اخبار ليبيا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
نورلاند يقول إن واشنطن مستعدة لفتح باب المساعدات والدعم الأمني وتشجيع الاستثمارات ولكن بشروط
شاركت هذا الأسبوع في مؤتمر اقتصادي - مالي - استراتيجي حول ليبيا والسياسة الخارجية الأميركية في العاصمة واشنطن، حضرته إدارة الرئيس دونالد ترمب ومكاتب من الكونغرس إضافة إلى عشرات الشركات والمؤسسات المختلفة المعنية بمساعدة ليبيا للنهوض وتثبيت الاستقرار بعد حروب طويلة، وكان المؤتمر الأكبر حجماً لليبيا في واشنطن. وركزت على معرفة، ليس فقط التطورات الأمنية والدبلوماسية والسياسية، بل الاقتصادية والمالية والتنموية التي باتت شرطاً دولياً لإيجاد حل نهائي للأزمة.
فبحسب السفير ريتشارد نورلاند سفير واشنطن لدى ليبيا الذي شارك في المؤتمر، الإدارة مستعدة لفتح باب المساعدات والدعم الأمني وتشجيع الاستثمارات، ولكن بشروط معينة تمليها البيروقراطية الأميركية. وأهم تلك الشروط التالية:
1- قيام حكومة مشتركة وطنية ليبية تمثل كل الأطراف.
2- إنهاء الإرهاب.
3- سحب القوات الأجنبية من ليبيا.
وإذا تمت هذه الشروط فالولايات المتحدة ستفتح باب الدعم السياسي والدبلوماسي، أي فتح باب الاستثمار الواسع في ليبيا أمام الشركات والدول.
ومع انتهاء العمليات العسكرية في البلاد منذ أعوام، ساد الـ'ستاتيكو' داخل البلاد وحولها، إلا أن تطور المنطقتين سياسياً واقتصادياً كان مختلفاً، فبينما استمر الغرب بحكومة معترف بها دولياً، ولا سيما تحت إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وتلقت مساعدات خارجية وبعض الاستثمارات، تمكّنت حكومة الشرق بمؤسساتها المنبثقة من البرلمان الليبي المنتخب، بما فيها الجيش الوطني الليبي، من بناء قدراتها الذاتية فارضة نفسها على المعادلة الدولية حتى الانتخابات الأميركية ودخول ترمب إلى البيت الأبيض. ومنذ تأليف إدارة ترمب تغيرت السياسة الأميركية تجاه ليبيا تدريجاً وانتقلت إلى 'ستاتيكو' جديد.
لا يزال الموقف الأميركي الرسمي يدعو إلى توافق الحكومتين في الشرق والغرب على حكومة واحدة مركزية تحت رقابة الأمم المتحدة وتوحيد الوزارات. وكان يعني ذلك تحت حكم أوباما (الرئيس السابق باراك أوباما) وبايدن أن المنطقتين ستبقيان غير قادرتين على أن تمثلا كل ليبيا قبل القبول بالاندماج التام. إلا أن إدارة ترمب بدأت بتغيير تدريجي قد يتسارع باتجاه معادلة مختلفة، أي إن واشنطن ستكافىء تدريجاً تقدم المواقف لدى الطرفين، ومما نراه أن هناك تقدماً في الشرق على صعيدين يتلخص كما يلي، من ناحية تقوم القوات المسلحة الليبية، المعروفة بالجيش الوطني الليبي، بالتعاون المتنامي مع القوات الأميركية، وتصاعد المناورات المشتركة ومواجهة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ومن ناحية ثانية تقوم قيادة الشرق بخطوات متسارعة لإعادة الإعمار بغية الحصول على ثقة القطاع الخاص الأميركي للبدء بالاستثمار.
