موريتانيا تحظر مواد تفتيح البشرة لما تسببه من أمراض جلدية

هذا القرار أثار استياء التجار والمستوردين لما تكبدوه من خسارة مالية كبيرة

تشهد سوق مواد التجميل المقابل للسوق المركزي في العاصمة الموريتانية، إقبالاً منقطع النظير من أصحاب محلات التجزئة القادمين من أطراف نواكشوط ومدن الداخل الموريتاني، لشراء حاجاتهم من البضاعة التي منع إدخالها إلى البلاد. ويسابق التجار الزمن من أجل اقتناء كميات معتبرة من هذه المواد التي صدر قرار بحظر استيراد أغلبها، خصوصاً تلك التي صنفها القرار الرسمي من مواد تفتيح البشرة. فقد أعلنت السلطات الموريتانية من خلال تعميم أصدرته إدارة الجمارك العامة، بضرورة التنسيق مع وزارة الصحة لحظر استيراد جميع منتجات تفتيح البشرة، وذلك نظراً لخطورتها على صحة العمومية، بحسب بيان رسمي.

وتضمن تعميم السلطات الموريتانية ملفاً يحدد المواد المحظورة، محذراً من 'استيرادها وتسويقها في جميع أنحاء التراب الوطني'.

وحملت قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد، أسماء أكثر من 80 منتجاً، من بينها 'shirley'، و'civic b' و'clovate'، و'diana'.

الكل يريدها بيضاء

يلعب لون البشرة دوراً كبيراً في تحديد الجمال الأنثوي في بلد غالبية رجاله ونسائه من أصحاب البشرة السمراء. وفي مسعى للحصول على بشرة بيضاء، تسعى أغلب نساء موريتانيا إلى طرق أخرى لتفتيح بشرتهن اعتقاداً منهن أن هذا يزيدهن جمالاً وتألقاً. وخلال مسيرة البحث عن لون بشرة أفتح، تظهر علامات يشير الأطباء إلى أنها أعراض مشكلات جلدية قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض مميتة.

ويقول الاجتماعي طه محمد إن 'بحث النساء الدائم عن الجمال والتميز هو ما يدفع أغلب سيدات موريتانيا إلى استعمال مستحضرات مجهولة المصدر وخطيرة على صحة الجلد'.

وتقول السيدة فاطمة محمود التي تنشط في منظمة تحارب استخدام هذه المواد، إن 'قضية تفتيح البشرة بالنسبة لسيدات موريتانيا تعتمد على مادة تسمى كورت كوييز، وهذه المادة تتفاوت نسب تركيزها في المنتجات التجميلية بدرجات معينة، وهي التي تسبب خطورة على البشرة، والمادة التي تستخدم لتفتيح البشرة رخيصة جداً بمعنى أن عبوة بوزن 100 غرام قادرة على تفكيك تمركز الملانين في الجسم، وهو ما يعطي نتائج تعتبرها السيدات إيجابية لكنها كارثية على الصحة.

وتضيف فاطمة 'تركيز مادة كورت كوييز عال جداً في هذه المستحضرات التي قد لا تدخل في تركيبتها مواد أخرى كالزيوت والمرطبات، وبالتالي تحتوي فقط على تلك المادة وبشكل مركز، وهو ما يجعل انعكاسها على البشرة سريعاً جداً، فإذا كان انعكاسها يتجسد في البياض يعني ذلك أن الجزء الأعلى من الجلد سيزول نهائياً، بدلاً من منتجات التجميل الأخرى التي يتم شراؤها من محلات متخصصة في المجال، تضاف إليها بعض الزيوت والمرطبات مما يخفف من حدة التأثيرات الضارة بالجلد، كالمواد الأخرى الخطيرة التي تؤدي إلى تشوهات في الجلد وغيرها من الأمور'.

وتضيف فاطمة 'هذه المواد التي تحتوي على زيوت تساعد على تفتيح البشرة من دون أي خطورة تذكر ويمكن استخدامها بشكل متقطع عكس المواد الأخرى التي تزيل القشرة الحامية للجلد من أول استخدام. كما أن كلفة أدوات التفتيح الجيدة مرتفعة ما يجعل الكثير من الباحثات عن الجمال يعجزن عن شرائها، ويلجأن إلى الأخرى رخيصة الثمن.

عادات قاتلة

في الثقافة الموريتانية، هناك عادات تفرض على المرأة أن تتزين وتسعى إلى زيادة وزنها قبيل الزواج، خوفاً من نظرة المجتمع وانتقاده لها. لكن لم تكن من بين تلك العادات البحث عن مفتحات بشرة صناعية، لأنها ببساطة غير موجودة في الحيز الجغرافي الموريتاني، تقول ستينية موريتانية، وتضيف 'ما حصل في العقود الأخيرة هو من تأثير انفتاحنا على العالم الخارجي وبخاصة أفريقيا جنوب الصحراء التي نتقاسم معها جنون البحث عن بشرة بيضاء'.

وتنبه فاطمة محمود إلى أن مواد التجميل تنتشر أكثر في القرى والأوساط الريفية حيث يستخدمون مواد التجميل بشكل مفرط، بينما يخف انتشار استخدام هذه المواد في نواكشوط وإن وجدت تكون من ماركات عالمية معروفة.

من جهته، يؤكد الباحث الاجتماعي التيجاني يحيى إقبال النساء في موريتانيا على مستحضرات التجميل وتقشير وتفتيح البشرة من خلال المواد التي غزت سوق البلاد نهاية التسعينيات وحتى اليوم، وهي ذات الفترة التي ارتفع فيها مؤشر الإصابة بسرطان الجلد بسبب غياب الرقابة على هذه المواد على رغم الأصوات المنادية بضرورة وقف استيرادها ووضع رقابة صحية صارمة على سلامتها وجودتها.

خسائر كبيرة لتجار التبييض

'قرار السلطات الموريتانية حظر استيراد مواد تفتيح البشرة والتقشير أثار استياء بعض التجار والمستوردين لما تحققه هذه المواد من رواج وإقبال وأرباح، وقدرت مصادر غير رسمية أن القيمة الإجمالية التقديرية لما تم استجلابه عبر المنافذ البحرية والبرية قدرت بـ45 مليار أوقية سنوياً، ما يعني خسارة مالية كبيرة لمن ظلوا لسنوات يتربحون على حساب الصحة العامة لسيدات موريتانيا'، يضيف الخبير الاجتماعي التيجاني يحيى.