية' مدوية تتمثل في تورط عدة دبلوماسيين جزائريين في قضايا إرهابية واختطاف نشطاء حقوقيين جزائريين فوق التراب الفرنسي.
ويوضح الخبير ذاته، أن النظام الجزائري استشعر حجم الخطر المحدق بعد صدور مذكرة قضائية دولية بتوقيفهم وتسليمهم للقضاء الفرنسي، وبعد نشر تحقيق صحافي في جريدة 'لوجورنال دو ديمانش' الفرنسية يتهم الرئيس الجزائري شخصيا بالضلوع في هذه الفضيحة. ويعتبر نورالدين أن هذه الواقعة، التي تؤكد 'تورط رئيس دولة وموظفين دبلوماسيين في عملية تصنف كعمل إرهابي، تشكل 'فضيحة دبلوماسية غير مسبوقة'، مما يجعل التحرك الإعلامي الجزائري الأخير عملية تضليل إعلامي كبيرة ومدروسة، وليست مجرد خرجة عفوية'.
أما الزاوية الثانية في تحليل نورالدين، 'فتظهر بجلاء فقدان النظام العسكري الجزائري للبوصلة الاستراتيجية، حيث لم يعد قادرا على اتخاذ المبادرات، بل تراجع إلى موقع ردود الفعل غير المحسوبة، والتي، في تقديره، تعمق عزلته الدولية وتفقده ما تبقى من مصداقية، إن كانت له مصداقية أصلا. ويضيف الخبير أن هذا الوضع يكشف عن 'الحالة المرضية المتقدمة' للنظام العسكري الجزائري، الذي يراقب انهيار أركانه منذ حراك فبراير 2019 دون أن يمتلك القدرة على إيقافه'
ونتيجة لذلك، لفت نور الدين إلى أن النظام الجزائري يضرب في كل الاتجاهات، ويعادي الجميع، من مالي والنيجر في جواره المباشر، إلى الإمارات العربية المتحدة في أقصى المشرق العربي، وصولا إلى فرنسا وإسبانيا. ويشير الخبير في العلاقات الدولية في هذا الصدد، إلى أن حتى روسيا، الحليف التقليدي، تجاهلته ولم تقدم له دعوة لحضور احتفالات التاسع من مايو التي دُعيت إليها كل الدول الصديقة لموسكو.
وتتمثل الزاوية الثالثة، وفقا للخبير ذاته، في 'عقدة الجزائر التاريخية' وشعورها العميق بفقدان مقومات 'الدولة-الأمة'، وهي جراح نكأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حين نفى سنة 2021 وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، الذي اعتبره، حسب ماكرون، هو من خلق الدولة الجزائرية ورسم لها حدودها.
ويعتبر نورالدين هذه 'عقدة العقد'، مؤكدا أنه 'لا شيء يوجع النظام الجزائري ويخيفه أكثر من التاريخ، فهو يحس بأن الدولة التي ورثها هي كيان مصطنع لا يربط بين المناطق التي جمعتها فرنسا في جغرافية واحدة سوى القوة، ويخشى دائما من تفكك 'تركة الجزائر الفرنسية' وعودة كل إقليم إلى أصله.
ولتدعيم وجهة نظره، يستشهد نورالدين بسلسلة من الأحداث الأخيرة، حيث أوضح أنه في أقل من شهر، هاجمت الجزائر الإمارات العربية المتحدة وعيرتها بأنها دولة بلا تاريخ، وهو ما يراه ممارسة للإسقاط بلغة علم النفس، ثم هاجمت فرنسا واتهمتها باحتلال إقليم بريتاني، واعتقلت مؤرخا جزائريا؛ وأصدرت مذكرة تمنع أساتذة التاريخ في جامعة جزائرية من إعطاء تصريحات صحافية للإعلام الأجنبي، واصفا إياها بسابقة عالمية؛ وقبلها بفترة وجيزة، اعتقلت الكاتب والمثقف بوعلام صنصال بسبب جرأته على كشف حقائق علمية تاريخية.
وخلص الخبير في العلاقات الدولية أحمد نورالدين، إلى أن هذه الزوايا الثلاث مجتمعة تكمل أجزاء الصورة التي يرعب النظام الجزائري وتجعله يتخبط خبط عشواء، مشيرا إلى أن هذا النظام يدرك أن ما حاول إخفاءه طيلة ستة عقود قد انكشف تحت ضوء النهار، وأن الحفرة الكبيرة التي حفرها لهدم وحدة المغرب، هي نفسها التي سقط فيها، وبات يوشك أن يتفتت إلى أقاليم ومقاطعات، مثلما تتفتت قطع البازل أو الفسيفساء، على حد تعبيره.