من هنا فالتحدي يكمن في قدرة الليبيين على أن يكونوا مستعدين لمقابلة الموجة الاستثمارية الآنية بإرادة تغيير عميقة آتية من الداخل، مما تراقبه الإدارة الجديدة. فالموقف الذي سمع خلال ندوة واشنطن لإعادة الإعمار في ليبيا من قبل السفير الاميركي نورلاند ومستشار الرئيس ترمب لشؤون أفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس يتلخص في أن واشنطن تراقب التقدم هناك على صعيد الاستعداد الداخلي الليبي لملاقاة أميركا أكان على صعيد العمل الحكومي أو القطاع الخاص. لذا فالمعادلة الليبية، بنظر إدارة ترمب كما نفهمها في هذه المرحلة، هي تعزيز 'الاستقرار الأمني' من ناحية البناء على الـ'ستاتيكو' القائم، أي أن يُعزز التعاون الدفاعي مع الشرق والغرب بمساواة، ولا سيما ضد الإرهاب. إلا أن بنغازي لديها قدرات تنظيمية جاهزة ومنضبطة ومساحات عمل أوسع، بالتالي فـ'البنتاغون' يندفع طبيعياً للتعاون مع الجيش الوطني الليبي، مما يلاحظ عبر الإعلام، مع العلم أن كل ما يعرض على بنغازي يعرض أيضاً على طرابلس، والفارق الوحيد أن الشرق ليست فيه ميليشيات بينما الغرب تحكمه الميليشيات بصورة عامة. لكن واشنطن لها خطتها مع طرابلس كما لديها برنامج متكامل مع بنغازي، وحالياً ليس مطروحاً إلا هذا الـ'ستاتيكو' مع إشارة أميركية إلى تعزيز قدرات الجيش الوطني لمواجهة الإرهاب ليس فقط في ليبيا، بل ضمن منطقة الساحل كلها.
وبالعودة للمبادرات الليبية الذاتية التي يهتم بها القطاع الخاص في أميركا من ضمن الـ'ستاتيكو'، هو عمل هيئة إعادة الإعمار التي أطلقها المجلس النيابي برئاسة خليفة حفتر والتي أنجزت مشاريع ترميم واسعة وإعادة إعمار في مناطق عدة من البلاد وبصورة سريعة، مما دفع الشركات الأميركية إلى البحث عن طرق لدخول ليبيا والاستثمار فيها. وما عزز قناعة المراقبين الأميركيين بالوضع في ليبيا سرعة معالجة إعادة الترميم في درنة بعد الطوفان والسيول التي قضت على أرواح آلاف السكان. وترك هذا التحرك الإنقاذي للهيئة أثراً إيجابياً لدى الشركات والإدارة بأن الأطراف المحلية يمكن الثقة بها لإعادة الإعمار. فهذا الأخير reconstruction هو أصعب من الإعمار construction، لذا فإن نجاح الهيئة في درنة وأماكن متعددة من البلاد بات يعزز قناعة القطاع الخاص الأميركي، ومعه الأوروبي والآسيوي، بأن فتح باب الدخول الاقتصادي إلى ليبيا بات ضرورة إقليمية وأميركية معاً. وعندما يتفرغ الرئيس ترمب للملف الليبي سياسياً بعد استعماله لإطلاق الحلول للملفات الكبرى الأخرى في أوكرانيا ومع إيران وفي غزة وغيرها، فالاعتقاد أنه سوف ينظر إلى الإنجازات التي نفّذها الليبيون بشراكة مع واشنطن وآخرين ويطلق حملة إخراج ليبيا إلى النور مجدداً.
إذاً التحدي أمام ليبيا والقوى التي تسعى إلى الاستقرار والأمن والسلام هو، أساساً، إقامة قاعدة الثقة التي تثبت أن المجتمع والمؤسسات باتا يتحملان المسؤولية للتعاطي مع المجتمع الدولي بحسب مفاهيم القانون الدولي والضرورات الإدارية. ونرى أن مؤسسات بنغازي تجهد لتلبية هذه الطلبات لإظهار دولة قانون يمكن الشراكة معها دولياً. أما طرابلس فلها فريق الدفاع عنها مع الولايات المتحدة، وقد تبرز قوى وفاقية وإصلاحية فيها تغيّر الاتجاهات لنلاقي بنغازي والمجتمع الدولي، وتدخل كتلة الدول العربية الناجحة وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر والبحرين والمغرب والأردن وغيرها، عندها، وبتقديري، ستعمل واشنطن على شراكة خاصة مع ليبيا وقد تدعمها للدخول في 'اتفاقات أبراهام'. لنرَ.