اخبار ليبيا
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٧ تموز ٢٠٢٥
من عودة نشاط الهجرة غير الشرعية والتهديدات الروسية والتركية، أوروبا تواجه تحديات أمنية طائلة من جهة الجنوب
قبل أيام قليلة، اضطر وفد أوروبي رفيع المستوى إلى مغادرة الأراضي الليبية فور وصوله إلى مطار بنغازي، بعدما منعته حكومة شرق ليبيا من الدخول متهمة أعضاءه بانتهاك الأعراف الدبلوماسية وتجاهل السيادة الوطنية لعدم التنسيق مسبقاً مع سلطات بنغازي في شأن القدوم،وجاء الأمر بعدما كان الوفد أتم زيارة للحكومة المنافسة في طرابلس التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة.
الواقعة وإن كانت تمثل جزءاً من التعقيدات التي تواجهها الوفود الدولية عند لقاء مسؤولي الشرق والغرب الليبي المتنازعين، لكن على نحو أوسع يبدو أن أوروبا تواجه على نحو متزايد تحديات أمنية طائلة قادمة من سواحلها الجنوبية. فلم يعد الجناح الشرقي من القارة العجوز وحده المُهدد بفعل النشاط الروسي، حيث الحرب في أوكرانيا والتدخلات في الدول السوفياتية السابقة، فالجنوب يعج بالنفوذ الروسي والأنشطة التركية، علاوة على مؤشرات في شأن عودة معدلات الهجرة غير الشرعية للزيادة مجدداً.
عندما رفضت سلطات بنغازي دخول الوفد الأوروبي المكون من وزراء الهجرة من اليونان وإيطاليا ومالطا والمتحدث باسم مفوض الهجرة في الاتحاد الأوروبي ماغنوس برونر، كانوا في طريقهم للتفاهم مع حكومة رئيس الوزراء المكلف أسامة حماد والقائد العسكري خليفة حفتر، في شأن مكافحة الهجرة غير الشرعية، إذ يعد طريق الهجرة من طبرق، المدينة الساحلية شرق ليبيا إلى جزيرة كريت من أهم طرق الهجرة في البحر المتوسط حالياً، إذ يصل مئات المهاجرين يومياً عبر هذا المسار.
ففي الوقت الذي تكافح فيه الحكومات الأوروبية ضد قضية الهجرة غير الشرعية وكثف الاتحاد الأوروبي جهوده خلال الأعوام الماضية من خلال عقد اتفاقات ثنائية مع دول شمال أفريقيا لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين، اضطرت الحكومة اليونانية الأسبوع الماضي، إلى إعلان مزيد من الإجراءات المشددة. وقال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أمام مجلس النواب إن 'الوضع الطارئ يتطلب إجراءات طارئة، ولذلك قررت الحكومة اليونانية إبلاغ المفوضية الأوروبية بأنها ستعلق معالجة طلبات اللجوء، في البداية مدة ثلاثة أشهر، لأولئك الذين يصلون إلى اليونان من شمال أفريقيا عن طريق البحر'، مضيفاً أن 'الطريق إلى اليونان مغلق، أي مهاجرون يحاولون الوصول عبر طريق غير شرعي سيُقبض عليهم ويُحتجزون'.
وسُجل ارتفاع بنسبة سبعة في المئة في العبور غير النظامي عبر وسط البحر المتوسط في الجزء الأول من عام 2025، وجاء ذلك في معظمه من ليبيا، مقارنة بانخفاض بنسبة 20 في المئة في بقية طرق الهجرة الرئيسة الأخرى. ووفق التقارير اليونانية الرسمية، وصل نحو 9آلاف شخص إلى جزيرة كريت من ليبيا منذ بداية العام، معظمهم في الأسابيع الأخيرة، وهو رقم يكاد يضاعف عدد الوافدين خلال عام 2024 بأكمله، ووصل إلى شواطئ جزيرة كريت أكثر من 2000 مهاجر في الأسبوع الماضي وحده.
لكن قضية الهجرة غير الشرعية ليست التحدي الوحيد لدول الاتحاد الأوروبي وعلى الأخص اليونان، فتركيا الطامعة في طاقة شرق المتوسط تبحث عن أية مشروعية في غاز المنطقة، وكان السبيل الوحيد لها اتفاقاً يتجاهل الوقائع الجغرافية والقانون الدولي للبحار، وقعته عام 2019 مع حكومة الوفاق الليبي الموقتة السابقة برئاسة فائز السراج، لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، متجاهلين حدود اليونان عبر جزيرة كريت.
وخلال قمة 'الناتو' في لاهاي الشهر الماضي دُقت أجراس الإنذار عقب انتشار أنباء عن توقيع مذكرة تفاهم بين شركة النفط التركية TPAO والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية، تُجيز إجراء مسوحات زلزالية في أربع مناطق بحرية تقع بين اليونان وليبيا.
كذلك يتجه برلمان شرق ليبيا إلى المصادقة على الاتفاق الذي رفضه الاتحاد الأوروبي واليونان ومصر بوصفه غير شرعي، مما يثير مخاوف من توترات في شرق المتوسط. فخلال الأعوام الأولى من العقد الحالي، زادت التوقعات في شأن حدوث صدام عسكري بين تركيا واليونان بسبب أنشطة التنقيب غير القانونية التي حاولت أنقرة القيام بها بالقرب من الجزر اليونانية وسواحل قبرص، ومن ثم فإن التطور الحالي يمثل تصعيداً جديداً، إذ تعتبر أثينا أن هذه المناطق تدخل ضمن نطاق جرفها القاري.
وأواخر يونيو (حزيران) الماضي نشرت اليونان سفينتين حربيتين في محاولة للحد من الارتفاع الحاد في أعداد المهاجرين غير الشرعيين، وفي الوقت نفسه مواجهة التهديد التركي المتصاعد، كذلك فإن رد الفعل في أوروبا يشير إلى قلق متزايد من الخطوات الأحادية التي قد تزعزع استقرار المنطقة، وتفتح الباب أمام مواجهات قانونية وربما جيوسياسية في شرق المتوسط.
ومثلما تمثل روسيا تهديداً للأوروبيين من جهة الشرق، فإنه نفوذها المتمدد في ليبيا بعث قلقاً متزايداً بين الأوروبيين. وكشفت عروض الأسلحة الروسية الأخيرة في بنغازي خلال عرض عسكري عن التقارب المتزايد بين الكرملين والقائد العسكري الذي تسيطر قواته على الشرق الليبي خليفة حفتر. ووفقاً لمصادر دبلوماسية وأمنية تحدثت لمجلة 'بوليتكو' الأميركية الأسبوع الماضي، تسعى روسيا إلى ترسيخ موطئ قدم دائم لها في البحر المتوسط، خصوصاً بعدما أنهت السلطات الجديدة في سوريا الوجود الروسي في ميناء طرطوس، بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وفي هذا السياق، حذر وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني مراراً من أن ليبيا تُعد الوجهة الأكثر ترجيحاً لإنشاء قاعدة بحرية روسية بديلة. ويُنظر إلى هذا الاحتمال بقلق بالغ في العواصم الأوروبية، لأنه قد يكرّس النفوذ الروسي في خاصرة أوروبا الجنوبية، ويمنح موسكو القدرة على تهديد خطوط الملاحة والطاقة، واستخدام الهجرة كسلاح سياسي انطلاقاً من السواحل الليبية.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة الأنباء الإيطالية 'نوفا إجينسيا' تسعى موسكو أيضاً إلى نصب أنظمة صاروخية في قاعدة عسكرية بمدينة سبها في جنوب ليبيا، التي تخضع لسيطرة قوات حفتر، وتوجيه هذه الصواريخ نحو أوروبا. ووفق 'بوليتكو' فإنه على رغم أن كثيراً من المحللين والدبلوماسيين يشككون في أن موسكو قد بلغت فعلياً مرحلة توجيه صواريخ نحو أوروبا من الأراضي الليبية، فإن الوجود العسكري الروسي على الأرض يُعد مقلقاً بحد ذاته. فحتى من دون الصواريخ يمكن لروسيا استخدام عدد من القواعد العسكرية الليبية لأغراض لوجستية، 'وهي نظرياً قادرة على تهديد أوروبا'، بحسب الباحث الرفيع لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أرتورو فارفيلي.
وحتى الآن، استخدمت روسيا تلك القواعد في المقام الأول لتنسيق عملياتها العسكرية في أفريقيا، من خلال ما يُعرف بـ'فيلق أفريقيا'، وهي قوة شبه عسكرية مدعومة من وزارة الدفاع الروسية، وتُعد استمراراً للنفوذ الذي مارسته مجموعة 'فاغنر' سابقاً في المنطقة. ومع ذلك تشير هذه التحركات إلى أن ليبيا باتت مركزاً إستراتيجياً في إستراتيجية روسيا الأفريقية والمتوسطية، وتُهدد بتحويل البلاد إلى نقطة ضغط جيوسياسي جديدة على حدود أوروبا الجنوبية.